من التوصيف إلى التغيير
الحركة الوطنية السورية بقواها المختلفة لا تفتقر للتاريخ الذي سجل في صفحات نضالها نقاطاً مضيئة ضد الاستعمار الغربي الذي احتل بلادنا على أنقاض الحكم العثماني المغرق برجعيته، واستحق شعبنا عندها تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية هامه انعكست إيجابياً لصالح التطور التاريخي لبلادنا.
واليوم بعد انقضاء أكثر من أربع سنوات من عمر الأزمة السورية، تفرض المسؤولية التاريخية على القوى الوطنية، العمل من اجل التغيير الجذري الشامل، وايجاد المخرج الملائم للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد- عبر الحل السياسي المنشود، الذي يلبي مطامح الشعب السوري في إنجاز مهماته الاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية ، ويوقف النزيف المستمر لأرواح البشر – والتخريب الذي يصيب الحجر.
فالقوى الاستعمارية اليوم أصبحت تتدخل بشكل مباشر، وغير مباشر في شؤون مجتمعاتنا بقوة، وبكافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة عن طريق أدواتها الرجعية في المنطقة العربية أحياناً، ويشكل مباشر أكثر الأحيان.
ونجحت القوى الاستعمارية في خلق الفكر الانفتاحي الاقتصادي، الذي أنعش قوى الليبرالية المتوحشة، ومعها القوى الرجعية، التي باتت تتحكم بمفاصل رئيسية للاقتصاد الوطني، وانتشر الفساد بمستوياته كافة الذي شكل حاضنة لنمو وتقوية القوى الرجعية.
وتبرز القوى الاستعمارية نفسها كحكم لإيقاف بؤر التوتر والاقتتال القائم – العنف السائد- الذي بالأصل هي من صنعته وزادت من وتيرته.
نعم إن هذا الواقع المؤلم يتطلب موقفاً وطنياً صحيحاً وصادقاً من كل القوى الوطنية، أينما وجدت، من داخل النظام أو خارجة، والانتهاء من المقولات التي أصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تنفع أحداً من الحسم والاسقاط... وغيرها.
ولا سيما ضمن التوازن الدولي الناشىء، الذي يبين تراجع القطب الأمريكي وتقدم الدور الروسي، والأجواء الدولية التي تفيد بنشوء مجتمع دولي متعدد الأقطاب.
حيث لم يعد هناك متسع من الوقت لانزلاق بلادنا نحو مزيد من الفوضى والقتل والتدمير، في حال فشل الحل السياسي، الذي بات مطلباً شعبياً قبل أن يكون دولياً واقليمياً، ولم تعد مساحات الحلول الأخرى تشغل جيزاً إلا بتفكير المتطرفين من هنا وهناك.
والانتظار أكثر لإثبات صحة الحسم أو الاسقاط، ستؤدي بالبلاد إلى التدخل المباشر، وفقدان السيادة والكرامة الوطنية، والحل ليس مستحيلاً بل هو ممكن في حال تلبية صرخة الوطن لكل الوطنيين من قواهم وحركاتهم كافة بالالتفاف حول ضرورة الحل السياسي والتغيير الجذري الشامل، لمنع التدخل الخارجي، والقضاء على الإرهاب ومحاربة أنواع التطرف كلها.
الأحزاب والحركات الوطنية كلها تقرّ في برامجها بعدوانية الولايات المتحدة للشعوب ومعها الإمبريالية الأوربية وبأنها لن تقدم لشعوب منطقتنا سوى القتل والدمار.
وتقرّ أيضاً بأن الإمبريالية الأمريكية والأوربية متحالفة عضوياً مع الرأسمال الصهيوني العالمي، الذي يسعى لإنشاء شرق أوسط كبير يخدم مصالحها، وعبر أدواته العولمية المعروفة. ومؤخراً أدرك الوطنيين جميعهم بأن أصحاب المشاريع الانفتاحية هم ممثلو لقوى الاستعمارية في منطقتنا وأن الليبرالية المتوحشة، هي التي تنتج الفوضى الملائمة لانتشار قوى التكفير والظلام.
كل ذلك يحتم على قيادات وقواعد القوى الوطنية كافة، مسؤوليته تلبية صرخة الوطن النازف، وإعادة اللحمة الوطنية القادرة على اتخاذ الحل السياسي المنشود، والانتقال من مرحلة التوصيف والتفسير إلى مرحلة التغيير الجذري والشامل المنشود.