التحالف الأسود..

ليس مصادفة أبداً أن تتقاطع أطراف من المعارضة والنظام في العديد من المواقف والآراء بخصوص سورية الغد، فعلى الرغم من الانقسام الشاقولي الظاهري بينهما فإن هناك توافقات في الرؤية والبرنامج الاقتصادي- الاجتماعي وكيفية إحداث التغير المطلوب لكلا الطرفين، ومن ذلك اتفاق الطرفين بأنه لا توجد منطقة رمادية، وبالتالي ينبغي على الشعب السوري أن يتموضع ضمن أحد الخندقين بحدودهما المعطاة و«المنتهية»، فمن ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا شعار أطلقه جورج بوش أثناء حملة تدمير العراق التي لا تزال تداعياتها وانعكاساتها ماثلة أمامنا حتى الآن..

إن ما جرى من تخوين لكثير من الشخصيات الوطنية ذات التاريخ النضالي الطويل والمجربة وطنياً بتبنيها لمواقف متقدمة ضد العدو الصهيو- أمريكي وفي الدفاع عن الحريات العامة للشعب السوري لا ينصب ويصرف إلا في خانة المحاولات المسعورة لإفراغ الساحة السورية من الرؤوس الباردة والعاقلة وتهيئة البيئة المناسبة والحاضنة لتلك الرؤوس المتطرفة والساخنة من كلا الطرفين لإحداث حرب أهلية أو طائفية مناطقية لن يدفع فاتورتها إلا الشعب السوري بكل أطيافه ومكونات نسيجه الاجتماعي، إذاً كل الاختلاف الظاهري بين النظام والمعارضة لم يمنع الاتفاق ضمنياً ومن حيث الممارسة والهدف على شعارات مثل نحن أولا أحد، نحن أو نحرق البلد.. هل يعقل أن يبنى الوطن بعقلية مجنونة إلى هذا الحد؟؟ ماذا تتوقعون من الثعالب إن أصبحت مسؤولة عن مصير الدجاج؟ أن تنتظر أن يبيض لها الشعب السوري بيضاً ذهبياً، أم أنها ستقترف مجازر في لحم ودم هذا الشعب الفقير؟؟ هناك مجازر كثيرة ترتكب، وهي توازي بمنطق عصرنا مجازر تيمورلنك. إن لكل من فاسدي النظام والمعارضة البرنامج نفسه في الجانب الاقتصادي- الاجتماعي، ولهما التوجه ذاته نحو لبرلة الإقتصاد السوري عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية والقروض الخارجية لبناء البلد المدمر، ورهن قراره السيادي للخارج الجشع والمتعطش لإعادة اقتسام الكعكة السورية بين دول جديدة تدعي أنها تقف لنصرة الدم السوري، بل ومن الواضح أن البرنامج ذاته المعمول به منذ سنوات في سورية يحاول إعادة إنتاج نفسه عبر وجوه وأدوار جديدة تضمن له إعادة توزيع الثروة والأرباح لمصلحته تحت مبررات وهياكل جديدة تقصي البعض من الطبقة الحاكمة على مبدأ الثورة المضادة من فوق ليتمكن من الالتفاف على الحراك الشعبي السلمي وإيهامه بأنه أسقط رموز الفساد التي تآمرت عليه وأنهكته بالفقر والبطالة والظلم والقمع وبأنه رفع المظالم عن هذا الشعب الفقير، ولابد له أن يعود راضياً سعيداً إلى الزجاجة التي خرج منها ثائراً وإذا أصر الحراك الشعبي السلمي على تصعيد نشاطه حتى تحقيق مطالبه المشروعة كاملة سيذهب تحالف فاسدي النظام والمعارضة مع المتشددين من الطرفين إلى نقطة اللاعودة.. وبالتالي التوتير لبلوغ الحرب الأهلية وتقسيم الوطن إلى كنتونات طائفية ومذهبية محكومة من هذا التحالف الفاسد عبر ضخ الأسلحة لجميع الأطراف المتقاتلة على الأرض، وعبر الممرات الإلزامية لتحالف فاسد مرتبط أصلاً بالمشروع الإمبريالي الصهيو- أمريكي اللاهث لإيجاد حلولٍ للدولار المتضخم وأزمته الرأسمالية العالمية عبر الحروب المدبرة مسبقاً لتصريف منتجات السلاح لمجمعه العسكري، وتفتيت الدول وتدميرها وإعادة «إعمارها» من خلال صندوق النقد الدولي ومؤسساته العالمية.

إن النظام السياسي في البلاد لم يكن مصمماً من حيث الأساس والبنية للتأقلم مع إجراءات لبرلة الاقتصاد التي اتبعتها الحكومة الدردرية من خلال الخطة الخمسية العاشرة التي أثبتت الفشل الكلي للنهج اللبرالي، فهي لم تستطع تحقيق أهدافها المعلنة من حيث النمو ومكافحة الفقر والبطالة، لكنها نجحت في فتح البلاد على مصراعيها أمام الاستثمارات الخارجية دون نتائج إيجابية تذكر على الاقتصاد الوطني، والملاحظ أن الفساد الكبير في مواقع جهاز الدولة الناهب لثروات البلاد والمتواطئ مع قوى السوق المحلية الكبرى من رجال الأعمال الجدد وحلفائهما من الشركات الكبرى العالمية وفاسدي المعارضة قد قرروا تفجير النظام السياسي وتغيير بنيته الفوقية والحصول على كامل حصتهم السياسية عبر الانتقال إلى نظام آخر لتبييض ما نهبوه من ثروات البلاد وشرعنة أشكال النهب الجديدة، لذلك حاولت ولا تزال قوى النهب والفساد الكبير تشويه الفرز الأفقي للشعب السوري، وحرفه باتجاه مسارات تخدم في نهاية المطاف مخططات الأعداء بعيدة المدى، ولعل من أهم القضايا التي تلعب عليها هي الثنائية الوهمية معارضة/نظام وبشكلها الطائفي خصوصاً، والتي ستؤدي بالضرورة إلى انقسام شاقولي ينذر بحرب أهلية أو طائفية مناطقية، والسؤال البالغ الأهمية والخطورة هل تستطيع القوة المتضررة من الشعب السوري توحيد وتنظيم صوتها وحركتها الشعبية السلمية باتجاه إسقاط هذا التحالف بين فاسدي النظام والمعارضة ومن يدور في فلكهما من منتفعين؟ والجواب نعم ليس من باب التفاؤل الثوري المبالغ فيه، بل حين تقرر القوة المتضررة من الشعب السوري كسر وتحطيم كل الثنائيات الوهمية على رؤوس أصحابها وصانعيها من فاسدي النظام والمعارضة ستكون قد وعت أن الثنائية الجوهرية وبوصلة الصراع الحقيقية هي ناهب ومنهوب، سارق ومسروق، وهي في نهاية المطاف متضرر من الفساد ومنتفع منه، ولنا في المثل الشعبي خير دليل على ما سبق: (الذي يأكل من خبز الفساد يضرب بسيفه)