رسالة من حلب إلى المؤتمرين في جنيف3
رفع أهالي مدينة حلب رسالة إلى المؤتمرين في جينيف، متضمنة عرضاً عن معاناة المدينة وأهلها، داعين المؤتمرين عبرها إلى الذهاب نحو التوافق والحل السياسي، باعتباره المخرج لحل الكارثة الانسانية التي تعصف بالعديد من مناطق البلاد ومنها محافظة حلب وريفها. فيما يلي نص الرسالة كما وردت إلى قاسيون:
لقد نالت حلب حصتها ويزيد من الكارثة الإنسانيّة في وطننا سورية، وتستمر المعاناة منذ أكثر من ثلاث سنوات. أصبح الموت سمة حلب الأساسيّة .. فمن لم يمتْ بعد، هو مشروع موت حاضر باطراد متزايد، ويتدحرج حريق الموت على مساحة حلب كاملةً ريفاً ومدينة.. فمن نجا منه وهو في طريقه إلى العمل أو المخبز أو المدرسة أو إلى السوق، طاله في غرفة نومه أو مكان عمله.
حلب أقدم مدينةٍ آهلةٍ عبر التاريخ، أصبحت أغلب أحياءها، نتيجة الكارثة الإنسانيّة، مدينةً مقفرةً مهدمةً بكل ما للكلمة من معنى، حيث اختفت أغلب معالمها الأساسيّة وأسواقها التاريخيّة وصلت الأمور وما تزال، إلى حدّ محاولة الفصل بين ماضيها وحاضرها، وصولا إلى قلعتها الشامخة عبر التاريخ، وكأنّما المراد هو محو هويّة المدينة بحد ذاتها.
وحلب حاضرة الصناعة والزراعة، باتت تشكو العوز والجوع والبرد بعد أن دُمّرت أكثر مصانعها وبارت أراضيها الخصبة، وتحوّل الكثير من المنتجين المهرة في شتّى المجالات الاقتصاديّة إلى مقاومين للجوع والموت!!! وريف حلب أكثر الأرياف التي تعرضت لأكبر (ترانسفير) عبر تاريخها، فالنزوح هرباً من الموت أصبح عبثياً فهو مدركٌ المواطن الحلبي أينما ركن، ما جعل المواطن الحلبي مثقلاً بأزماتٍ مستمرة متجددة ومتراكمة، فمن أزمة الكهرباء إلى أزمة المياه إلى أزمة المحروقات إلى أزمة تأمين الرغيف، مضافاً إليها الأسعار الملتهبة للمواد الأساسية للمعيشة هذا إنْ وجدت.
يضاف إلى تلك المآسي كلها، مأساةٍ أخرى هي التنقّل عبر الحواجز والمعابر المختلفة، فالعناء والخسارة الماديّة والمعنويّة، حيث يتعرض المواطن للذلّ والمهانة والابتزاز، لا بل للتهديد بالخطف أو الاعتقال وحتى للقتل.. وأصبحت هذه المعابر والحواجز سِمة ميَّزت حلب عن سائر المحافظات السوريّة، فأصبح الحلبي، لينتقل من حارةٍ إلى حارة يجتاز قرابة 500 كم، مروراً بمعبر السعن وما أدراكم ما معبر السعن، حيث الإهانة والابتزاز المالي والمعنوي الذي يفوق كل تصوّر. وأمّا معبر الشيخ مقصود، رغم أنه أهون الشّرين، إلّا أنه لا يفي بالغرض قياساً لحاجات أبناء حلب.
هذا كلّه، ناهيك عن المدارس التي تهدّمت وهجرها طلابها والمستوصفات والمشافي التي فقدها مرضاها، بسبب تحوّلها إلى مقرّات أمنيّة أو أهدافٍ عسكرية، وباتت المدارس العاملة، في الريف خاصةً، شديدة الندرة.. وتعرض أبناء حلب كبقية أبناء سورية لمخاطر الهجرة، في مواجهة الموت غرقاً أو برداً أو قتلاً أو اختناقاً.
أيها المؤتمرون في جنيف:
كل هذه الصور سابقة الذكر، ليست إلّا غيضاً من فيض، وإنّ ضياع كل فرصة، أو تأخير الوصول إلى الحل السياسي المنشود يدفع السوريين ثمنه ضريبةً مضاعفةً من دمائهم وأموالهم.. لا بل حتى من مستقبلهم!! أي أننا وإيّاكم معرضون، وباطراد للزوال والفناء، إن لم نسرع نحو الحل طبعاً!! وعليه فأنتم الآن أمام فرصة الضرورة، بل ما فوق الضرورة، للذهاب نحو التوافق، والحل السياسي، المخرج الوحيد الآمن للوصول بسورية إلى شاطئ الأمان، وإنهاء حالنا الكارثية.. وأنتم أمام مسؤولية كبيرة وتاريخيّة تجاه شعبنا!!
ونحن أهالي حلب نرى أنّ عليكم أن تتحملوا المسؤولية، وأن تتحلّوا بالجديّة في التعاطي فيما بينكم، وأن تصلوا إلى تلك القرارات المعبّرة فعلاً لإنهاء هذه الكارثة!! ولم يعد مسموحاً بعد الآن أي تعطيل أو تأخير أو تأجيل.. واعلموا أنّ هذا الشعب الحي الحالم بالحياة، والنابض بالحياة، رغم كل ما يجري، لن يغفر، نعم لن يغفر لأيّ معطّل، وسيعتبره شريكاً في سفك الدم السوري، وأهالي حلب يتوقون لترجمة القرار 2254 على الأرض سريعاً، حيث سيكون ذلك إيذاناً بتتالي وتدحرج الحل للقضايا ذات الصلة كلها.
نعم لم تعد المسألة هي موالاة ومعارضة، بل تكون سورية أو لا تكون.