معايير نجاح «موسكو»
تفصلنا أيام قليلة عن انطلاق المباحثات السورية- السورية من «منصة موسكو»، ضمن ما بات يعرف بلقاء موسكو التشاوري، والذي تنظر إليه غالبية السوريين بوصفه فسحة أمل تنفتح أمامهم مجدداً منذ توقف جنيف2، ويتمنون اتساعها لتؤمن خروجهم من الكارثة المستمرة.
وإن كانت هذه هي الحال بالنسبة لأغلبية السوريين، فالأمر ليس كذلك بالنسبة لجزء من السياسيين على طرفي المشهد، وليس كذلك بالنسبة للعديد من القوى الإقليمية والدولية، التي لم توفر حتى الآن وسيلة للمنع أو التأجيل أو العرقلة إلا واستعملتها.
إنّ اجتماع موسكو يشكل نتيجة لتطور السياقات الدولية والإقليمية والداخلية المتعلقة بالأزمة السورية، والتي يمكن تكثيفها فيما يلي:
أولاً، إنّ تقدم الدور الروسي في حل الأزمة السورية ناتج عن التوازن الدولي الجديد الذي لم تعد فيه واشنطن القوة المهيمنة الوحيدة، بل وظهر بشكل واضح الميل العام الذي يؤكد أنّ تراجعها النهائي، إلى المكان الجديد الذي يلائم وضعها المأزوم باطراد، لا يزال في بداياته، وذلك رغم إصرار جهات مختلفة على إعادة نفخ الروح بالدور الأمريكي/ الغربي وتضخيمه وتضخيم أدواته المتماوتة، بما في ذلك أدواته السورية. ومن جانب آخر فإنّ عدم تمثل الأمريكي لدور الراعي للعملية السياسية السورية، عبر تحيزه الواضح وعمله المستمر على تسعير القتال، أفسح في المجال موضوعياً أمام الروس لالتقاط زمام المبادرة. وإن كانت واشنطن تعلن اليوم عن «دعمها» للجهد الروسي فلأنّ هذا الموقف هو الوحيد الممكن ضمن التوازنات القائمة، وهذا لا يعني أنّ واشنطن ستكف بلاءها، ولكنها ستحاول إيجاد صيغ وطرق أخرى لفعل ذلك.
ثانياً، إنّ تطور الكارثة السورية وتعقدها لم يثبت أن لا حل عسكرياً وأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد فحسب، بل وأثبت أنّ استمرار الكارثة دون حل سياسي يحمل جميع أنواع الأخطار، ليس على سورية فقط وإنما على المنطقة بأسرها، ما يجعل مهمة الذهاب إلى الحل السياسي مهمة وطنية سورية ذات أبعاد إقليمية ودولية، الأمر الذي يوفر بدوره جميع المقدمات اللازمة لضرورة التقاط وإنجاح الجهد الروسي القائم واجتماع موسكو.
إنّ انعقاد اجتماع موسكو غدا بحكم الأمر الواقع، ومعايير نجاحه تتمثل في نقطتين أساسيتين: الأولى، هي انعقاده بوجود ممثلي النظام وممثلي المعارضة بمكوناتها الأساسية، وهذه تتضمن حقيقة أنّ تلك القوى التي لن تحضر لن تكون بعد موسكو قوىً أساسية، فهي بعدم حضورها تعلن عدم جديتها بالتوجه للحل السياسي، وتعلن تالياً عن خروجها نهائياً- الفعلي وليس بالضرورة الشكلي- من الساحة السياسية والشعبية السورية. فجميع الذرائع مسدودة بوجه من لا يريد حقاً وفعلاً حلاً سياسياً للأزمة السورية، فالاجتماع تشاوري وغير رسمي وغير ملزم، ولكن نجاحه يمكن أن يفضي إلى جنيف3، بمعنى توفير الإطار الدولي والإقليمي الضروري لوضع حد للكارثة السورية عبر الحل السياسي. النقطة الثانية تتعلق بمخرجات اللقاء، التي ينبغي أن تتضمن إقراراً من الأطراف المختلفة بأنّ الحل السياسي هو الخيار الوحيد للخروج من الأزمة الداخلية المستعصية، وتعهداً باستمرار اللقاءات والتفاوض من أجل ذلك.. وبشكل مواز العمل على محاربة الإرهاب بما يعنيه بالمجمل تنفيذ بيان «جنيف-1». وهو ما يعني الاتفاق على أنّ الحل سياسي، وعلى أساس «جنيف-1»، وعلى أن الأطراف ستعمل على تسهيله عبر تقديم تنازلات متبادلة ولو كانت مؤلمة، تصب في النهاية في مصلحة السواد الأعظم من المواطنين السوريين، وأن هذا الحل هو الذي سيغير ميزان القوى الذي يؤمن الانتصار على الإرهاب بقوى الوطنيين السوريين بأنفسهم بالدرجة الأولى.
إنّ الأطراف التي تعمل على إفشال موسكو علناً أو سراً إنما تعلن عدم أهليتها السياسية وانعدام مسؤوليتها الوطنية الأمر الذي من شأنه إن استطاع إفشال «موسكو» أن يشرع الأبواب على اتساعها وكما لم تشرع من قبل لعودة التدخل الخارجي بأكثر صوره سوءاً وكارثية، ناهيك عن احتمالات الانهيار والتقسيم والتفتيت.
إنّ إنجاح اجتماع موسكو يمثل فرصة قد تكون أخيرة أمام السياسيين السوريين الحاليين، معارضة وموالاة، لكي يرتفعوا بمسؤولياتهم إلى مستوى معاناة شعبهم وكارثته التي يعاني منها. إن سورية والسوريين ينتظرون سلوكهم وأفعالهم للخروج من الأزمة وللحفاظ على سورية موحدة أرضاً وشعباً وعلى دورها الوظيفي في مواجهة الأمريكي- الصهيوني ومخططاته.