الافتتاحية: في ذكرى التأسيس
في 28 تشرين الأول، تمر الذكرى الـ86 لتأسيس حزب الشيوعيين السوريين، الذي كان استجابة لحاجة موضوعية تمليها مصالح النضال ضد الاستعمار والرأسمالية.. وإذا كان الحزب قد لعب دوره المطلوب منه تاريخياً في مراحل مختلفة إلا أنه لم يستطع أن يكون على مستوى تطلع الجماهير له وخاصة في العقود الأخيرة.. الأمر الذي يتطلب المراجعة وإعادة التقييم والخروج بالاستنتاجات الضرورية من أجل السير إلى الأمام باتجاه استعادة الدور المطلوب من الشيوعيين السوريين سياسياً واجتماعياً.. والذي هو مهمة وطنية وطبقية من الدرجة الأولى أمامهم... وهم بتحقيقهم هذا الدور يكونون أوفياء لتاريخهم ويبررون وجودهم الحالي.. فما هو المطلوب لذلك؟
أولاً: يجب التأكيد أنه وبسبب الظروف التاريخية الخاصة في البلاد، لم ينشأ يسار ماركسي خارج إطار الحركة الشيوعية التي بقيت الوعاء الوحيد الممثل له من حيث المبدأ.. لذلك الحديث اليوم عن وحدة اليسار في سورية إنما يعني بالدرجة الأولى وحدة الشيوعيين السوريين، وإخراج هذه القضية من هذا الإطار هو عبث ووهم وتضليل يضر بالحركة الثورية..
ثانياً: ورغم كل ما حصل من تراجع وانقسامات فإن الجذور الشعبية للحركة الشيوعية في سورية عميقة وواسعة الانتشار وهي مرتبطة بالنضال الوطني والاجتماعي الواسع الذي خاضوه على مر عقود سابقة... وأي تخل للحركة الشيوعية عن دورها لسبب مباشر أو غير مباشر، مقصود أو غير مقصود إنما يعني التخلي عن هذه الجذور وفقدان الأمانة تجاهها...
ثالثاً: لا يمكن لأحد أن يدعي أن تاريخ الشيوعيين السوريين لم يخلُ من أخطاء ولكن الأهم أنهم لم يخطئوا أخطاء مميتة لا تغتفر، فمن لا يعمل لا يخطئ، الأمر الذي يلزمهم بمراجعة جدية من منطلق معارف وتجربة اليوم من أجل الوصول إلى استنتاجات تسمح بالسير جدياً للأمام..
إن تاريخ الشيوعيين السوريين بمحصلته هو تاريخ إيجابي ارتبط بنضال الشعب السوري، والذي لا يمكن كتابة تاريخه بمعزل عن تاريخ الشيوعيين السوريين أنفسهم.
رابعاً: لقد ارتبطت حالة الانقسام والتشرذم بأربعة عقود من تاريخ الشيوعيين السوريين، ولا يمكن لأحد أن يدعي أن أحد الأطراف التي كانت تتصارع في الحزب أصبح أقوى من نتيجة الانقسام، حتى ولو توهم البعض ذلك في بداية الأمر.. لقد انعكست حالة الانقسام بنتائجها ليس فقط بضعف كل الفصائل التي نشأت بسببها، بل على مجمل تأثير الشيوعيين مجتمعين أو منفصلين على المجتمع، الأمر الذي كان محتملاً سابقاً، إلا أنه يصل اليوم بآثاره إلى حد اعتباره جريمة تاريخية ترتكب بحق الشعب والبلاد.
لقد زالت الأسباب الموضوعية التي دفعت الشيوعيين سابقاً إلى الانقسام، وبقيت العوامل الذاتية التي بمقدورهم تجاوزها إذا أرادوا ذلك، وبغض النظر عما يريدون، فإن الضرورة التاريخية تتطلب ذلك اليوم بشكل ملحّ ومستعجل.
خامساً: لقد جاء في موضوعات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين: «إن الدور الوظيفي يعني قبل كل شيء اعتراف المجتمع وخاصة الطبقة العاملة وسائر الكادحين بالشيوعيين كقوة تمثلهم، وهذا الأمر سيحتاج إلى عمل كثير لاستعادة ثقة الجماهير بحزبها، وهو أمر صعب في حال بقاء الحركة منقسمة بين فصائل ومجموعات، مما يتطلب إنجاز عملية توحيد الشيوعيين السوريين من تحت لفوق.».
إن القضايا التي اختلف عليها الشيوعيون السوريون سابقاً، أصبحت بأكثريتها العظمى في ذمة التاريخ.. وقد ضاق موضوعياً هامش الخلاف بينهم حول قضايا اليوم، أو على الأقل لم يعد بهذا الاتساع الذي كان في الماضي، ولذلك ترتدي قضية الشكل الذي سيتوحدون عبره أهمية قصوى اليوم، لأنها الضمانة لوحدة حقيقية تضمن وحدة الإرادة والعمل، وتضمن بالتالي عودتهم لكي يمارسوا الدور المطلوب منهم في حياة البلاد، أي أن شكل التوحيد ليس قضية تنظيمية بحتة، بل هو قضية سياسية بالدرجة الأولى، ويجب أن تجيب على سؤال أي حزب نريد؟ حزباً يلعب الدور المطلوب منه، أم حزباً يدعي ممارسة الدور المطلوب منه، لذلك فإن احترام الديمقراطية الحزبية الواسعة حين صياغة سياسة الحزب، وفي انتخاب هيئاته المختلفة عبر الاعتراف بمبدأ سيادة المؤتمرات، الذي يعني لا وصاية عليها، ولا شروط مسبقة عليها، ولا عدم الالتزام بنتائجها، هو مبدأ ضروري لا يمكن التخلي عنه في الظروف الحالية عبر تطبيقه بشكل حي وإبداعي وغير شكلي، مما سيضمن التطور اللاحق للوصول إلى ذلك الحزب القوي والذكي والمبدئي والمرن والثابت على المبادئ والمبدع للحلول، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.