(كنت قد أسمعت...!!)
أعلنت بعض الشخصيات وبعض جهات المعارضة السورية رفضها الاشتراك في اجتماع موسكو التشاوري، وهي مواقف لا يبدو أنها نهائية حتى اللحظة، ولكن حتى لو تغيرت هذه المواقف فإنّ لها دلالاتها ومعانيها التي ينبغي التوقف عندها.
ربما سيكون مفيداً غياب بعض الشخصيات والجهات التي طالما مانعت الحل السياسي في سورية، والتي طالما أعاقته تحت حجج وذرائع تتقلب وتتغير وفقاً للظروف، ومع ذلك فإنّ الأجدى أن تحضر بعض قوى التشدد الآن وأن ينهي الشعب السوري وزنها السياسي ضمن العملية السياسية القادمة.
ليس من حجة اليوم لأي كان في رفض الانخراط في مسار الحل السياسي ابتداء من موسكو، فاللقاء تشاوري وغير رسمي وغير ملزم كما أكد المضيفون مراراً.. واستناد البعض إلى هذه الأمور للقول بـ«عدم جدوى» أو «جدية» اللقاء، ليس إلّا ذراً للرماد، فهل لدى هؤلاء من مسار بديل؟ هل لديهم اقتراح آخر؟ هل هنالك من بدائل اليوم سوى استمرار الاستنزاف وتصاعده إلى حدود انهيار البلد وتقسيمها؟!
من جهة أخرى، فإنّ الدعوات الشخصية بدلاً من دعوة الجهات المعارضة، قطعت الطريق مسبقاً على الذرائع المتعلقة بشكل الوفد المعارض والأوزان ضمنه، وهو أمر يتوافق مع كون الاجتماع تشاورياً وغير رسمي، إلّا أنّ بعض المعارضات تعود إلى استخدام هذه الذريعة مظهرة للشعب السوري بوضوح ما بعده وضوح أنها تهتم بضمان «حصتها» و«موقعها» أكثر بكثير مما تهتم بإيقاف الكارثة السورية، رغم كل ما تنثره من بكائيات. وأكثر من ذلك فإنّ بعض البعض لا يقدّم «حصته» و«موقعه» على الدم السوري فقط، بل ويفعل ذلك وكلّه ثقة أنّه ربما لن «ينال» شيئاً مهماً إلا بهذه الطريقة، فثقته تكاد تكون معدومة بقدرته على العمل بين السوريين وإقناعهم والتحول إلى قوة سياسية من خلال اعترافهم به لا من خلال اعتراف هذه القوة الدولية أو تلك.
إنّ رافضي لقاء موسكو من جهة المعارضة ينقسمون عملياً بين ثلاثة أنواع:
الأول، هو ذلك النوع القاصر معرفياً عن فهم التوازن الدولي القائم، ودور موسكو وحلفائها به، وبالتالي عن فهم أهمية ما يجري التحضير له في موسكو. أو القاصر معرفياً أو حتى شعورياً عن فهم درجة السوء المفجعة التي وصلت إليها أحوال سورية والسوريين، وما يتهددهم وما يتهدد بلدهم من احتمالات التدخل الخارجي المباشر والانهيار والتقسيم.
الثاني، هو النوع الذي يدرك كل ما سبق أو أجزاءً مهمة منه ويصر على أنّ حصوله على «قطعة كبيرة من الكعكة» هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، وإلا فلتستمر، وانتظروا إنّا منتظرون..
الثالث، هو النوع المرتبط مباشرة والذي لا حول ولا قوة له فيما يقول وفيما يفعل، ومنطقي ألا ينتظر أحد شيئاً من هؤلاء.
إنّ القسم من المدعوين الذي لن يحضر لن يغير كثيراً في المعادلة، فهذا الاجتماع وإلى جانب كونه تحضيراً باتجاه «جنيف-3» فإنّه اختبار نوايا للقوى المختلفة، يكشف من منها يساند الحل السياسي ويؤمن به حقاً ومن لا يفعل. وعليه فإنّ هذا الاجتماع سيسهم بشكل أو بآخر بالتحديد الأولي لأوزان القوى المعارضة المختلفة، في إطار اكتمال تشكل الفضاء السياسي السوري الجديد الذي لن يكون فيه متسع لقوى الموات والاحتضار السياسي، الفضاء السياسي الجديد الذي سيكون للشعب السوري القول الحسم فيه..
المتباكون على المقاعد والحصص والكراسي بحجج التمثيل وشكله ونسبه، ينسون أو يتناسون أن أقل التقديرات التي أصدرتها جهات مختلفة تتحدث عن ما لا يقل عن 191 ألف ضحية ونصف مليون مصاب، و17 ألف مفقود وعشرات آلاف المعتقلين و5.5 مليون طفل سوري تأثروا بفقدهم أطرافهم أو آباءهم أو مدارسهم أو منازلهم وجميع جوانب طفولتهم تقريباً، وأكثر من عشرة آلاف طفل شهيد، كما أنّ أقل الأرقام تتحدث عن أكثر من مليون ونصف لاجئ خارج البلاد وأكثر من ستة ملايين نازح داخلي، هذا إلى جانب أرقام التدمير والخراب الاقتصادي التي تربو قيمتها على 5000 مليار ليرة سورية، وفقدت العملة السورية قرابة 80% من قيمتها، وتراجع إنتاج النفط بمقدار 96%..وإلخ
إنّ تعداد الكوارث يجعل المرء يتمنى أن يصل فعلاً «إلى آخره»! ويوضح مكان أولئك الذين "يتبطرون" في قبول دعوات موسكو من عدمه، بأنهم إنما يتبطرون على كوارث الشعب السوري، وأمثال هؤلاء لا يستحقون أن يؤخذ رأيهم من الأساس، ولن يأسف أحد عليهم إن هم لم يحضروا..