ميزان القوى الدولي والحل في سورية
إن ميزان و تناسب القوى في أي عملية جارية هو الأساس في الانتقال من خطوة إلى أخرى، صعوداً أو هبوطاً. وحتما لن ينتصر الأقوى عضلياً وإنما الأقوى فكرياً وسياسياً و معرفياً والأكثر ذكاءً والأبعد نظراً والذي يعلم ماذا يريد، والأهم سينتصر الذي يعبّر عن مسار التطور الموضوعي الذي يعبر عن مصالح أغلبية البشر.
الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية كما قال أنجلز، فهي إحدى الخيارات وربما الخيار الوحيد في ظل الأزمات. فجذر الأزمة الرأسمالية الراهنة الحقيقي يكمن في مسألة فيض المال وفيض السلاح ولا مخرج لها إلا بحروب طويلة لا حدود لها. وتسعى من خلال إشعال الحروب إلى:
• تأجيل بحث وضع الدولار كعملة عالمية إلى أجل غير مسمى.
• مشاغلة المنافسين الكبار (الصين – روسيا – أوروبا) واستنزافهم عبر جرهم إلى معارك غير محدودة.
• امتلاك منابع النفط، والتحكم بسعره، والعملة التي يباع بها.
لقد خرج الأمريكيون من التدخل المباشر في العراق إلى مرحلة الفوضى الخلاقة والتي يريدون منها اشعال حروب واسعة بأيادي الآخرين، وبعيداً عن أراضيهم، ويتركز عملهم هذا في المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط. من المعروف أن قوة الاقتصاد الأمريكي مستمدة من قوة الدولار وقيمة الدولار مستمدة من استمرار تسعير النفط بالدولار ولذلك فمنطقتنا التي تحوي على 70% من احتياطي نفط العالم هي منطقة استراتيجية يريدون لها أن تعم بالفوضى كي لا يقترب منها أحد من منافسيهم مثل روسيا والصين وأوروبا
بالمقابل فإن من أهم ملامح النهوض الروسي:
• مجموعة بريكس والرأسمالية و التوازن الدولي
تبلور الظهور القوي لمجموعة هذه الدول على الساحة العالمية منذ عام 2008 مع انفجار الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية، حيث بدأت دول بريكس بالمطالبة بتغييرات جذرية في القوانين الاقتصادية الدولية ومؤسساتها بدءاً من صندوق النقد الدولي وليس انتهاء باعتماد سلة عملات للتبادل التجاري الاقتصادي الدولي بدلاً من احتكار الدولار كعملة وحيدة للتبادل. وكما طالبت بتغييرات في بنية الأمم المتحدة وهي قضايا ليست اقتصادية فقط وإنما تعبر عن جوهر التوازن الدولي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. من هنا يبدأ الارتباط الوثيق بين صعود دول البركس ومن في تيارها اقتصادياً وبين المواجهة السياسية مع المعسكر الغربي الذي كان مسيطراً طوال عقود خلت.
• الأوراسية – منظمة شنغهاي – دول أمريكا اللاتينية:
كل هذه القوى والدول التي تتوطد علاقاتها مع روسيا يوماً بعد يوم تشكل حليفاً قوياً للروس ولها تأثير كبير على التغير الحاصل في ميزان القوى الدولي.
• الانتقال من الدفاع إلى الهجوم
• الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية بلغت درجة غير مسبوقة تاريخياً وأكدت عدة قضايا عالمية على أنها أزمة بنيوية عميقة لا مخرج منها حسب التحليل الماركسي.
• ازدياد صلابة المقاومة في منطقتنا العراق – لبنان - فلسطين - ....
• الملف النووي الإيراني وإخفاق السياسة الأمريكية حيال ذلك.
• التغير الكمي والنوعي للدور الروسي وحلفائه على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي
• دول أمريكا اللاتينية التي توجه ضربات متلاحقة للإمبريالية الأمريكية وتبحث عن حلول خارج المنظومة الرأسمالية العالمية.
هذا كله يشير إلى أن موقع الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية، وهيمنتها على القرار الدولي مهددة، وهذا ما يعكسه التغيير التراكمي البطيء الجاري في ميزان القوى الدولي في السنوات الأخيرة وتؤكده طريقة العمل الروسية الهادئة والدؤوبة باتجاه الحل السياسي في سورية.
لقد بدأ التغير في ميزان القوى الدولي يظهر منذ إطلاق الفيتو الروسي الصيني الأول ضد التدخل العسكري المباشر في سورية وهذا يذكرنا بعام 1956 حين ظهر الأمريكيون والسوفييت كقطبين برفضهما للغزو العسكري الفرنسي الانكليزي الصهيوني للسويس، وكانت تلك اللحظة إيذانا بانهيار عالم قديم ونشوء عالم جديد.
ليس خافياً على أحد محاولة واشنطن الوصول بالوضع الإقليمي، وضمناً سورياً، إلى حالة التفتيت والتقسيم وكما قال لافروف (إن أمريكا و الدول الغربية كلها قررت عدم أخذ مصالح الشعوب ولم يصغوا إلينا بضرورة التمسك بميثاق الأمم المتحدة، الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي أيدا الانقلاب في أوكرانيا و بررا أية أعمال للسلطات المعلنة من جانب واحد في كييف التي توجهت نحو قمع جزء من الشعب الأوكراني بالقوة و لنتذكر قصف يوغسلافيا والتدخل في العراق وما حصل في ليبيا وأفغانستان وغيرها. وبفضل جهودنا الدبلوماسية تسنى لنا الحؤول دون تدخل واشنطن في سوريا)
الحل السياسي في سورية هو محصلة صراع دولي وإقليمي ومحلي
من المعروف أن تبعية الرأسمالية في بلدان العالم الثالث تولد حالة رفض شعبي تؤدي إلى توليد التكفيريين الذين يمثلون بكتلتهم الأساسية المهمشين في المجتمع نتيجة ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجهل فيصبحون لقمة سائغة لتيارات ظلامية. لذلك يدفع الشعب السوري اليوم ضريبة تطبيق السياسات الليبرالية الاقتصادية التي أدت إلى إضعاف المجتمع ونسيجه الوطني وأنتجت الطائفية، وعلى الصعيد الاقتصادي عملت على تفكيك جهاز الدولة الذي عليه أن يلعب دوراً في توحيد البنية والحفاظ على علاقة طبيعية مع المجتمع.
الأزمة السورية هي أزمة بنيوية عميقة ومتداخلة ببعديها الداخلي والخارجي، ولا شك أن استعصاء الحل السياسي في سورية أعطى فرصة للتدخل الأمريكي غير المباشر عبر منتجها الإرهابي داعش والنصرة. ولذلك فإن المطلوب اليوم هو التوجه الحقيقي لحل سياسي جذري وشامل بين جميع السوريين بعيداً عن شعارات (الإسقاط أو الحسم) وبعيداً عن التضليل الإعلامي الذي يسّوق إرادة أمريكا لضرب الإرهاب.
يقع الحل السياسي في سورية على كاهل جميع الوطنيين أياً كانت مواقعهم، وتقع على عاتقهم مسؤولية التعاون لمعالجة المنتج الإرهابي التكفيري كنتيجة للحل السياسي والخروج من الأزمة التي يعيشها الشعب السوري.
يشير نشاط موسكو السياسي الراهن أن المرحلة الأولى من الحل ستجري في موسكو حيث سيجري تفاهم أولي بين المعارضة والنظام، والثانية في جنيف حيث يتم التوصل إلى صياغات عملية للحل السياسي في سورية والخروج من الأزمة.
يعتبر الحل السياسي للأزمة السورية حاجة وطنية بالدرجة الأولى، وهذا ما يتطلب عدم إضاعة الفرصة في التفاعل الجاد في مسالة الحل السياسي حفاظاً على دماء السوريين، ومنعاً لانهيار الدولة السورية، ومن أجل القضاء على الإرهاب وتغيير شكل الصراع في سورية من شكله العسكري البحت إلى شكله السياسي لكي يتيسر للسوريين تقرير مصيرهم انطلاقاً من مصالحهم الوطنية العميقة.