ماذا عن وحدة المعارضة السورية؟
علاء عرفات علاء عرفات

ماذا عن وحدة المعارضة السورية؟

مع ظهور الأزمة الوطنية السورية وتصاعدها وتطورها، تزايد الحديث عن «المعارضة السورية المشرذمة والمنقسمة» بصورة لافتة، وعن ضرورة أن توحد صفوفها في مواجهة النظاموكان قد تناول هذه المسألة مسؤولون أمريكيون وعرب وأتراك، وعقدتمؤتمرات وندوات في تركيا وبلجيكا وقطر نجم عنها ائتلافات وتحالفات ومجالس وتوافقات، ما لبثت أن انهارت، وجرى ويجري العمل على تشكيل غيرها، وبسرعة، خاصةً كلما طرح الشأن السوري في مجلس الأمن أو الجامعة العربية، إذ تنطلق حركة محمومةلتجميع «المعارضة السورية» وتوحيدها!.

 

إن التوجه الأمريكي المتجلي تركياً وقطرياً وعربياً في هذه المسألة، هو محاولة إيجاد كيان معارض يضم ما يسمى بمعارضة الخارج، مع جزء من معارضة الداخل لتمرير الوصفة الأمريكية إلى سورية، والمتمثلة بتصعيد التوتر في المجتمع السوري وصولاًلحرب أهلية طائفية في بعض المناطق تؤدي لتدخل خارجي ولتفكيك سورية، وربما تؤدي لحرب إقليمية، وفي الوقت نفسه الإيحاء للأحزاب والقوى السياسية في الداخل، وخاصةً المنضوية في الكيان المعارض المفترض، بأنها ستكون بديلاً للنظام بعد إسقاطه.

ومن ناحية أخرى، وعلى مدى الأشهر الماضية، نشأت عدة كيانات معارضة داخل البلاد من قوى وشخصيات عشية الاجتماع التشاوري وبعده، بعضها شارك في الاجتماع التشاوري وبعضها قاطعه بحجة عدم تأمين مناخ الحوار، علماً أن الاجتماع لم يكن حواراًبل كان من المفترض أن يكون تحضيراً للحوار.

عكست هذه المواقف أوهام بعض قوى المعارضة الداخلية بإمكانية إسقاط النظام، وخضعت لضغوط ما يسمى بالمعارضة الخارجية الرافضة لأي حوار، كما سارت عملياً في ذيل الحركة الجماهيرية العفوية، واعتقدت أنها بمقاطعة الاجتماع التشاوري يمكن أنتزيد نفوذها في الحركة الشعبية، لكن ما حدث في الواقع هو العكس تماماً، ومع استمرار الأزمة ودخولها مرحلة استعصاء واستمرار نزيف الدم، وعدم قدرة الحركة الشعبية على إسقاط النظام، ولا قدرة النظام على إنهاء الحركة الشعبية، أخذت تنضج وتتسعفكرة السير باتجاه الحوار لدى هذه القوى، ولكن ما زالت لديها أوهام حول «معارضة الخارج».

ينبغي قول الحقيقة حول ما يسمى بـ«معارضة الخارج»، إن قوى المعارضة هذه، وغالبية شخصياتها، مرتبطة أو منفذة لأجندات خارجية واضحة، وتسعى لاستدراج التدخل الخارجي، وبالتالي لا يمكن بأي شكل اعتبارها جزءاً من المعارضة الوطنية، وينبغيالقطع الكامل معها بصفتها ممثلاً لمشاريع خارجية معادية للبلاد، وغير صحيح أن هذه المشاريع موجهة ضد النظامكما ينبغي التوقف عن تسويق أفكار من قبيل أن الإخوان المسلمين قد تغيروا وهم جزء من المعارضة، فالإخوان المسلمون قد تغيروا فعلاً، ولكننحو الأسوأ، وأصبحوا أكثر ارتباطاً بالخارج.

وفي الوقت نفسه، فإن القوى السياسية وأحزابها بما فيها المعارضة، عانت وما تزال من أمراضها في علاقتها مع المجتمع ومع الجماهير، وفي ظل غياب الحركة الجماهيرية عانت الأحزاب من العزلة وفقدان تمثيل الشارع والمجتمع، وتصاعدت أزمتها عبرعقود طويلة، وفي ظل نهوض سريع للحركة الجماهيرية ضعيفة الخبرة والنضج، ظهرت لدى هذه الأحزاب والقوى عناصر عدم القدرة على التعامل مع الحركة الشعبية، وهذه المسألة اليوم هي مسألة فاصلة، فتلك القوى القادرة على تطوير نفسها كبرنامجوخطاب وأدوات ومعرفة، هي القوى التي تستطيع أن تتكيف وتدخل مرحلة جديدة، مرحلة الفضاء السياسي الجديد، والقوى التي لا تستطيع ذلك هي القوى التي ستموت وينشأ بدائل عنها، والمعارضة ليست استثناءً من ذلك لكونها معارضة فقط.

إن الوضع في البلاد، والسير نحو مخرج آمن للأزمة في ظل حالة الاستعصاء، يقتضي العمل لمنع التدخل الخارجي بكل أشكاله، المباشر وغير المباشر، بقرار دولي أو دونه، تدخل إقليمي أو دولي أو عربي، وهو مهمة المعارضة كما هو مهمة النظام.

كما يقتضي السير نحو الحوار الوطني الشامل وإنجاز التحول الديمقراطي السلمي الذي يفتح الباب للإصلاحات الشاملة الجذرية.

 

إن جملة هذه المواقف تجعل من الممكن ظهور أسس لوحدة المعارضة الوطنية الحقيقية في البلاد، هذه الأسس التي ينبغي أن تكون واضحة ولا لبس فيها، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.