شكل آخر للحركة الشعبية

انطلقت الحركة الشعبية في سورية في 15 آذار 2011 ولسنا هنا في صدد تقييمها بعد مرور أربعة عشر شهراً ووقوع البلاد في أزمة وطنية بل تسليط الضوء على جانب آخر من الحركة الشعبية .

لقد شاع في وسائل الإعلام المختلفة طوال الفترة الماضية وبشكل يومي الحديث عن شكل واحد للحركة الشعبية كطريقة أو خيار وحيد أمام الشعب بغض النظر عن كلفة السير في هذا الطريق وهو دفع الحركة إلى الشعارات القصوى و الشكل الصدامي .


لقد انطلقت الحركة الشعبية في البلاد نتيجة تراكم قضايا اقتصادية واجتماعية وديمقراطية ووطنية مشروعة ولم تنطلق هذه الحركة لتؤدي فقط دور الشكل الصدامي لمصلحة البعض  وبالإضافة إلى المظاهرات السلمية في العديد من مناطق البلاد هناك شكل آخر للحركة الشعبية السلمية التي لا تعرضها وسائل الإعلام بشكل مقصود فمنذ بداية العام الجاري 2012 شهدت عدة مناطق من البلاد مجموعة من هذه التحركات المطلبية الاحتجاجية بالرغم من الحالة الاستثنائية التي تمر فيها البلاد ففي محافظة الحسكة أضرب سائقو شاحنات نقل الغاز في حقول الرميلان بسبب اقتطاع جزء من رواتبهم واعتصمت معلمات طرطوس عدة مرات يطالبن بنقلهن إلى محافظتهن نتيجة تردي الوضع الأمني في مناطق عملهن في حمص وإدلب وغيرها وفي السويداء اعتصم طلاب الثانويات عدة مرات احتجاجاً على الانقطاع المستمر للكهرباء مما يؤثر على دراستهم وطالبوا بإطلاق سراح زملائهم المعتقلين واحتجوا على أزمة المازوت في البلاد وفي دمشق اعتصم عمال شركة ريما بسبب التأخر في دفع أجورهم كما نفذ موظفو  جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني اضراباً تحذيرياًعن العمل طالبوا من خلاله زيادة الأجور ورفعوا لافتات كتب عليها :«همنا أن نسدد الديون ولسنا بحاجة الى رفاهية » واضرب الكثير من طلاب جامعة حلب عن الدوام الدراسي بسبب حالة العنف الأخيرة في الجامعة واعتصامات المحامين في حلب ودمشق يطالبون بسيادة القانون واطلاق سراح المعتقلين وأخيراً كان بيان معلمي ومعلمات ومدرسي ومدرسات محافظة الحسكة الذي أعلن أنهم سيقومون بمقاطعة عمليات التصحيح والمراقبة لهذا العام بسبب عدم صرف مستحقاتهم من منها اضف الى ذلك تدني هذه المستحقات أصلاً.

هذه التحركات ذات الطابع الطبقي المطلبي ومؤشراته في الأشهر الأولى من العام الجاري 2012  مرشحة للازدياد في المرحلة المقبلة في البلاد خاصة وأن الدستور الجديد قد ضمن حق الإضراب عن العمل أي اننا سنشهد مرحلة قادمة من التحركات والإضرابات العمالية والقطاعية كجزء من الحركة الشعبية في البلاد وهذه التحركات ستأتي من ناحية تبلور شكل آخر للحركة الشعبية السلمية الأكثر جذرية من حيث الجمع بين النضال السياسي والاقتصادي وبالمحصلة ستكون واضحة المعالم الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية والوطنية.

البلاد تعيش أزمة وهي بجوهرها أزمة الرأسمالية سورياً ومن الطبيعي أن نشاهد ارتفاع مؤشر الإضرابات العمالية والقطاعية في المستقبل القريب أضف إلى ذلك اعتراف  الدستور الجديد بحق الإضراب وهو مكسب عمالي اجتماعي سيعطي دفعاً آخر لهذه التحركات التي ستكون الشكل الآخر بل الشكل المنتظر للحركة الشعبية وتبعاً لذلك فإن الأحزاب أو القوى السياسية التي ستلعب دوراً في هذا الشكل من التحركات سيكون لهم موقعهم في الفضاء السياسي الجديد وبالتالي سيلعبون دوراً مهماً في حياة البلاد في المرحلة المقبلة.