جبران الجابر جبران الجابر

التشاركية والتعددية

انتهت انتخابات دور مجلس الشعب الجديد، وترافقت بموضوعات عديدة أبرزت أهميتها وآفاقها ومنحت لها تقييمات متنوعة وأطلقت عليها أفضل الصفات، ولكن أبرز موضوعات الفكر السياسي التي ركز عليها البعض تناولت أهمية الانتخابات لتحقيق التشاركية والتعددية.

وقبل تناول التشاركية والتعددية فإن أي قدر من العقلانية يتطلب وضع المسألة في واقعها الموضوعي، فالانتخابات تكتسب أهميتها ودورها وآفاقها بمقدار ما تساهم في حل الأزمة الوطنية أو بمقدار ما أضافت من التعقيدات، ناهيك عن أنها تطرح تساؤلاً مشروعاً ألا وهو، هل الانتخابات تؤكد أهمية الحوار أم أنها تضعه باعتباره ليس مسألة استراتيجية إن كل نشاط أو فعل أو تدبير سياسي، أو اقتصادي أو اجتماعي تكتسب أهمية ويقيّم في ضوء الدور السلبي أو الإيجابي الذي لعبه في الأزمة التي كونت فعلياً واقعاً يطرح بوضوح أن إنقاذ الوطن مهمة الوطنيين في مختلف أماكن تواجدهم، ومن البديهي القول إن إنقاذ الوطن ليس شأناً للقوى الخارجية على مختلف تسميتها ومواقفها.

وفي هذا النطاق فإن العديد من الأقلام ذهبت بعيداً عندما وجدت في التشاركية والتعددية أسس إنقاذ الوطن واعتبرت أن الأزمة عابرة تأخذ آثارها وتداعياتها بالتلاشي مع وقف القتال وتلاشي أزيز الرصاص والمدافع والمتفجرات والدبابات والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والسير في مقتضيات التشاركية والتعددية الرقمية في تكرار تلك الموضوعات ضخ البعض نحو المادة الإعلامية وأضفى على التشاركية والتعددية معاني لا تحتملها. وقبل كل شيء هل يمكن القول أن التشاركية والتعددية موضوعات جديدة أم أنها كانت واقعاً ملموساً لسنوات عديدة ومن المعروف أن المرحلة السابقة كان فيها تسعة أحزاب في نطاق الجبهة الوطنية التقدمية، وذلك ليس بالرقم القليل، فهل الإصلاح السياسي أخذ مسألة عدد الأحزاب ووجد أن العدد قليل وأن الإصلاح السياسي هو إضافة كمية جديدة من الأحزاب تنتظم في التشاركية التي ما كانت غائبة عن المرحلة السابقة.

إذا كان الهدف هو تأدية السلطة بالأساليب الديمقراطية فإن المشكلة لا تكمن في عدد الأحزاب بل قبل كل شيء في العلاقات السياسية بين الأحزاب السياسية والسلطة وقصر الديمقراطية على المشاركة يقطع الطريق كلياً على جوهر الديمقراطية ألا وهو المعارضة السياسية وعلى أساس اختلافات برنامجية في الميادين السياسية والفكرية والاقتصادية.

إن التشاركية ليست جديدة وقد عاشتها العلاقات السياسية منذ قيام الجبهة الوطنية التقدمية وواضح أن التشاركية تعني السير وفق إرادة القوة الأساس في التشاركية وشكلت التشاركية عنواناً بارزاً على أرضية الأقرار بحزب قائد للدولة والمجتمع ولعبت تفاعلات تلك التشاركية في المجتمع دورها المباشر وغير المباشر في تكوين الأزمة السورية بجميع أبعادها السياسية والاجتماعية، كما لعبت دوراً سلبياً وشكلت عبئاً على الأحزاب التشاركية وعلى المجتمع وعلى الإصلاح السياسي. وجوهر الإصلاح السياسي بعد أن أكدت العلاقات السياسية أن تلك التشاركية لم توفر الحريات الديمقراطية.

إن التشاركية بهذا المعنى تتضمن عدم حق الشعب في ممارسة دوره وحقوقه السياسية التي منها حق تداول السلطة بالاستناد إلى الانتخابات الديمقراطية. فإذا ما صودر ذلك الحق فلن يأخذ الإصلاح السياسي دوره.

 إن التشاركية التي يجري ترويجها من البعض تعتبراً إقحاما لعلاقات سياسية لا تعكس علمياً الواقع الموضوعي للمجتمع السوري، إن وجود معارضة للسلطة التنفيذية بصورة أساسية هو تعبير موضوعي عن التشكيلة الطبقية في المجتمع، ومعروف مآل التشاركية التي عبرت عنها الجبهة الوطنية التقدمية، فهي كبحت الحراك والنشاط السياسي، وحتى الأحزاب التشاركية والمنظمات الجماهيرية تحولت إلى هياكل بعيدة عن دورها السياسي والنقابي المفترض.

إن الإصلاح السياسي لا يعني تكرار جوهر الماضي وزجه في قوالب لا تختلف عن القوالب السابقة إلا بمقدار التعبيرات الرقمية الخاوية من أية دلالة على أن التجديد والتغيير هو علاقات سياسية لها مرتكزاتها المتباينة مع العلاقات السياسية التي سادت في مرحلة التشاركية وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن عضواً في القيادة القطرية، وكما جاء آنذاك في عدد من أعداد جريدة الوطن، قال، إن حذف المادة الثامنة من الدستور لا يغير شيئاً أليس من البدهي القول أن الدعاية للتشاركية والتعددية هو أيضاً ليس في وارد الدعوة لتغيير أي شيء.

يبدو أن المروجين للتشاركية والتعددية بهذه الصيغة كوصفة ديمقراطية يعرفون جيداً، وعلى عكس الكثيرين ممن رشحوا أنفسهم لانتخابات مجلس الشعب، يبدو أن أولئك يعرفون جيداً، ما في بطون التاريخ التي تقول إن القوى التي تحقق «الحسم والنصر» هي القوى المقررة والفاعلة لاحقاً، وهي القوى المحددة لمضمون المصطلحات والمفاهيم، ولعل ذلك ما دفع مرشحي جبهة التغيير والتحرير إلى أبراز شعار يقول «خلي التغيير حقيقي» وإذا كان الأمر كذلك فالتغيير الحقيقي هو مشروعية المعارضة قانونياً وهو أيضاً عدم وضع إشارة مساواة بين الديمقراطية والتشاركية ناهيك عن أن التعددية الديمقراطية ليست رقماً كمياً، لكنها حالة نوعية جديدة تقوم على أساس الديمقراطية وحرياتها وحرية الإعلام والفكر وبعبارة أخرى فالتجديد يعني في ظروفنا الراهنة توفير القاعدة القانونية التي تجعل من المعارضة وتداول السلطة والانتخابات النزيهة خصائص يستند إليها النشاط والعلاقات السياسية وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن الوصفات الأخرى تريد لسورية المراوحة في المكان وتريد استمرارية عوامل تعميق الأزمة اجتماعياً وسياسياً ولا تقطع الطريق على المخاطر التي تهدد الوطن ولا تؤمن العدالة والكرامة وحرية الإنسان.