الحل السياسي.. وضرورات الواقع
في موازاة الحراك الدولي والإقليمي الواسع الذي يجري مؤخراً تحضيراً للحل السياسي للأزمة، تتعاظم على الأرض ضرورات إطلاق هذا الحل، سواء من حيث نضج الظروف لوقف النزاع في بعض المناطق، ووجوب مكافحة الإرهاب، فضلاً عن وجوب وقف الكارثة الإنسانية في البلاد
مرة أخرى، ينفتح أفق الحل السياسي للأزمة السورية. منذ فشل مؤتمر «جنيف-2» في مطلع العام الجاري، طرأت تغيرات مهمّة على الساحة الدولية والداخلية أكّدت بمحصلتها أن حلّاً سياسياً في سورية هو ضروري أكثر من أي وقت مضى: تعمّق الأزمة الاقتصادية للمركز الإمبريالي الأميركي، تعاظم الدور الروسي على الساحة الدولية كدور قادر على صياغة الحلول وترتيبها في مقابل سعي «واشنطن» الدؤوب في «ترتيب الفشل» للعديد من الملفات الساخنة في العالم، وانعكاس كل ذلك في العديد من المتغيرات الإقليمية. ومن ناحية أخرى، فإن الثغرات التي رافقت مؤتمر «جنيف-2» والتي أفضت إلى إفشاله، كتركيبة الوفد المعارض الأحادية الحاملة لبرنامج يناقض الحل السياسي في كل مفرداته، إضافة إلى غياب أطراف إقليمية فاعلة في مسار الأزمة، هذه الثغرات تأتي الحياة لتحلها مع تعمق المأزق الأمريكي وعجزها لإيجاد «بدائل» إستراتيجية عن الحل السياسي؛ ففي ظل رعاية طرف مسؤول كروسيا لمحادثات جدّية يجري خلالها تلافي الثغرات والعيوب التي رافقت الجولات الأولى والثانية من «جنيف»، تظهر إمكانية أن يكون تمثيل المعارضة وازناً ومقبولاً، وذلك من خلال مشاركة معارضة الداخل التي تنتهج معظم قواها برنامج الحل السياسي على أساس الحوار بين جميع السوريين للوصول إلى التغيير الجذري الشامل الوطني والديمقراطي والاقتصادي- الاجتماعي.
على الأرض، تتوفر الكثير من الدلالات التي تؤكّد أن هناك ضرورة كبيرة للوصول إلى حل سياسي شامل أكثر مما مضى، وأن كل تأخير لهذا الحل يزيد من ضرورته؛ فمنذ نحو عام تقريباً بدأت سلسة تسويات على امتداد واسع من الجغرافيا السورية، تسويات فرضتها ضرورات الواقع بالدرجة الأولى، وبالرغم من أنها لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب، ولن ترتقي في ظل غياب حل سياسي شامل، لكونها بشكلها الذي أُنجزت فيه لا يمكن أن تكون بديلاً عنه، إلا أنها مثّلت موضوعياً نماذج جدّية تؤكد ضرورة انتقال فكرة الحل السياسي على الأرض، كما هي الحال في العاصمة وريفها، وفي حمص التي قطعت شوطاً لا باس به في ظل جملة من التعقيدات، بينما تنفتح مؤخراً هذه الإمكانية في مدينة حلب. هذه التسويات جرت ضمن ظروف داخلية ودولية معقدّة، عملت خلالها الغطرسة الأمريكية على إجهاض كل مسعى للتهدئة وتعطيله، جرت في ظل غياب الحل السياسي الشامل الذي من شأنه، وحده، تحويلها إلى مصالحات حقيقية من شأنها أن تترجم إبداعات وحلول المجتمع السوري في تسيير شؤونه، وخصوصاً في المناطق التي تغيب فيها الدولة، أو يضعف دورها.
ويكتسب الحل السياسي أهمية قصوى في مسألة مواجهة الإرهاب، فهذه المواجهة لم تعد فقط تحتاج إلى وحدة السوريين في مختلف المواقع لضمان نجاعتها، بل باتت تحتاج إلى وحدة شعوب المنطقة التي بات مختلف أرجائها يكتوي بنيران الإرهاب المُصدّر أمريكياً كأداة رئيسية لتنفيذ سياساتها. وكانت العديد من التجارب على الأرض قد أثبتت بنحو قاطع أن المقاومة الشعبية للإرهاب هي الخيار الأنسب في مواجهته، الأمر الذي يعني أن التفاف السوريين على أساس حل الأزمة من شأنه أن يطلق طاقاتهم الهائلة في مكافحة خطر الإرهاب وكنسه نهائياً من البلاد. كل هذه الضرورات، إضافة إلى استحقاق وقف الكارثة الإنسانية التي باتت تهدّد وجود معظم السوريين، باتت تفرض على كل الوطنيين من مختلف المواقع العمل على الانتقال من الصراع العسكري باتجاه السياسي للحفاظ على أرواح السوريين ووحدة بلادهم.