أسامة دليقان أسامة دليقان

الجماهير إذ تصنع التاريخ.. وتقف في ظله!!

(تمكن السلطان صلاح الدين الأيوبي من الانتصار على الصليبيين في معركة حطين عام 1187.. وتمكن سلطان المماليك المظفر سيف الدين قطز وقائده الظاهر بيبرس من الانتصار على المغول في معركة عين جالوت التي جرت عام 1260)..

من كتاب التاريخ للصف التاسع.

اعتدنا قراءة التاريخ على نحو ما سبق.. حيث قام السلطان/ الملك/ الخليفة/ القائد/ القيصر.. الخ بكذا وكذا. ربما هو ضعفٌ مزمنٌ في ذاكرة المؤرخ، إذ استعصى عليها أن تنسب الإنجازات إلى من قام بها فعلاً، حتى ولو في إشارة عابرة لأولئك الآخرين.. الآخرين الذين لهم أسماؤهم الثلاثية المميزة، ولوجوههم تفاصيلها غير المكررة!. لهم لكنتهم الخاصة التي لم تلتقطها الكتب، ولأصواتهم نغماتٌ عديدةٌ ومتنوعةٌ.. تعلو وتهبط وتحتد وتمتد وتنأى وتدنو وتختلط وتتراكب لتنسج لحن الحياة، ولتبث الروح في الحياة نفسها.. ربما اعتاد المؤرخ أن يرى التاريخ من زاوية البلاط وبعين واسعة ظهرها للناس ووجهها يؤدي فروض الطاعة والولاء لسيد البلاط. الأكيد أن التاريخ جميعه أصرّ على لسان مؤرخيه على تغييب وإبعاد صناعه الحقيقيين، على إبعاد الجماهير واعتبارهم نافلةً وتحصيلاً لحاصلٍ بإرادة وحكمة القادة العظماء.. ولكن لماذا؟؟

الجميع متفق على تغييب الجماهير، القادة المنتصرون والقادة المهزومون متفقون على تغييب الجماهير، لأن المهزوم دائماً وحتى اللحظة هم الجماهير! ذلك هو كنه المجتمع الطبقي، حيث يحارب الفقراءُ الفقراءَ بيادق رخيصة في يد أصحاب السطوة والمال.. المال، ذلك الصنم الذي يطوف حوله سبعة مليارات إنسان، يدورون حوله مكرهين مرغمين لا حول لهم ولا قوة. وليس هذا سوى الجزء القاتم من التاريخ، وإن كان التاريخ كله حتى اللحظة، هو ما قبل التاريخ!. تلك نبوءة إنجلز التي قال فيها أن البشرية في المجتمع الطبقي لا تزال في ما قبل تاريخها البشري، إذ ليس من الإنسانية في شيء أن تكون حياة السواد الأعظم من البشر مكرسة لتحصيل ما يستطيع الحيوان تحصيله دون جهد يذكر، والمقصود هنا الغذاء والسكن والزواج!!

يوصّف البعض ما يجتاح العالم اليوم بأنه عودة للجماهير إلى ساحة التاريخ، وليس التوصيف دقيقاً لأن الجماهير لم تغب يوماً عن ساحة التاريخ، ربما غاب اسمها من كتبه لكنها كانت دائماً بين السطور وخلف الحبر المراق دماً.. الجماهير إذ تعود اليوم، فهي إنما تعود إلى ساحة الفعل السياسي.. أي أنها تتنطح لدورها القيادي وتمسك دفة التاريخ بعد أن مالت عن شواطئها، والجماهير إذ تفرز قياداتها فهي تراقبها وتمهلها وتحاسبها، وتتغاضى عن استكبارها طالما كان ذلك الاستكبار استكباراً لها وبها، ولكنها إذا أحست أن الاستكبار بدأ ينالها فإنها ستسترجع الدفة وتوجهها إلى حيث مصلحتها الحقيقية..

الأهم اليوم أن الجماهير وبعودتها إلى ساحة الفعل السياسي، تمسح الغبار عن تعريفاتها المعجمية وتعيد التعريف بنفسها، وأول ما توضحه هو: ليس كل الناس جماهير! الجماهير هم البناؤون وهم المنتجون وهم صناع الحياة وضدهم وعدوهم هم التجار والنهابون والمستبدون..، وتوضح بلغتها الفصيحة: ليست الجماهير بيادق بيد أحد يحركها ضد بعضها كما يشاء، الجماهير ملوكٌ ملكهم دائمٌ وأبدي، وملوك التيجان ملوكٌ مؤقتون، تدوم تيجانهم ما دام رضا الجماهير عنهم..