ثورات عربية أم صراع دولي أم إنذارات حرب ؟
بانشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية وما أطلق عليه اسم الربيع العربي من تونس إلى مصر وليبيا وسورية، واستعصاء كل من اليمن والبحرين أمام محاولات ابتلاع حراك الجماهير التي يقوم بها الخليج العربي، إلى السودان الذاهب إلى الحرب وتنازع أعضاء مجلس الأمن الدائمين حول ما يجري فيه، وتناقض المواقف ما بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وحليفاتها، فرنسا وبريطانيا، من جهة ثانية. يبدو المشهد ناقصاً مع غياب فلسطين. ومع غيابها تغيب اسرائيل عن ساحة التداول إعلاميا ودوليا. فتطل علينا وسائل الإعلام لتذكر في أخبارها عرَضاً قضية الأسرى الفلسطينيين وإضرابهم الذي أعلن في 17 إبريل ليشمل حوالي 1700 أسير فلسطيني من أصل 4700 أسير واستمرار إسرائيل بالاستهزاء بمطالب الأسرى عن تحسين ظروفهم داخل السجن والسماح لأهاليهم بزياراتهم والسماح لهم بإكمال تعليمهم ليطل رئيس الحكومة الفلسطينية ليندد وليناشد اسرائيل واصفاً الوضع بأنه سيتحول إلى مشكلة وطنية كبيرة...ألخ.
تغيب أخبار كثيرة لها دلالات جديدة على المنطقة مرتبطة بالتفاصيل الجديدة التي طرأت على الأرض العربية منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي، ففي 3/5/2012 أعلنت وكالات الأنباء عن تحرك 22 من كتائب الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الإسرائيلية ، سبعة منها وصلت إلى إيلات الحدودية مع سيناء مصر و بدء أعمال الحفر في هضبة الجولان السورية بحجة التنقيب عن النفط. وأهم من هذا تشكيل حكومة وحدة وطنية يتزعمها نتنياهو السياسي- الداهية كما يوصف!
وبحساب بسيط نجد أن إسرائيل في أغلب حكوماتها «الوطنية» اتخذت قرارات الحروب التي خاضتها.في ظاهر الأمر يبدو أن هناك انقساماً داخل الحكومة الإسرائيلية، فنتنياهو وإيهود باراك يؤيدان شن حرب على إيران واضطرا إلى الصدام مع دوشكين ومائير داكان وأولمرت المعارضين للتسرع باتخاذ قرار الحرب ولكن رئيس الحكومة، وعبر ممارسة الخداع السياسي !! استطاع الوصول إلى قرار بتشكيل حكومة ائتلافية مع حلف كاديما وترؤسها والحصول على 94 مقعد من أصل 120 مقعد في الكنيست الأسرائيلي بالإضافة إلى تعيين شاؤول موفاز أحد عرابي الأمن والحروب الإسرائيلية رئيسا للجنة الشؤون الأمنية وبالتالي انضمامه «للحلف المقدس» الجديد..
ومع حديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بتاريخ 12/5 عن حرب تموز 2006 وعدم رد المقاومة على هدم الضاحية حفاظا على العاصمة بيروت فإنه الآن قد أعلن عن نية الرد على أي اعتداء على أي مبنى في الضاحية الجنوبية بهدم مباني مقابلها في اسرائيل وأن حزب الله قادر على ضرب مواقع محددة يختارها في تل أبيب.وهنا يأتي السؤال: هل يعني ضرب إيران (في حال كان هذا الاحتمال وارداً )سيبدأ بضرب حلفائها الطبيعيين وتحديداً حزب الله؟.
تبقى الإجابة قيد التكهنات ولكن بالعودة إلى المشهد العربي المشتت نجد أن حزب النهضة (الإخوان المسلمين) الذي أصبح حاكما في تونس قد أعلن انه تربطه علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، والجزائر التي تجاوزها مؤقتاً ما يسمى الربيع العربي والتي كان قد خطف الصراع فيها على حكومة ما بعد الاستقلال أرواح مئة ألف شهيد، يقوم الإخوان فيها بالتلويح بثورة على غرار ثورة تونس في حال لم تكن نتائج الانتخابات مناسبة لهم...
إلى مصر التي لم تنتخب رئيسها بعد والخلاف الغامض الجاري بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة من جهة والإخوان والسلفيين من جهة ثانية الذين غابوا عن جميع أشكال الحراك التي ناهضت اسرائيل بعد وقبل تنحي الرئيس وخصوصاً مظاهرة طرد السفير الاسرائيلي من مصر. باختصار أغلب القوى السياسية المصدرة كبدائل خلبية عن الأنظمة العربية في هذه الدول هي إسلامية حليفة تاريخيا للولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل وقد أعلنت مرارا ولاءها لها بشكل علني. وبالانتقال إلى الخليج العربي نرى مساعي واضحة لتشكيل حكومة اتحاد خليجية وتعزيزات عسكرية بزيادة عدد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة والقمع التعسفي العلني للمتظاهرين في البحرين..
أما في سورية والعراق يختلف الوضع. فبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق لايزال يعاني من التفجيرات والتقسيم في الوقت الذي تنشغل حكومته في مهاترات إعلامية وسياسية بين رموز حكم ما بعد الاحتلال. وسورية التي يزداد التصعيد الدولي الإقليمي ضدها وتدويل ملفها في سعي لاستصدار قرار عسكري ضدها بعد النجاح في تطبيق العقوبات الاقتصادية يتزامن مع مساعي أمريكية لتحسين العلاقات الاسرائيلية التركية التي ساءت بعد حرب غزة 2009 (إثر قتل 10من المتضامنين الأتراك مع شعب غزة وإحتجاز سفينة المساعدات التركية مرمرة في إسرائيل)
هل يكون السبب وراء هذه المساعي هو ضرورة التعبئة السريعة للجيش التركي، العضو في حلف الناتو والذي يأتي بالترتيب الثاني بعد الولايات المتحدة مباشرة، في حرب إقليمية كبيرة؟ أم في كون تركيا هي الورقة الرابحة العسكرية الأمريكية في المنطقة مع الأخذ بعين الاعتبار نشر الدرع الصاروخية فيها والذي تم على مرحلتين بحجة الدفاع عن أراضيها؟ أم للسببين معاً؟؟
بما أن حروب أفغانستان والعراق وغيرها والسعي وراء إيجاد أنظمة عربية جديدة تقوم بالتطبيع مع الغرب والولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل من خلال السماح بالتدخل في شؤون المنطقة وقلبها رأسا على عقب بغطاء من «الربيعات العربية» وتوتير الوضع في السودان وجره للتقسيم بدعم من قوى عربية اقليمية هدفها الحفاظ على مواقعها مهما كان الثمن كما في الخليج عبر التباهي بنشر الحرية والديمقراطية في هذه البلدان، والذي هو أساسا محاولة من المراكز الرأسمالية لتفريغ الأزمة في منطقة لها اهميتها الاستراتيجية موقعا وثروات، والبقاء في موقع المهيمن على القرار الدولي فبعد حرق البوعزيزي لنفسه في تونس واندلاع ثورتها احتجاجا على الظروف الإقتصادية والاجتماعية فيها وانتقال عدوى التغيير إلى مصر ظهرت قوى جديدة على الساحة لاحتواء الحراك وتطويعه هذه القوى ذات الطابع الإسلامي في أغلبها ماهي إلاقوى مرتبطة بالأمبريالية العالمية لاتختلف في مضمونها ولا ممارساتها عن سابقاتها من الأنظمة حيث يؤكد تحول شعارات الثورات إلى شعار وحيد هو إسقاط الرئيس وغابت الأرضية الحقيقية لقيام الثورات المستندة إلى قلب البنى الأقتصادية والأجتماعية واتخاذ مواقف واضحة من القضايا الوطنية وخصوصا القضية الفلسطينية وحسب البرامج المعلنة منها والمستترة فإن هذه القوى تمثل الحامل السياسي للرأسمال الكومبرادوري المرتبط بالخارج موضوعياً في إطار «شرعية» واهية - الديمقراطية – كأداة للتحكم بالموجة الثورية الجماهيرية لمصلحة المشروع الغربي، وإذا عدنا إلى الواقع العربي قبل الحراك في تونس نجد أن الظروف الإجتماعية والإقتصادية وخيبة الأمل التي عاشتها شعوب المنطقة من أنظمتها وتدهور الوضع العربي دوليا وزيادة ضغط الأنظمة الدكتاتورية على شعوبه والمتاجرة بدماء أبنائها هو وضع مستعص كاستعصاء الأزمة الإقتصادية العالمية فهل يمكن القول أن شن حرب في المنطقة هو أحد الاستثمارات الأولى للوضع الجديد؟ إذا كان هذا الإحتمال وارداً فإن الولايات المتحدة والغرب سيسعيان للتخلص من عدويها الاقتصاديين روسيا والصين عبر تفجير الصاعق السني – الشيعي وعقد صفقات للتسلح تحضيرا لضرب إيران . وتوظيف الدور التركي كأحد الأدوات في ذلك، وبالتالي جر كامل المنطقة إلى عقود جديدة من التبعية الاقتصادية والعسكرية والانفراد بقيادة القرار السياسي عالميا بعد أن ظهرت روسيا والصين كقوتين جديدتين تعيدان جزئيا دور الاتحاد السوفييتي سابقا في مرحلة الحرب الباردة...
ويستمر الجدل حول اسرائيل ولمصلحة من ينتهي الصراع حيث تتوارد الأسئلة دوما، هل تضحي الولايات المتحدة باسرائيل، إذا كان خيار الحرب قائما؟ خصوصا بعد وضوح التهديد الإيراني ووجود المقاومة اللبنانية؟
هل ستتحمل أمريكا وحليفاتها ويلات جديدة بعد سقوطها في المستنقع الذي أنتجته في العراق؟ أم سيكون هذا الخيار هو الأخير في محاولة نجاتها من الأزمة وما هو موقف الشعوب التي ناضلت ولا تزال تناضل من كل هذا؟ أم أن رياح الربيع الحقيقي ستهب على المنطقة بل على العالم بأسره؟.