وظيفة الحوار
مضى عامان على الأزمة الوطنية الشاملة التي تعصف بالبلاد هذه الأزمة التي عبرت عن حالة ثورية وأتت نتيجة للتراكمات التي دامت سنوات عديدة من تراكم الفقر والتهميش وتدني مستوى الحريات السياسية وغيرها من العوامل التي أدت مجتمعة الى توترات اجتماعية كبيرة مما أدى في نهاية المطاف إلى انفجار حتمي في الشارع وما أن نزلت الجماهير إلى الشارع للمطالبة بأبسط حقوقها في حياة كريمة إلى أن تجمع عليها جميع أعداء الشعب لإبعادها عن مسارها الصحيح وتحريفها وقسمها عمودياً ووهمياً بعيداً عن الإصطفافات الطبقية الحقيقية.
فعملت بدايةً على تقزيم شعاراتها، إلى أسلمتها، ومن ثم تسليحها.. أدوات كانت مهمتها تقسيم الشارع بما لا يخدم مصالح الاغلبية الكادحة، بل مصالح القوى الفاسدة الموجودة في طرفي النزاع الشكلي مما أوصلنا إلى حالة استعصاء داخلي ما يزال الشعب يدفع ثمنها، والآن ومع ازدياد الإشارات الدولية لهذه القوى لبداية حل سياسي واقتراب طاولة الحوار كمخرج آمن من الأزمة الراهنة وجب توضيح بعض الوظائف الأساسية للحوار كي لا يكون أداة جديدة بيد القوى المعادية الراغبة بالالتفاف مجدداً بعيداً عن مصالح الشعب بما يخدم برامجها الخاصة ويكون مخرجاً حقيقياً للأزمة ولا يوقعنا في دوامتها...
إن أهم وظائف الحوار كونه الأداة التي تحدد هوية القوى السياسية وذلك من خلال برنامجها الاقتصادي – الاجتماعي وتعبيراته الديموقراطية والوطنية بعيداً عن الخطابات العاطفية والتخوينية التي أتقنها طرفي الصراع خلال هاتين السنتين وخاصة أن الحوار سيكون معركة برامج وليس معركة خطابات!!! فمنه سيتحدد أي القوى السياسية التي ستكون مع «الديموقراطيات» الطائفية وتختبئ تحت شعارات «تطمين الأقليات» و«حق الأكثرية» ومن سيكون ضدها...
أية قوى سياسية ستكون ضد نمط توزيع الثروة الحالي (75% أرباح لصالح 10% من الشعب و 25 % أجور) لصالح باقي الشعب ومن سيعمل على ابقاءه على وضعه من أجل «لحسة أصبع»؟..
أية قوى ستعمل لتبقي على لبرلة الأقتصاد متغنية بمشروع «مارشال» وسيلة لإعمار سورية ومن سيعمل على أن يكون شكل الأقتصاد في المرحلة القادمة لمصلحة أكثرية الشعب؟
من البديهي أن نستنتج أن تلك القوى التي تؤيد اللبرلة والديموقراطيات التحاصصية سيكون برنامجها من الناحية الوطنية بعيدaاً عن تطلعات الشعب السوري وتاريخه المقاوم...
تبرز مهمة ثانية للحوار: لا تقل أهمية عن السابقة وهي إعادة اللحمة الوطنية في صفوف الشعب الواحد خاصة وأن الخطر الأساسي الذي يواجهنا اليوم ليس الإرهاب القادم من الخارج بل حالة الإقتتال الداخلي في صفوف الشعب وجاهزية قسم منه لحمل السلاح وخاصة الطبقات المهمشة أقتصادياً، إن عملية تكريس مفهوم الوحدة الوطنية عبر الحوار في وعي الشعب الجمعي هي وحدها القادرة على التصدي للإرهاب الخارجي ووحدها القادرة على سحق هذا الإرهاب الذي كانت تستقوي به قوى «المعارضة» الخارجية العميلة وبدأوا الآن يتبرأون منه أمام الرأي العام «كما طلب منهم» بشكل يلائم تصديرهم كقيادة سياسية وليس كمرتزقة.
إن اعادة اللحمة الوطنية لا تبدأ بـ «تبويس شوارب» بين رجال الدين وشيوخ العشائر كما يصوره لنا إعلامنا الرسمي بل يكون من خلال البرامج والشعارات الوطنية التي تلبي طموحات الشعب فلا يختلف إثنان على أن الشعب السوري وبأغلبيته الساحقة كانت وما زالت وستبقى قضيتا محاربة الفساد الكبير وتحرير الجولان من أهم أولياته وبغض النظر عن الأنقسامات الوهمية التي فرضت عليه..
ومن هنا تبرز على عاتق الشعب السوري والقوى الوطنية التي وقفت معه وما زالت تؤمن بمطالبه المشروعة الوقوف في وجه الخطة «ب» والتي هي بالمختصر تحقيق مصالح القوى المعادية ولكن تحت «سقف الحوار» أي تغيير الأداة من العمل المسلح لتحقيق نفس الهدف من خلال عملية سياسية ويجب على القوى الوطنية ليس فقط الوقوف ضد مشروعهم بل و العمل على تغيير النظام بشكل جذري وشامل ولكن مع الحفاظ على بنية الدولة السورية ومؤسساتها وأهمها مؤسسة الجيش الذي تاجر بها الطرفين وهاجموها، هاجمته قوى «معارضة الخارج» متناسين أو تناسوا أن الجيش العربي السوري ليس جيش النظام خاصة أن هذه القوى المدعومة والمرهونة بالخارج عملت وما زالت تعمل من أجل تحقيق مصالح الغرب الاستعماري الذي يطمح إلى تفتيت الدولة السورية وإنهاء دورها الأقليمي وتماسك الجيش تصدى لمشروعهم الأستعماري..
وربما كانت أهم المهمات على عاتق القوى الوطنية المشاركة في الحوار مهمة اعادة الجيش العربي السوري إلى وظيفته الأساسية في حماية الحدود وتحرير الجولان هذه المهمة التي هي مهمة وطنية بامتياز وخاصة أن سورية هي دولة طوق مهددة خارجيا ومن أكثر من جهة، وخاصة وأن الجيش العربي السوري بتركيبته الوطنية والخلفيات الطبقية لعداد جنوده يجعل منه معبراً حقيقياً عن مهمشي الشعب وفقراءه ويرسخ إعتباره الضمان الوحيد من أجل اعادة الوحدة الوطنية ومن أجل الحفاظ على الدولة السورية ككيان جغرافي سياسي.