اجتماع موسكو الثاني.. خطوة إلى الأمام
يعقد اجتماع موسكو بجولته الثانية خلال الأسابيع القليلة القادمة، ليشكل متابعة لما بدأه ضمن عملية إصلاح «مؤسسة جنيف» تمهيداً لعقد «جنيف-3». ورغم أنّ الوقت قد يبدو مبكراً لإصدار حكم حول ما ستنتجه الجولة الثانية، إلّا أنّ جملة من المؤشرات والوقائع تدفع نحو الاعتقاد بأنها ستكون أكثر نجاحاً وفاعلية من الأولى. ومن بين هذه المؤشرات ما يلي:
أولاً: التطور المتسارع في تظهير وترجمة الميزان الدولي الجديد الذي يصب في مصلحة القوى الدولية الداعمة للحلول السياسية، وعلى رأسها روسيا، وضد مصلحة القوى الداعمة لاستمرار الحرائق العالمية وتوسيعها، وعلى رأسها الولايات المتحدة. يظهر ذلك جلياً في الملف النووي الإيراني السائر بثبات باتجاه الحل، رغم جميع العراقيل والاستعراضات الإعلامية، وكذلك في أوكرانيا التي تم إرساء الأسس العملية والواقعية لحل أزمتها بمعزل عن الهيمنة الأمريكية، وفي وضع مصر أيضاً التي بدأ دورها بالتصاعد الملموس سواء في ليبيا أو إفريقيا–بما يخص موضوعة النيل- أو في طبيعة وشكل علاقاتها مع الخليج، والأهم هو ثبات موقفها من الإخوان وعلاقاتها المتنامية مع روسيا.
ثانياً: إذا كانت الهيمنة الأمريكية في منطقتنا على العموم قد دخلت طور التراجع والانكفاء، فإنّ الأمر بالنسبة لحلفائها ليس بأقل صعوبة. فعلى الرغم من قوة هؤلاء الحلفاء، وعلى رأسهم تركيا والسعودية، فإنهم عاجزون جميعهم عن ترجمة قوتهم تلك سياسياً، لأنها قوة موظفة في الخط الأمريكي المتراجع نفسه.
ثالثاً: وبما يخص اجتماع موسكو نفسه، فإذا كان بجلسته الأولى قد وجه دعواته إلى شخصيات، فإنّه يوجهها بجلسته الثانية لقوى سياسية إضافة إلى شخصيات، وطيف حضوره سيكون أوسع مما كان عليه، إضافة إلى حضور دولي، ولكن دون تضخيم عدد المشاركين لضمان الفاعلية العملية للقاء. وإذا كانت الجولة الأولى دون جدول أعمال، فالثانية لديها جدول أعمالها الذي يستند إلى ملاحظات الأطراف التي حضرت الجولة الأولى.
بالمحصلة، فإنّ هذه المؤشرات والوقائع تؤكد أنّ الجولة الثانية من اجتماع موسكو ستشكل خطوة إضافية باتجاه تصحيح وتفعيل مؤسسة جنيف نحو حل الأزمة السورية.
رغم ذلك فإنّ بعض الشخصيات والتيارات تتهجم على الاجتماع كونه اجتماعاً «بمن حضر»، وتفترض أنّ اجتماعاً قادراً على تقديم شيء باتجاه حل الأزمة السورية ينبغي أن «يحضره الجميع». إنّ أولئك الذين يطرحون كلاماً من هذا القبيل لا ينتبهون- عمداً أو سهواً- أنّ المطالبة بحضور الجميع، وبين هذا الجميع من أعلن رفضه للحل السياسي مراراً وتكراراً، إنما يرهن سورية والشعب السوري والأزمة السورية لأمزجة أعداء الشعب السوري! فهل ينبغي مثلاً انتظار «الإخوان المسلمين» حتى يقتنعوا بالحل السياسي لكي يذهب السوريون باتجاهه؟ وهذا يعني أنّ أصحاب هذه الدعوات يعلمون أنّ لا إمكانية لتحقيق ما يذهبون إليه، وبالتالي فهم يريدون شيئاً آخر يغطونه بهذا الكلام، أي تعطيل الحل السياسي، أو في أحسن الأحوال العمل على تفصيله بمقاسات صغيرة لا تتناسب وحجم الأزمة ومتطلبات حلها.
إنّ واحدة من أهم ميزات اجتماع موسكو التشاوري، هي أنّه أسقط الذرائع المختلفة التي تأتي من متشددي هذا الطرف تارة، ومتشددي الطرف الآخر، تارة أخرى، وأنه وضع الجميع أمام الاستحقاقات الوطنية الكبرى دون أي مجال للمواربة وبيع الأوهام.