اتجاهات الأفق القادم!
يرتفع مع كل يوم جديد مستوى وحجم ونوعية النشاط السياسي الدولي والإقليمي والمحلي المرتبط بحل الأزمة السورية، حتى بات تجميع مستجدات ذلك النشاط كلّها، بين أسبوع وتاليه، أمراً في غاية الصعوبة، وهو ما يؤكد، إلى جانب نضوج الأزمة السورية للحل، نضوج الوضع الدولي بأسره نحو انعطافات كبرى سمتها هي تثبيت الموازين العالمية الجديدة واستكمال ترجمتها..
إنّ ما نتج حتى اللحظة عن اجتماعي فيينا الأول والثاني وما جرى من اجتماعات وتصريحات عديدة على هامشهما هو تذليل نهائي للعقبات التي وضعت عمداً في وجه جنيف2، سواء منها العقبات الجدية، وعلى رأسها استبعاد إيران من المشاركة في الحل، وشكل وتركيبة وفد المعارضة السورية، أو العقبات الوهمية والشكلية المتعلقة بالشروط التعجيزية المسبقة، التي استخدمت ولا تزال–وإن بحدود أضيق- كذرائع لعرقلة الحل وتأخيره. بالإضافة إلى ذلك فإنّ تواتر اجتماعات فيينا السريع الأول والثاني والثالث الذي يقال إنه سيعقد في غضون أسبوعين، ضاماً وفدين عن النظام والمعارضة، يشير إلى اقتراب سورية من ربع الساعة الأخير في أزمتها بشكلها الدموي العنيف القائم، ليشرع الباب أمام أفق جديد ستبدأ ملامحه وتفاصيله بالظهور والتشكل تباعاً خلال المرحلة المقبلة.
وإذا كانت البلاد على أهبة الانتقال نحو أفق جديد لم تظهر تفاصيله الدقيقة حتى الآن، وهو أمر طبيعي، إلّا أنّ خطوطاً عامة أساسية ستفرض نفسها بقوة التوازن الدولي الجديد.
كانت عناوين العقود الثلاثة الماضية أمريكية بمجملها، وهي عناوين باتت معروفة بمضامينها العميقة وبتجاربها المرّة التي عاشتها شعوب العالم في فترة ربما سيحكم عليها التاريخ لاحقاً بأنها أسوأ ما مر عليه، ومن أبرزها: التقسيم والتفتيت والشحن الطائفي والقومي، النزاعات المستمرة والقاسية بين مختلف الدول الفقيرة، النهب الغربي المتوحش لبلدان العالم الثالث وما يستلزمه في تلك البلدان من تطبيق لوصفات الليبرالية الاقتصادية المصحوبة بفساد متغول وبقمع مستشرٍ، وإلخ.. من عناوين سوداء. وفي مقابل ذلك كلّه، فإنّ المرحلة الجديدة التي سيدخلها العالم بأسره بشكل تدريجي، ومن ضمنه سورية، ستخضع لميزان دولي جديد يحد من نفوذ واشنطن وحلفائها، مرجعاً إياها وإياهم إلى الحدود الطبيعية التي تتناسب مع قواهم الاقتصادية الحقيقية، وبالتالي السياسية والعسكرية، ما يعني أنّ المرحلة القادمة ستحمل عناوينها الكبرى وأبرزها: «سيادة القانون الدولي» بشكلها الحقيقي الذي يعكس ميزاناً موضوعياً يفتح الباب أمام حل مختلف القضايا العالقة منذ عقود، وبما يتضمن إعادة الاعتبار بشكل ملموس لحق الشعوب في تقرير مصيرها، هذا الحق الذي يجد ترجمته الأهم اليوم في حاجة شعوب العالم الثالث، وبينها الشعب السوري، إلى تغيير وطني ديمقراطي جذري عميق، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، يبتعد عن الوصفات الليبرالية الأمريكية المدمرة، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً..
إنّ انحسار دور الولايات المتحدة في سورية والمنطقة- الذي تجلت معالم جديدة له بصيغة بيان فيينا ومضامينه التي تكرس حق السوريين في تقرير مصيرهم ومستقبلهم السياسي بأنفسهم- سينعكس، لا على شكل المرحلة الانتقالية القادمة فحسب، بل وعلى مضامينها والآفاق التي ستفتحها، وأهم ما في الأمر أنّ المرحلة المقبلة ستشهد عودة الحركة الشعبية مجدداً بزخم أكبر من السابق وبنضج أعلى وأشد، بحيث يبقى على عاتقها أن ترفع تنظيمها نحو التعاطي الجدي في الشأن السياسي وصولاً إلى إنجاز التغييرات التي تنشدها.