لا رجوع عن «جنيف 3»..!
واهم من يظن أن الاتجاه العام لمسار حل الأزمة السورية قابل للتغيير، فشروط انطلاق الحل السياسي التي نضجت دولياً وإقليميا ومحلياً كرسته كمخرج وحيد من الأزمة، وبالتالي فإن محاولات إعاقة الحل، الفعلية أو الشكلية، ستكون أكثر عزلة من السابق.
أمام هذا الزخم تتسابق القوى الرافضة للحل، لوضع العراقيل من مداخل عدة، حيث تمثل تركيبة وفد المعارضة واحدة من أهم مداخلها. وقبيل جنيف3 تحاول تلك القوى منع إيجاد أوسع تمثيل للمعارضة، وذلك بإحتكار تمثيلها لطرف محدد، أو دفع طرف معين للهيمنة على الوفد، بغية الالتفاف على قرار مجلس الأمن (2254) الذي أكد على ضرورة وجود أوسع تمثيل للمعارضة لتشمل «مؤتمرات الرياض وموسكو والقاهرة». ومن الواضح أن هذا «الاحتكار» يراد منه تسهيل تحكم تلك القوى بدور المعارضة في المفاوضات، ما يجعلها صاعقاً مؤقتاً معداً لنسف المفاوضات، في أية لحظة.
إن تشويش بعض الأطراف الدولية والإقليمية هنا وهناك، عبر العبث بوفد المعارضة يضع هذه القوى في موقع مواجهة التوافق الدولي، وهو ما يجعل هذا الرهان خاسراً من النواحي كلها. فالقوى المعطلة ستكون في موقع المنبوذ من هذا التوافق من جهة، ناهيك عن أن هذا التشويش ذاته محكوم بالفشل كغيره من عمليات الإعاقة السابقة، والتي أثبتت الوقائع ارتدادها على أصحابها بخسائر أعلى، من جهة أخرى.
من المفهوم أن كل عملية تقدم تجاه الحل تواجه مستويات شديدة من الصراع والتشويش. فالأزمة السورية واحدة من الأزمات الرئيسية التي تكثف الصراع الدولي والتغيرات الجارية في موازين القوى. وعليه فإن كل إزاحة، وكل تقدم في الصراع ضد مصالح قوى الفاشية الجديدة العالمية سيكون مطرحاً للاشتباك الشديد مع هذه القوى وأدواتها على المستويات كافة، دولياً وإقليمياً ومحلياً. وإن انطلاق المفاوضات بين السوريين يعني عملياً التمهيد لوقف التدخلات الخارجية، بوصفها آلية تحاول تعديل موازين القوى على الأرض بغير اتجاهات الميزان العالمي، كما يعني ذلك عملياً وقفاً للحرب، التي تمثل آلية لدى قوى الفاشية الجديدة في إحراق المنطقة، ومثلما تعني إطلاق عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، الأمر الذي من شأنه توحيد بنادق السوريين ضد «داعش» وأشباهه، ويسهل النصر عليهم.
إن مآساة مناهضي الحل في سورية أنهم يواجهون الخيار العملي والعلمي الوحيد في هذه الأزمة، فمشروع الحل السياسي يستند تماماً إلى ميزان القوى الدولي الجديد الذي يفيض بدلائل أزمة واشنطن وحلفائها، رعاة فكرة العسكرة على مدار العقود التي خلت. كما أن الحل يستند إلى ميزان القوى المحلي الذي يشهد يومياً إنكسارات متتالية لقوى الفاشية، مثلما أن هذا الحل يمثل مصلحة الغالبية العظمى من السوريين، التي ألمت بهم كارثة العصر، وعليه فإن مواجهة هذا الحل محسومة النتيجة.
لن تنتهي أشكال الإعاقات، وستظل تستهدف جوهر الحل لمنعه، وهي تلازم وتساوق «التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل مع مهمة القضاء على الإرهاب». ومع اقتراب جنيف3 أكثر، والذي بات خياراً لا عودة عنه، تشحذ القوى المشوشة آخر أسلحتها، «آملة» من خلال بعض العراقيل استدامة الاستنزاف السوري عبر محاولة تأخير حل الأزمة ومحاولة الاستثمار في ذلك في ساحات صراع أخرى، بوصفه حداً أدنى من الخسائر. إلا أن الثابت والمستمر حتى اللحظة أن وتيرة التقدم متصاعدة يومياً، وعلى الجبهات كافة.
إن «جنيف»، بغض النظر عن الإسقاط المكاني أو الزماني قيد البحث الآن، هو تعبير عن إرادة أصبحت واضحة المعالم والقوى ومعززة بقرار دولي فرضته توازنات القوى الجديدة عالمياً، وإن جذور هذه الإرادة تكمن أساساً في تفاقم مأساة عموم السوريين وعذاباتهم التي لا تنفصل عن رغبتهم في انتهاء أزمتهم وبقاء بلدهم واحداً موحداً، سيداً ومستقلاً، وهذا تماماً ما لن يجري الرجوع عنه..!