د. قدري جميل: يتأكد للجميع استحالة الحل العسكري

أجرت فضائية anb بتاريخ 14112012 حواراً في إطار برنامج (إلى أين) شارك فيه كل من د. قدري جميل والكاتب السياسي الأستاذ جورج علم، وهنا تنشر قاسيون بعض إجابات الدكتور قدري جميل على أسئلة مقدمة البرنامج زينة فياض.

ما الذي تتوقعون من الجامعة العربية فعله؟ وهل من المتوقع أن تتمكن الرئاسة المصرية من إيقاف العدوان الهمجي على غزة؟

باعتقادي لا يمكن توقع أي فعل من الجامعة العربية، لأن ما كان متوقعاً منها في الأصل لم يحصل ولم يكن بمقدورها فعل أي شيء، وأعتقد أنه بوجود هذه الأوضاع المعقدة فإن الاصطفاف الحقيقي الجاري هو بين محور الاستسلام ومحور المقاومة، ومن الصعب أن تأخذ الجامعة موقفاً واضحاً وفعالاً خاصة في ظل الهيمنة القطرية والسعودية ومحور الاستسلام عليها، لكن هذا لا يعني أن محور المقاومة غير موجود كلياً، وأنه لا ينهض ويستجمع قواه وينتعش في الفترة الأخيرة.. فيما يخص مصر أعتقد أن كل المحاولات، منذ بداية الحراك الشعبي، التي اشتغلت على فصل المحتوى الإجتماعي والديمقراطي للتحركات الجارية في العالم العربي وبين محتواها الوطني، أي أساسها الوطني، تبوء بالفشل تحت ضغط الواقع الموضوعي، وتقف الرئاسة المصرية اليوم أمام استحقاق ولحظة حقيقة، وعليها أن تختار بين الاندماج في النضال الوطني العام المتلازم مع العملية المرتبطة بالحراك الشعبي التي كانت وما تزال ترفع شعار ات اجتماعية وديمقراطية واضحة، والتي أراد البعض إجهاضها بإصلاحات شكلية و«خلبيّة» وإبعادها عن أهدافها الوطنية الكبرى، أو إجهاضها بالضغط المباشر عليها، فمن المفروض عليها الآن إجراء تغييرات تؤثر على البنى التحتية بأكملها، سواء كانت بنى الدولة أو الأحزاب.

قبل قليل أتيت على ذكر ما تقوم به قطر والسعودية وخاصة قطر التي كان نجمها مضيئاً الأسبوع الماضي حين جمعت أطياف من معارضة الخارج السورية وتمكنت من تشكيل إئتلاف بديل لمجلس اسطنبول أو المجلس الوطني السوري كما سمي في تركيا، كما أعلن نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد أن هذا الإئتلاف الجديد هو بمثابة إعلان حرب، أنتم دكتور جميل كيف تنظرون وتصفون هذا الإئتلاف الجديد؟

قبل أن أتحدث عما جرى في الدوحة، لدي إضافة صغيرة لا بد من طرحها حول مصر، وهي أنه من الهام ألا يتوقع أحد أن مصر من الممكن أن تتدخل عسكرياً، ولكن حين قلت إنها لحظة حقيقة واستحقاق، لأن موقف القيادة المصرية اليوم هو الذي سيحدث الفرز بين القوى السياسية والشارع المصري، ويعطي للقوى ما يجب أن تأخذه من وزن حقيقي على أرض الواقع.. أي أن جميع الشعارات الرنانة والمطاطية والضبابية وغير الواضحة الحدود (الديمقراطية والاجتماعية)، كل هذه الشعارات تأتي القضية الوطنية لتضعها في المسار الصحيح، ولذلك ستجري عملية تراكمية وهذه العملية تؤكد أنه لا انفصال بين الأهداف الاجتماعية- الديمقراطية من جهة والوطنية من جهة أخرى، وهذا هو الجامع والمشترك في كل الحراك الشعبي في العالم العربي، وهو جيد ويعتبر عامل خير إيجابياً وسيكون له تأثيره على كل التطور لاحقاً.

أما فيما يخص سؤالك حول الدوحة، دعيني أقل التالي: المجلس الوطني السوري أي مجلس اسطنبول ومنذ أن توقعنا استحالة التدخل الخارجي حين تم استخدام الفيتو الروسي الصيني الأول، توقعنا أنه (أي المجلس) سيتبخر، لأن هذا المجلس رُسم وصُمم على أساس أن يتلاءم مع إمكانية التدخل المباشر، وحين بات التدخل العسكري المباشر مستحيلاً أصبح هذا المجلس من حيث الفكرة والتصميم والوظيفة غير قادر على أداء المهام الوظيفية الجديدة التي يتطلبها المخطط الأمريكي الغربي في المنطقة، لذلك كان واضحاً أن هذا المجلس بهذه التركيبة دخل في وسط غيبوبة وأصبح بحاجة للإنعاش، وكنا نتوقع أن يجري استبداله بهذا الشكل أو ذاك من أولئك الذين صنعوه.

وفعلاً مؤتمر الدوحة هو محاولة لإعادة رسم شكل المعارضة الخارجية اللاوطنية كي تتوافق وتتلاءم مع المهمات الجديدة التي يرسمها المعلم الكبير.

من تقصد بالمعلم الكبير يا دكتور؟ وما هي المهمات الجديدة؟

المعلم الكبير هو الأمريكان والغرب الأوروبي والفرنسيون بالدرجة الأولى، لأن قطر والسعودية وتركيا لاعبون ثانويون منفذون لأوامر المركز الأساسي مع كل هوامشهم التي يعملون بها خارج تعليمات هذا المركز، لكن المركز يعطيهم حرية حركة معينة، وفي الحقيقة ليس هذا هو جوهر الموضوع، فالجوهر هو أن أهداف اليوم ترتسم ضمن ضرورة استمرار التدخل بشكله غير المباشر، أي أن الغرب استعاض عن التدخل العسكري المباشر بالتدخل غير المباشر، من هنا نفهم تلك التغييرات التي جرت على بنية المعارضة الخارجية تنظيمياً، حيث جرت أولاً تغيرات في الصف الأول بحيث تم تغيير كل أولئك المغتربين الذين كانوا يعيشون في أوروبا عشرات السنين، وحاولوا أن يأتوا بوجوه جديدة مرتبطة ولم تخرج منذ زمن طويل من البلاد، ولها علاقة ليست بعيدة زمنياً بالواقع في الداخل السوري، ثانياً من حيث البنية أعتقد أنهم لم يستطيعوا إنجاز شيء لأن الرسمة الجديدة تقول إن هذه الواجهة السياسية وقيادتها الجديدة يجب أن ترتبط بالقوى الفعلية على الأرض، لأن الرسمة السابقة بينت أن القيادات السياسية البعيدة في الخارج والمعلقة بالهواء لا تستطيع أن تفعل شيئاً، وهذا ما يفسر السلوك الفرنسي مؤخراً بالاتصال مباشرةً ببعض المجموعات على الأرض ومحاولة تأطيرها والعمل معها مباشرةً، وأعتقد أن هذه المهمة لم تنجز في هذه اللحظة إطلاقاً، أي تكوين الكيان الجديد، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن المعارضة الخارجية اليوم والتي تتلقى كل الدعم المالي والعسكري والإعلامي من الغرب هي في حالة انعدام وزن، لأن (فرط) فريق وإعادة تشكيل فريق جديد يجعل من مستوى الأداء في انخفاض مستمر، وهو ما يجري اليوم، وهو ما يحمّل المعارضة الوطنية الداخلية مسؤوليات إضافية كي تلعب دورها وتقوم بالمهام المطلوبة منها.

ذكرت دكتور أن مهمة الإئتلاف الجديد هي التدخل غير المباشر، فهل تقصدون التدخل العسكري غير المباشر بعد أن باءت فكرة التدخل العسكري التركي المباشر بالفشل؟

التدخل غير المباشر له أشكال عديدة، العسكري أحدها، ألا يعتبر الضخ المالي تدخلاً غير مباشر؟ وكذلك الإعلامي؟. على هذا الأساس أعتقد أن المهمة التي وضعوها أمام انفسهم مستحيلة التطبيق في الظروف الحالية.

بيان وزراء الخارجية العرب دعا كل أطراف المعارضة للانضمام إلى هذا الإئتلاف، أنت كأحد ممثلي المعارضة في الداخل، هل توافق على تلبية دعوة وزراء الخارجية والانخراط في هذا الإئتلاف؟

أولاً أرغب بتدقيق بعض الأمور، الوضع الدولي بالمقارنة مع فترة غزو كل من العراق وليبيا جرت فيه تغييرات جوهرية، لم يكن للصين ولروسيا هذا الموقف، مما مكن الغرب من غزو الدولتين وحصل ما حصل.

عند الأزمة السورية، الصين والروس أخذوا موقفهم الهام جداً المتمثل بالفيتو، وإذا كان الفيتو الشكل القانوني لهذا الموقف، فالشكل العملي له هو منع التدخل المباشر، لكن وبسبب التوازن الحاصل في المعادلة الدولية لم يستطيعوا حتى الآن ولن يستطيعوا قريباً حسب اعتقادي أن يمنعوا التدخل غير المباشر، لذلك يمكن القول إن المعادلة في المستوى الدولي هي لا شيء (صفر) أي تعادل، وهذا ما يفتح أمامنا إمكانيتين إحداهما سلبية والأخرى إيجابية.

الإمكانية السلبية الناتجة عن هذه المعادلة الصفرية هي استمرار القتال الداخلي إلى ما لا نهاية، وتنفيذ ما اقترحه كيسنجر مؤخراً (إحراق سورية من الداخل). أما الإمكانية الإيجابية هي أن تجد القوى الوطنية السورية المتواجهة في نفسها ما يكفي من الشجاعة والحكمة والذكاء للاستفادة من هذه المحصلة الصفرية كي تذهب إلى حل سياسي يوصل إلى المصالحة الوطنية ويوقف نزيف الدم السوري ويوقف تدمير الاقتصاد السوري وتدمير المجتمع السوري، ويسمح بتكوين الفضاء السياسي الجديد، وببناء سورية التعددية والديمقراطية، هذان الاحتمالان ما زالا مفتوحين.

بانتظار ماذا يا دكتور؟ وأي تطور سيحدد؟

بانتظارتكون ميزان القوى الداخلي الذي يرجح أحدهما، آخذاً بعين الاعتبار أن ميزان القوى الدولي بسبب الأزمة الاقتصادية العظمى لا يسير باتجاه مصلحة الغرب، وآخذاً بعين الاعتبار أيضاً قضية أخرى هامة، وأرجو أن تتوقفوا عندها وهي أن الأطراف المتشددة المتصارعة قد استخدمت حتى هذه اللحظة أقصى ما يمكن من قوتها العسكرية ولم تؤد إلى الحسم، بل تأكد الاستعصاء، أي أن هذا الوضع يسمح بانفتاح أفق الحل السياسي.

لكن معاذ الخطيب الذي عيّن رئيساً للإئتلاف قال إن هناك ضمانات له من دول خليجية وأوروبية بتسليح المقاتلين في سورية وهو يعني بذلك أنه ومن المؤكد سيكون هناك نوعية من التسليح إلى سورية، وبالتالي فإن هذا الحديث عن قضية الصراع العسكري في سورية يؤكد أن الأمور تسير نحو تأزم أكبر؟

فليكن.. حتى ولو لديه ضمانات، لكن السؤال هنا هو: ما قيمة وسعر هذه الضمانات، وماالذي ستغيره على أرض الواقع؟ أثبتت التجربة وبعد ما يقارب السنتين من المواجهات أن هناك حالة استعصاء، فالتدخل غير المباشر لا يضمن انتصار طرف على آخر ولا هزيمة طرف على يد طرف، التدخل غير المباشر يضمن فقط قضية واحدة وهي إدامة الاشتباكات، وأعتقد أن هذا ما يريده الطرف الآخر. تتبدد اليوم وبسرعة هائلة أوهام الانتصار العسكري الحاسم عند المعارضة المسلحة، وهذا ما نجده على الأرض، فالقوى المسلحة تفقد البيئة الحاضنة لها أكثر فأكثر، وهذا لا يعني أن البيئة الحاضنة انتقلت إلى الضفة الأخرى، ولكنه يعني أن البيئة الحاضنة مع استمرارها بمواقفها السياسية السابقة لم تعد مستعدة أن تؤيد المسلحين، الذين رفعوا مستوى وعودهم سابقاً، بالشكل الذي كانت تؤيدهم به سابقاً، ومن جهة أخرى جميع المتشددين في النظام الذين كانوا يعدون بانتهاء الأحداث بعد أسبوعين أو ثلاثة وأتحفونا بكلمة (خلصت) مرات عديدة. اليوم هم أيضاً يتضاءل نفوذهم وينحسر، والقوى العاقلة في المجتمع السوري إن كانت موالاة أو معارضة يتسع نفوذها ويزداد وزنها النوعي، وأعتقد أن الرهان هو على هؤلاء في ظل المعادلة الصفرية، واقتنع تماماً أنه لا يمكن تكرار التجربة التونسية أو المصرية أو العراقية أو الليبية أو اليمنية في سورية، ففي سورية سيكون هناك حل سوري خالص يختلف عن كل الحلول الأخرى. 

 هل نضجت الظروف الإقليمية والدولية لجلب الجميع إلى الطاولة للوصول إلى حل سلمي وسريع في سورية؟ أم لديكم حل آخر يكون سورياً- سورياً داخلياً، حتى لو لم تتفق السقوف الخارجية ؟!

العناصر التي تسمح بإيجاد حل هي من نوعين: عناصر موضوعية وعناصر ذاتية، والعنصر الموضوعي أصبح ناضجاً تماماً بعد فترة طويلة من المواجهات العسكرية وتجريب لغة العضلات، اليوم يتأكد للجميع استحالة الحل العسكري، المكابرة في هذه النقطة عبث وضرر كبير سيصيب سورية وسيؤدي بنهاية المطاف إلى إلغاء دورها الوظيفي إذا لم يهددها في وجودها نفسه.

هل تتحدث عن هذا بصفتك الحكومية أم السياسية؟

نحن دخلنا الحكومة كمعارضين وكبداية لائتلاف يسمح بتشكيل حكومة الوحدة  الوطنية الواسعة الكاملة الأوصاف المنشودة، لذلك أنا أعبر عن رأي حزبي «حزب الإرادة الشعبية»، وعن رأي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ولكن بالملموس أنا من خلال وجودي في البلاد، ألاحظ في المعارضة السياسية، وفي الشارع السوري، وبأوساط النظام تفهم وقناعة أوسع فأوسع لضرورة الحل السياسي، وهذا هو العامل الموضوعي الذي نضج، والذي لم ينضج تماماً بعد هو العامل الذاتي. هناك قوة دولية ما تزال مصرة لغاية في نفس يعقوب على استمرار تمويل المسلحين ودعمهم بالسلاح مع قناعتها الضمنية أن هذا الأمر لن يؤدي إلى انتصار منشود كانت تبتغيه كما كانت تحلم في الماضي، لديها أهداف أخرى.

أما إقليمياً، فالقوى الإقليمية لديها مراجعة وخاصة تلك التي دعمت التدخل وترى أنها تورطت، وأعتقد أنها تبحث عن حلول تحافظ لها على ماء الوجه وتركيا مثال على ذلك.

ثالثاً: داخلياً الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وهيئة التنسيق كانت بيننا خلافات هامة، اليوم هذه الهوة من الخلافات ردمت واتفقنا على المبادئ الأساسية جميعها، ونحن الطرفان في المعارضة الداخلية ونشكل طرفاً هاماً وأساسياً لإطلاق العملية السياسية في الداخل.

متى بالإمكان تحقيق ذلك؟ وخاصة أنه لا يوجد صوت واحد للمعارضة

لماذا يكون هناك أصلاً صوت واحد، نحن لم نبحث عن توحيد المعارضة. نحن نبحث عن تجميع المعارضة على ثوابت كبرى وهي: لا للتدخل الخارجي بكل أشكاله، لا للعنف بكل أنواعه، وهما المبدآن الأساسيان اللذان تم الاتفاق عليهما، والباقي يبحث على طاولة الحوار، وهذا أيضاً تم الاتفاق عليه. ومن السبت سيبدا مؤتمر الحوار بطهران الذي يضم قوى المعارضة في الداخل، وعلى ما أعتقد أنّ هيئة التنسيق وافقت على الحضور، ولكن سنكون موجودين بالإضافة إلى أناس مقربين من النظام، وأعتقد أن هذا الأمر سيكون فاتحة خير بتسريع عملية الحوار الداخلي التي آن الأوان كي تبدأ وهي قد تأخرت، والبدء فيها سيفتح آفاقاً جديدة ستحد من مستوى العنف وصولاً إلى تخفيضه بالتدريج وصولاً إلى الحل السياسي الشامل متوجاً بالمصالحة الوطنية.

وأنا متأكد أنّ الحوار والبدء به لن يكون «مسحة رسول»، والعملية لا بد أن تأخذ الوقت الكافي، ولكن المهم ان تنطلق وأن لا تتأخر، لأننا لسنا من أنصار تحقيق كل شيء أو اللاشيء فالمهم أن نبدأ ولو على المستوى الخفيف.

لكنكم وفي بيان لكم بعد مرور مئة يوم على تشكيل الحكومة الجديدة في سورية ذكرتم في مضمونه انتقادات حادة، وأنكم لم تتمكنوا من تأمين برنامج الحد الأدنى للخروج الآمن من الأزمة، وذكرتم نقطتين أنّ التعاطي الحكومي مع مشروع المصالحة الوطنية لم يؤمن حتى الآن متطلبات الأساسية لوزارة المصالحة الوطنية من ناحية الصلاحيات والنقطة الثانية أن بعد ما تروج له بعض وسائل الإعلام التابعة لقوى متنفذة ومتشددة في البلاد من تشكيك بجدية سياسية الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير مقصود منه تعطيل الجهود الحقيقية المبذولة للخروج الآمن. وهذا كان بتاريخ 24/10/2012 أي الشهر الماضي. هل بدّل شيء منذ هذا التاريخ حتى اليوم؟

هذا ما  يجب أن نفهمه بسياقه الطبيعي. نحن ائتلاف من قوى مختلفة ونعمل على أساس المادة الثامنة الجديدة من الدستور التي تقول بالتعددية الحزبية والسياسية في البلاد، انتهينا من ذلك العصر حين كانت القوى الموجودة في الحكومة جميعها بقياس بعضها، بالإضافة لوجود تباينات ونقاشات وهذا طبيعي لأننا وجهنا انتقادات لوتيرة البرنامج الذي اتفقنا عليه اعتماداً على البيان الحكومي، ووضعنا وجهات نظر، والمقصود من ذلك تحضير تنفيذه بالدرجة الأولى، لذلك اعتقد ليس في ذلك شيء يضير، وهذه العملية مقيدة وإيجابية وهي التي دفعت عملياً العملية الجارية في البلاد إلى الأمام، ونحن ما زلنا في المعارضة ولو كنا في الحكومة.

هل يمكن أن تسموا الجهات التي تعطلكم من القيام بالأهداف التي جعلتكم تشاركون في الحكومة السورية؟

أعتقد أنّ وضع القضية بهذا الشكل فيه تبسيط، لأنّ جوهر الموضوع هو الانتقال من المادة الثامنة القديمة إلى الجديدة. وهنا لن أبحث عن شياطين وعن قوى خفية تعيق الانتقال وهذا هو لتبسيط الأمر، أعتقد أن هناك قوة عطالة، عادات وتقاليد، بنية ذهنية بحاجة إلى عملية تغيير، الأمر الذي يتطلب نضالاً ونقاشاً وجدلاً وأحياناً يصل لحد الاحتكاك، وهذا ليس بالأمر السيء لذلك نحن مصرون أن البلد بحاجة لتغيير والحوار هو الطريق الوحيد للتغيير، والحوار يعني وجود اختلافات بالرأي وهذا أيضاً طبيعي.

ما رأيكم في قضية إمكانية التمسك بما هو على الأرض؟

 نحن موجودون على الأرض، والشيطان يختفي في التفاصيل الصغيرة. المعارضة الخارجية تحاول أن توهم عبر الضخ الإعلامي الذي يساعدها فيه كل أجندة الإعلام الخارجية، وأنها المعلم الكبير لجميع المجموعات المسلحة، ولكن الواقع ليس كذلك، وإن كانت هي في موقع «مونة» فإنني أرى بنهاية المطاف أن بإمكانها أن تؤثر أولاً على مجموعات الجهاديين الأجانب، والذي أصلاً معلمهم في الخارج، ثانياً يمكن أن تمون على أشباههم من السوريين، وهؤلاء وزنهم النوعي غير عال، وأنا أعلم أن مجموعات واسعة من المعارضة المسلحة لا تعترف بكل المعارضة الخارجية وهذا لا يعني أنهم أوتوماتيكياً يعترفون بالمعارضة الداخلية، ولكن هناك حالة من هذا النوع يجب فهمها والتعامل معها، وبالنظر إلى كيفية تطورها، لذا فإن أي انفتاح لآفاق الحل السياسي سيؤثر على الأرض كثيراً على القوى السياسية وعلى بعض القوى التي تستخدم السلاح، أي لا بد من رؤية الأمور بحركتها وليس بشكلها الستاتيكي (السكوني)

هل يمكن لآفاق الحل التي تتفضلون بذكرها أن تكون عبر خطة لافروف التي عادت الآن إلى الواجهة والتي تستند بشكل أساسي على خطة جنيف، خاصة وأن العديد من التقارير تؤكد أن هناك محاولات لإحيائها، وهو قد ذكرها خلال اجتماعه بنظرائه الأوروبيين خلال الشهر الماضي، والسؤال هو ما حظوظ خطة لافروف للنجاح؟

إنّ الأهم في اتفاق جنيف أن يعاد الاعتبار له من قوى الغرب التي التفّت عليه قبل أن تجفّ تواقيعها عليه وذهب باتجاه أن تجرب حظها للمرة الأخيرة عبر تصعيد مستوى العنف على الأرض منذ ذلك الحين، والتجربة أثبتت خلال الأشهر الأخيرة أنّ هذا الأمر هو وهم وقبض للريح، لذلك إحياء جنيف بأي شكل إن كان عبر خطة لافروف أو غيره لها حظوظ كبيرة في هذه اللحظات كي تشق طريقها. المهم أن يتوفر المحاور الأساسي للنظام في الداخل وهو ما نبذل عليه جهوداً كبيرة في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، وإذا نجحنا بهذا الاتجاه، من الممكن أن تنطلق قاطرة الحوار ضمن غطاء على أساس دولي، هو اتفاق جنيف من حيث المبدأ ويمكن الوصول لوضع نهاية للأحداث المأساوية في سورية التي لا أتوقع أن تنتهي بلمسة ساحر، لأنها عملية ستأخذ مداها خلال الأشهر الطويلة القادمة.

من تقصدون بوجود محاور أساسي للنظام، هل هناك إشكالية على وجود الأسد؟

 حين يتم الحديث عن الحوار، حجة النظام هو أنه مَنْ سيحاور؟ ويمكن أن يكون له حق في ذلك، فالمعارضة مشتتة، فنحن مثلاً لا يمكن أن نقبل الحوار مع المعارضة اللاوطنية، وهي بالدرجة الأولى خارجية بما أنها ماتزال تصرّ على التدخل الخارجي وتطلب التسلح والعنف وهما مبدآن ساميان يجب الاتفاق عليهما.

معارضة الداخل الأساسية التي تشكلت في مؤتمر قوى التغيير السلمي ومن مؤتمر الإنقاذ الوطني، والذي كان في طليعته هيئة التنسيق الوطنية وهما مجموعتان كبيرتان تضمان أكثر من خمسين حزباً وقوى وتنظيمات متفقين على المبادئ العليا، وأن لا توضع شروط مسبقة على الحوار، لذلك أعتقد أن الاتفاق بين هاتين المجموعتين الأساسيتين من معارضة الداخل يصبح الحوار جاهزاً للانطلاق.

حين تربط الحلول بالأشهر القادمة هل تربطه بتشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة بعد إعادة انتخاب أوباما؟

 كلا ليس كذلك!! لأن الإدارة الأمريكية حتى وإن ذهبت إلى توافق ووفاق مع الإدارة الروسية، وأمنت حلاً سياسياً داخلياً سورياً بحتاً، فهذا الحل لن تأتي ثماره بسرعة، لأن المعادلة هي كالتالي: الحوار بمستوى الصفر أما العنف بمستواه العالي جداً، فإذا انطلقت قاطرة الحوار غداً فمستوى العنف سيبدأ بالانخفاض، ولكي يصبح مستوى الحوار أعلى من منسوب العنف، فهو بحاجة إلى وقت طويل، لذا المهم أن نبدأ بشكل سريع ومبكر حتى نحقق المطلوب.

هل حضوركم للمؤتمر الذي تقيمه إيران هو رد على مؤتمر الدوحة؟

فليكن رداً!! ولمَ لا؟ ومن قال إن مؤتمر الدوحة ليس بحاجة لرد؟ لأن مؤتمر الدوحة إن كان يعبر عن محول دولي وإقليمي جاد وقوى سورية محددة، ومرتكزة قواها في الخارج، وأشك كثيراً بحجم تأثيرها الداخلي لولا المال المطلوب والأسلحة والإعلام. ومن قال أن الطرف الآخر الداخلي من المعارضة يجب ألا يكون له حلفاؤه إقليمياً ودولياً حتى ينفذ مشروعه، فما المانع.

ما هي الحظوظ في نجاح خطة لافروف؟ خاصة وأنّ لك علاقات خاصة مع الروس وأنكم مع الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير لعبتم دوراً مهماً لأن يلعب الروس هذا الدور المساند لسورية؟

 إن حظوظ مبادرة لافروف - إن كان يصح تسميتها كذلك حسب رأيك - هي تفسير لخطة جنيف، وترتبط بالتوافق الأمريكي الروسي إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، بعد تعيين الإدارة الأمريكية الجديدة، والحظوظ اليوم أكثر من البارحة، أما فيما يخص الجبهة الشعبية ودورها وتأثيرها، نحن في نهاية المطاف تنظيم، وبالمقارنة مع روسيا وقوتها وإمكانياتها نحن تنظيم صغير ومتواضع، لكن نحن لعبنا الدور من خلال منطق وزاوية أخرى وهي أننا اختلفنا في سورية عن كل التجارب السابقة التي جرى فيها تدخل خارجي مباشر، اختلافنا كان أنه ظهرت هناك معارضة وطنية في الداخل رفضت التدخل الخارجي وكان هذا عاملاً هاما بالمعنى الموضوعي لإعاقة التدخل ولتشجيع الأطراف الدولية التي لا تريد التدخل أن تستمر بموقفها كي لا يبقى موقفها سياسياً بحتاً، وإعلامياً، لذلك إذا كنا قد ساعدنا فنحن قد ساعدنا برفع عزيمة الطرف الروسي بوجود أمل وقوى في الداخل يمكن أن تساعد على إنجاز حل سياسي غير مرتبطة بالخارج، والأجنبي الغربي لا تعول عليه، لذلك وجودنا كمعارضة وطنية بمختلف أشكالها أدى إلى تغيير الرسمة، فإذا كان الروس والصينيون غيروا الرسمة الخارجية فنحن موجودون موضوعياً - ولا أدعي أننا «طالعنا الزير من البير»، لكن وجودنا موضوعياً من المؤكد أنه «خربط» اللعبة والرسمة التي كان يرسمها الغرب والأمريكان.