تحرير كوباني «عين عرب».. ودروس أخرى!
لم يكن عبثاً القول أن معركة عين العرب، تشكل منعطفاً في تاريخ الأزمة الوطنية، فها هي المدينة البطلة استطاعت أن تغير المعادلة التي حاول الإعلام فرضها على الجغرافيا العراقية والسورية وهي عدم إمكانية مواجهة داعش، والإيهام باستحالة الانتصار عليها.
كوباني «عين عرب» تحررت وداعش تقهقرت، لقد بات ذلك أمراً واقعاً، مع كل ما يعنيه ذلك من دروس وعبر ينبغي الاستفادة منها واستثمارها في الميدان وعلى عموم الساحة الوطنية السورية، وليس الاقتصار على التغني بالنصر.
الدرس الاول
إن المقاومة الشعبية هي الرد الأنسب على الإرهاب بكل مكوناته وتسمياته وتقسيماته، فهذه المقاومة من الممكن لها أن تحقق انتصارات سريعة، وتطيح بتلك الهالة التي سوّقتها وسائل الاعلام المختلفة عن داعش وكأنها قدر لايرد.
الدرس الثاني
إن داعش هي بنية هشة، رغم كل الدعم المالي والعسكري واللوجستي المكشوف والمستتر، الإقليمي والدولي، المقدم لها بهدف إدامة الاستنزاف السوري، فهذه البنية وإن كانت ذات نواة صلبة مدربة ومتمرسة، إلا أن إطارها العام لايتحمل معارك جدية على الأرض، رغم كل الدعم والتمويل الذي تحصل عليه، وطريقتها في الحرب هي أقرب إلى طريقة الشركات الأمنية، التي تقتصر وظيفتها بالدرجة الأولى على إثارة الفوضى لفتح الطريق أمام رعاتها ومموليها الأساسيين للتحكم بخيوط الصراع.
الدرس الثالث
رغم أن وسائل الإعلام - باستثناءات قليلة – أبرزت المعركة على أنها معركة بين الأكراد وداعش، إلا أن تصريحات المقاتلين على الأرض بما فيها قيادات من الصف الأول أكدت على البعد الوطني لمقاومة عين العرب، ونالت المقاومة الشعبية هناك تضامناً سورياً شعبياً من أقصى البلاد إلى أقصاها، تضامناً عابراً للثنائيات الوهمية من طائفية وعرقية ودينية وبما فيها ثنائية النظام – المعارضة، فكوباني «عين عرب» عبرت بهذا المعنى عن الضمير الجمعي للسوريين، مما يؤكد مرة أخرى على وحدة مصير السوريين، وعدا عن ذلك فإن مقاومة كوباني «عين العرب» أطاحت بالمحاولات التركية في أخذ حصة من الكعكة السورية، عبر تشكيل ما يسمى بالمنطقة الآمنة التي تعني فيما تعني وضع الخطوة الأولى نحو تقسيم سورية، وفي السياق ذاته عزز هذا الانتصار خلافات المراكز الاقليمية الدائرة في المشروع الأمريكي «تركية.. السعودية»
الدرس الرابع
بعد توضحت قدرة قوى المقاومة الشعبية في كوباني «عين عرب» على الصمود، حاولت بعض القوى القومية الكردية التقليدية الدخول على الخط لتكون شريكة في هذا المنجز التاريخي، مستغلة حاجة المقاومين المحاصرين من قبل داعش وتركية إلى السلاح، ووصل التهافت في هذا المجال ببعض قيادات إقليم كردستان - العراق إلى الاتكاء على تحرير كوباني «عين عرب» في تبييض صفحة الدولة التركية رغم دعمها العلني والمستتر لداعش ووصل الأمر بهم الى توجيه الشكر إلى تركية ودورها في عملية التحريراستناداً إلى مرور البيشمركه عبر الأراضي التركية، وفي هذه الأثناء أيضاً كانت نصائح من يتنطع للعب دور«الشقيق الاكبر» أي الولايات المتحدة بضرورة انكفاء مقاومة كوباني «عين عرب» عن حزب العمال الكردستاني باعتباره«منظمة إرهابية».
لقد فرض صمود كوباني «عين عرب» وانتصارها على الجميع أن ينحنوا صاغرين أمام أقدام المقاومين على الأرض، وفي الوقت نفسه محاولة الطعن في ظهرها، مرة من خلال التغاضي عن تقدم داعش نحو المدينة، ومرة عن ايصال المساعدات الى قوات داعش المتقهقرة «خطأ»، ومرة من خلال محاولة عزل المقاومة عن مجالها الحيوي الذي يمدها بالنسغ وأسباب الاستمرار.
موسكو.. كوباني «عين عرب»... جنيف!
تزامنت عملية تحرير كوباني «عين عرب» مع انعقاد اللقاء التشاوري في موسكو، الذي يعتبر خطوة لإحياء مسار جنيف كمنصة لإطلاق الحلول السياسية بين السوريين، الأمر الذي منحها زخماً أكبر، وفي الوقت نفسه أكد على صوابية خيار موسكو وبالملموس، ذلك الخيار الذي يؤكد أبداً ودائماً على ضرورة مواجهة الإرهاب وانجاز عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذرية والشاملة.
ما لا يمكن إنكاره، وما لا ينبغي إنكاره على الإطلاق هو أن البنية الأساسية في مقاومة كوباني «عين عرب» هي «قوات حماية الشعب» التي أثبتت من خلال عملها البطولي، و بما لا يقبل الجدل بأنها باتت رقماً من أرقام المعادلة الوطنية السورية، لا بل الإقليمية، وعليه فإن الإخلاص لدماء شهداء كوباني «عين عرب» والاستثمار السياسي الأنسب لدور هذه المقاومة ينبغي أن تكون المهمة الأولى على جدول الأعمال..... فكيف؟
الكف عن لغة الغزل مع ما يسمى قوات التحالف الدولي من جهة، وتركية الأردوغانية من جهة أخرى، وتضخيم دورها في عملية التحرير، الأمر الذي يتناقض مع الوقائع الملموسة، ومع طبيعة وبنية هذه الجهات الدولية والإقليمية، والحذر من المحاولات الغربية في توظيف انتصار كوباني «عين عرب» باتجاه النفخ في الطموحات القومية وصولاً إلى عزل نضال الكرد في بلدان المنطقة عن نضال شعوب هذه البلدان، من أجل التغيير المنشود، وتصويره على أنه متناقضاً معها، في إطار محاولات احياء النعرات، وضرب الكل بالكل وإنهاك الكل التي باتت معلنة وأداة اساسية من أجل تسويق المشروع الأمريكي في عموم المنطقة.
التأكيد على البعد الوطني السوري، ليس باعتباره إلغاءً للخصوصية القومية والثقافية، بل باعتبار هذه الأخيرة جزءاً منها ومتكاملاً معها ومعززاً لها، مع كامل الحق في النضال من أجل إلغاء كل سياسات التمييز القومي، ومحاولات إلغاء الوجود، والسياسات الشوفينية التي اتبعتها الأنظمة على مدى عقود.
الدفع باتجاه إنجاح محاولات الحل السياسي للأزمة، باعتباره المدخل الوحيد لكل السوريين لنيل حقوقهم.