الدستور الجديد وضرورة الحلول الشاملة
جاء الإعلان عن موعد إجراء الاستفتاء العام على مشروع الدستور الجديد في ظروف غاية في التعقيد على الأصعدة كافة، داخلياً وإقليمياً ودولياً.
ولا شك أن إنجاز مشروع الدستور الجديد وعرضه على الاستفتاء الشعبي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح حيث تخلق الإمكانية نحو انبثاق بنية سياسية جديدة في سورية، والتي طال انتظارها، لأن الدستور الحالي الذي تجاوز عمره الأربعين عاماً أصبح عائقاً أمام تطور البلاد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وكان جزءاً من الأزمة التي عصفت بالبلاد وليس جزءاً من الحل.
كما أن القراءة الأولية لمشروع الدستور الجديد بوجه عام، تشير إلى أنه تجاوز الدستور الحالي والساري المفعول حتى موعد الاستفتاء، ويوفر الإمكانية موضوعياً ليس لتكريس وقوننة الفضاء السياسي الجديد في سورية وحسب، بل يخلق المناخ المناسب في المجتمع باتجاه التغيير الاجتماعي- الاقتصادي، وتعزيز وحدة المجتمع والحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وهذا ما أكدته العديد من مواد الدستور الجديد حول التعددية السياسية وممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع، ومنع قيام أية أحزاب «على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون»، وأنه «لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية».
إن مثل هذا التوجه من الناحية النظرية يعزز المكتسبات التي حققها شعبنا بكفاحه الطويل وطنياً واجتماعياً واقتصادياً، ويفتح الطريق أمام التغيير الشامل والجذري المطلوب على كل الأصعدة.
لكن تحقيق كل ذلك مرتبط بكيفية تفعيل وتحقيق مواد الدستور الجديد على الأرض، وجعله نقطة قوة وانطلاق نحو الخروج الآمن من الأزمة الوطنية العميقة التي تعصف بالبلاد مع كل ما سفكته من دماء سورية عزيزة جرت إراقتها في غير مكانها، يحاول أعداء الداخل والخارج إدامة الاشتباك في الشارع السوري واستمرار العنف ونزيف الدم وتصعيد المواقف وصولاً إلى «الحرب الأهلية»، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وما الحديث الآن عن «قوات حفظ السلام»، وعقد مؤتمر دولي لأصدقاء «إسرائيل» تحت مسمى «أصدقاء سورية» إلاّ محاولات خطيرة لاستمرار التدخل الخارجي العسكري والسياسي غير المباشر ضد سورية، بعد أن فشل مشروع التدخل العسكري في أعقاب الفيتو الروسي- الصيني والتغير في ميزان القوى على الصعيد الدولي ليس في مصلحة مخططات الإمبريالية الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
إن الموقف الروسي- الصيني وعلى أهميته الاستراتيجية في لجم قوى العدوان الخارجي وعملائه في الداخل من مسلحين مجرمين وقوى ظلامية متطرفة، ليس كافياً وحده أبداً للخروج الآمن من الأزمة.
لقد أثبتت الأحداث أن أفضل وسيلة لمواجهة أعداء الداخل والخارج هي الحل السياسي الفعال والشامل، والذي يتجاوز الحل الأمني ولا يلغيه حيثما تقتضي الضرورة لاستئصال من اقترفوا الجرائم بحق الشعب والوطن، وهذا يتطلب حزمةً من الإجراءات من بينها إطلاق سراح جميع المعتقلين الذين لم تتلوث أيديهم بدماء الشعب، وصولاً إلى المصالحة الوطنية الكبرى، لأن الخطر على الوطن يتزايد، والزمن يتناقص، ولابد من إجراءات استثنائية تحمي وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ومنها الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة قادرة على إحداث انعطاف تغييري وجذري، يشارك فيها ممثلو المعارضة الوطنية الحقيقية، والنظام، والحركة الشعبية، وبمن يشارك، مع ترك الباب مفتوحاً لمن يرغب بالالتحاق بها على الأسس التالية:
ـ رفض كل أشكال التدخل الخارجي.
ـ رفض الفتنة الداخلية.
ـ اجتثاث قوى الفساد التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وهي الآن تعيق الوصول إلى توافقات وطنية ولا ترغب بالخروج الآمن من الأزمة.
لابد للقوى الوطنية الحقيقية في البلاد، في المعارضة والنظام، أن تعترف بخطورة حالة الاستعصاء وهدر الفرص، والشروع فوراً بالحلول الشاملة التي تتناسب مع عمق الأزمة وتخرجنا منها نحو تعزيز الوحدة الوطنية وتأمين كرامة الوطن والمواطن.