رسالة مفتوحة إلى اجتماع القاهرة
بداية، تتوجه جبهة التغيير والتحرير بالتحية لشهداء سورية ومعتقليها، وعلى رأسهم المناضلين عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر. وتعرب في الوقت نفسه عن خيبة أملها من الطريقة البائسة والاقصائية التي جرى العمل وفقها من جانب بعض القائمين من معارضين سوريين على «اجتماع القاهرة» المزمع انعقاده في 8-9/6/2015 بفرض استبعاد الجبهة وإقصائها عن حضور الاجتماع المذكور، تحت حجج واهية، واستناداً إلى مواقف مسبقة.
حيث جرت عملية الاستبعاد والاقصاء ابتداءً من محاولات الضغط من أجل فرض حدود ضيقة لتمثيل الجبهة لا تتناسب نهائياً مع وزنها الحقيقي على الأرض، إضافة إلى محاولة وضع فيتو على أسماء بعينها من الجبهة، بما يتنافى مع استقلالية التشكيلات السياسية بتقديم ممثليها، وكانت الجبهة قد بنت آمالاً على هذا الاجتماع بوصفه اجتماعاً من الممكن له أن يرفع درجة التوافقات ضمن المعارضة، ويسرع تالياً عملية الحل السياسي، بما يوقف الكارثة الإنسانية التي تعيشها سورية والسوريون، ولكنّ الأمور ذهبت في منحىً آخر تماماً. إن استبعاد جبهة التغيير والتحرير عن اجتماع القاهرة يعكس عقلية إقصائية من ناحية ومواقف إقليمية ودولية من ناحية أخرى.
إنّ الجبهة إنما تستذكر في هذا السياق وبشكل خاص المناضلين الخيّر والناصر، لأنّ هذين المناضلين لو قيض لهما أن يكونا موجودين بيننا الآن، لما سارت كثير من أمور المعارضة كما تسير عليه اليوم.. واللذين لو عادا لكانا سيفضحان ويحاسبان من كان سبب مأساتهما.
إنّ النفاق السياسي الذي يشكل ديدن بعض القائمين على الاجتماع المذكور، يبدأ من تسميته «مؤتمراً»! والمعلوم أنّ تسمية اجتماع كهذا بكلمة مؤتمر، تعني ضمناً أنّ تشكيلاً جديداً سينتج عنه، وهو الهاجس الذي سعى وراءه هؤلاء وأعلنوه مراراً، قبل أن يضطروا للتواري وسحب كلامهم بعد موقف الخارجية المصرية الذي قال: بأن الاجتماع لن ينتج عنه أي تشكيل جديد.
يستمر النفاق نفسه لا من خلال تسمية الاجتماع مؤتمراً فقط، بل وتسميته «مؤتمر المعارضة الوطنية السورية»! باستخدام أداة التعريف التي تعني الحصر والتحديد، وذلك على الرغم من كل ممارسات الإقصاء والإبعاد التي مورست بحق قوى معارضة سورية أخرى، وبشكل خاص الوطنية والتي (تؤمن بالحل السياسي وتغيير النظام جذرياً) لمصلحة شخصيات وقوى لا تزال تطالب بالتدخل الخارجي بكل أشكاله جهاراً، ولا تزال تظهر «مقدار وطنيّتها العالي» بتعويلها على أدوار أمريكية وتركية وسعودية وقطرية، بل وبتهليلها لتلك الأدوار بما فيها الأحاديث عن «عواصف الحزم» و«المناطق العازلة» وغيرها!!
إنّ من سخرية القدر، ومن ظواهر النفاق السياسي أيضاً، أن يكون المعيار المعلن لاستبعاد جبهة التغيير والتحرير، هو القول: بأنّ القوى المشاركة ينبغي أن يتحقق لديها «القطع الكلي مع النظام»..! وهو الأمر الذي يضع صاحب الشرط قبل أي أحد آخر أمام مسؤولية إثبات عدم وجود علاقة سرية مستمرة بينه وبين النظام وأجهزته وأجهزة إعلامه غير الرسمية، التي تروج له، وتستضيفه بشكل مستمر ومتواتر منذ أكثر من سنتين! والأهم المقصود بهذا الاستبعاد زيادة شرذمة المعارضة تحت اسم تجميعها بما يخدم النظام «المطلوب القطع معه حسبما يقوله البعض».
ثمّ هل يعني «القطع مع النظام» من وجهة النظر هذه أن يكون القطع قطعاً مع مؤسسات الدولة السورية، التي تضع المعارضات الوطنية السورية افتراضاً مهمة الدفاع عنها في خطابها، وعلى جدول أعمالها المعلن؟ أليس عجيباً أيضاً أن يجري رفع شعار القطع مع النظام، دون إعلان القطع مع القوى التي تعلن أنها تنفذ أجندات خارجية، وبعضهم موجود في قوام هذا الاجتماع؟ وهل يصبح القطع الشكلي الذي يجري الحديث عنه بهذا المحتوى معياراً للوطنية، بينما لا يتعارض مع «الوطنية» إياها التعامل والارتباط بالأمريكي والسعودي والتركي والقطري وحتى بالكيان الصهيوني؟!
هل الإعلان اللفظي الشكلي عن القطع مع النظام، مع بقاء الارتباط والتواصل السرّي معه، كما هي حال عدد من المتبجحين بأنهم قطعوا كلياً مع النظام، هو المطلوب؟ وذلك في الوقت الذي نطالب به ونعمل بشكل علني وواضح في جبهة التغيير والتحرير على تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل، أي القطع قطعاً حقيقياً جذرياً مع منظومة والتحول نحو غيرها، دون التسبب بانهيار البلد ومؤسسات الدولة. وليس على القطع الشكلي الذي ينادي به البعض، ليقصوا الآخرين من جهة، وليستروا علاقاتهم ونواياهم من جهة أخرى.
سبق لما يسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية (وهو من دعاة الحل العسكري) أن مارس سياسات الإقصاء والإبعاد والاستحواذ، وارثاً إياها عن مقولات وممارسات «الحزب القائد» ولكن ثمة من يمارس هذه السياسة ذاتها اليوم في نشاط القاهرة، من بوابة ترويج مصطلح «عرّاب المؤتمر». بل إن بعض قوى المعارضة السورية أخذت على لقاءات واجتماعات سابقة، جرى تنظيمها في محاولة إحياء مسار الحل السياسي للأزمة السورية، أنها وجهت دعوات شخصية للمشاركين وليست دعوات حزبية وسياسية، واعتبر هذا البعض أن الأطراف الداعية إنما تعين لهم وفدهم. واليوم في مفارقة إضافية تمارس من بعض أعضاء لجنة التواصل لاجتماع القاهرة على الأطراف والقوى الأخرى ما سبق لها ورفضته، وبلغ الأمر حد استبعاد أفراد من هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي رشحتهم الهيئة للمشاركة في المؤتمر..!
إن هذه الممارسات الإقصائية غير المبررة وغير الديمقراطية، على أقل توصيف، لا تعد السوريين بمستقبل ديمقراطي، في وقت ينبغي فيه تجميع جهود كل الوطنيين السوريين، أينما كانت مواقعهم واصطفافاتهم الحالية، باتجاه الوصول إلى وقف العنف، ووقف التدخل الخارجي، وإطلاق العملية السياسية بين السوريين أنفسهم، على أساس بيان جنيف بتاريخ 30 حزيران 2012،وعبرمؤتمر جنيف3, بما يسمح بالإنجاز الفوري والمباشر للمهمة الثلاثية، المتمثلة في إنهاء الكارثة الإنسانية، والذهاب إلى الحل السياسي، ومكافحة الإرهاب بأشكاله وتجلياته المختلفة, وبشكل متزامن.
نأمل أن لا يؤدي اجتماع القاهرة الى تعميق تشرذم المعارضة السورية والى ابعاد وتعقيد الحل السياسي, وفي كل الأحوال لن تحول أية ممارسات سلبية دون استمرار جبهة التغيير والتحرير بالعمل على تجاوز الصعوبات جميعها، انطلاقاً من مصلحة الشعب السوري ومن العمل الحقيقي والجاد على شق طريق الحل السياسي الذي يشكل الطريق الوحيد لإنقاذ هذا الشعب وإنقاذ هذا البلد.
دمشق 6/6/2015
جبهة التغيير والتحرير