الافتتاحية: البحرين كأحد صواعق الانفجار

لم يكن النظام الرسمي العربي يوماً إلاّ مستقوياً بالخارج ومنفذاً لاستراتيجيات ومخططات التدخل الأجنبي في شؤون البلدان العربية بالجملة والمفرق، مقابل البقاء في سدة السلطة بكل ما تحتويه من مفاسد وقمع متعدد الأشكال ضد شعوب المنطقة!.

ولم تدخل مصطلحات الاستقلال والدفاع عن كرامة الوطن والمواطن والذود عن السيادة الوطنية في قاموس ما يسمى بدول «الاعتدال العربي»، وإذا تعمقنا في تاريخ ومواقف جامعة الدول العربية منذ تأسيسها مروراً بالموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق وصولاً إلى الموقف من شبح التدخل الأجنبي السياسي والعسكري في ليبيا، نلاحظ أنها تنفذ ما يطلب منها سياسياً وعسكرياً وتمويلياً للمخططات الأمريكية والأطلسية في المنطقة.

وبعد سقوط نظامي ابن علي في تونس، ومبارك في مصر، ومع استمرار تفجر الوضع في ليبيا واليمن والبحرين، أصبح مطلوباً من السعودية وأخواتها الخليجيات أن تلعب دوراً أكثر وضوحاً في مواجهة وكسر إرادة الجماهير التي خرجت إلى الشارع وأثبتت أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة والإطاحة بالحكام والأنظمة الاستبدادية التابعة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.

وهكذا.. بعد وقت قصير على طلب الجامعة العربية من مجلس الأمن الدولي فرض الحظر الجوي على ليبيا كغطاء وشرعنة للتدخل العسكري المباشر بحجة حماية المدنيين من الطاغية معمر القذافي، والذي لم يكن يوماً إلاّ على شاكلة صدام حسين، جاء بقطار أمريكي ولا يغير من هذه الحقيقة كل ما طرحه الاثنان من شعارات ومواقف توحي بعكس ذلك، قررت دول مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات عسكرية إلى البحرين لقمع وإرهاب المتظاهرين بالحديد والنار في المنامة وغيرها من مدن البحرين.

وإذا كانت أحداث البحرين بقيت هامشية بالقياس لما يجري في اليمن حتى دخول قوات «درع الجزيرة»، فإن اتخاذ قرار عسكري على هذا المستوى لابد وأنه يستهدف الأمور التالية:

1 ـ إظهار تماسك دول الخليج على المستوى الداخلي وعدم السماح بنقل عدوى الأحداث والمد الجماهيري في اليمن إلى أي من دول الخليج، وخصوصاً إلى السعودية التي لن تكون بمنأى عن رياح التغيير ضد طغيان الأسرة الحاكمة.

2 ـ توجيه رسالة تأييد معنوية لرأس النظام الاستبدادي العميل في اليمن بإمكانية تقديم العون العسكري له عند الحاجة، فيما لو تصاعد المد الشعبي ضده، تجنباً لسقوطه كما حصل لشريكيه السابقين ابن علي ومبارك.

3 ـ تصوير التدخل العسكري لدول الخليج في البحرين كحماية للنظام من التهديد الإيراني، أي إعادة العمل بمقولة «الفالق السني- الشيعي» واستفزاز إيران إلى الحد الأقصى تمهيداً لتعبئة الرأي العام العربي ضدها، وهذا ما سبق أن عملت عليه طويلاً واشنطن وتل أبيب وأتباعهما في المنطقة، وخصوصاً بعد حرب تموز 2006 واتهام المقاومة في لبنان بتنفيذ «أجندة» إيرانية وليس لتحرير أرض الوطن، والذي اقتضى التضحية بآلاف الشهداء وصولاً إلى قلب ميزان القوى في المنطقة ضد العدو الصهيوني.

4 ـ لم يكن قرار التدخل العسكري الخليجي في البحرين مستقلاً عن التوجيهات الأمريكية والأهداف الإسرائيلية العدوانية اللاحقة في المنطقة، ولاشك أن سقوط نظام مبارك وما وصلت إليه الانتفاضة الثورة الشعبية هناك من منجزات واحتمالات عدوى هذا النموذج في عدد من البلدان العربية، وكذلك استمرار تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة وتداعيات كل ذلك على الكيان الصهيوني، سيدفع واشنطن وتل أبيب لمغامرة عسكرية جديدة ضد سورية ولبنان كمخرج من مأزقهما الاستراتيجي، والذي يزداد يوماً بعد آخر، ومن هنا تأتي أهمية ترتيب «البيت الداخلي» قبل المغامرة العسكرية المتوقعة في هذا الصيف.

5 ـ إعطاء المدد لفريق 14 آذار في لبنان والذي علا صوته الطائفي إلى أقصى حد في الأيام القليلة الماضية لدرجة أن عنوانه الرئيسي تجاوز البحث عن الذين اغتالوا رفيق الحريري، إلى رفع شعار «إسقاط سلاح المقاومة» كخطر تجاوز ما يصرح به وزراء حكومة نتنياهو العنصريون، ولعل في ذلك أكثر من دلالة واضحة أن صوت و«عنتريات» سعد الحريري وفريقه ليست أكثر من صدى لصوت سيده في الرياض وأسياده في العواصم الغربية!.

يبدو أن قادة واشنطن وتل أبيب وأتباعهما من قادة النظام الرسمي العربي لم يدركوا بعد أن عصر الشعوب ونهوضها الثوري والشعبي يترسخ يوماً بعد يوم عبر خيار المقاومة الشاملة، والذي سيحقق عاجلاً أم آجلاً الانتصار التاريخي على تحالف القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية العالمية.