المهمة الأساسية
تتسارع منذ فترة وتيرة الجهود المبذولة لإحياء مسار الحل السياسي في سورية عبر إنعاش مسار (جنيف). وتأتي هذه التحضيرات- التي تشكل مدخلاً هاماً للعودة نحو الحل السياسي- لتعبر عن الجهد الذي يبذله أصدقاء سورية من جهة، ولتعبر من جهة أخرى عن إجمالي الخسائر التي تلقتها «واشنطن» منذ ما بعد «جنيف-2» وبخاصة تعثر كل من أداتها المستحدثة «داعش» و«تحالفها»، إضافة إلى جملة التراجعات والأزمات الاقتصادية التي تعيشها،
الأمر الذي لا يعني دعم «واشنطن» للحل السياسي بقدر ما يعني رضوخها له بهدف العمل على إفشاله من داخله، ودخولها في عملية تكييف أدواتها وتحديثها لتتناسب مع الواقع الجديد، وهو ما ستكون احتمالات نجاحها به منخفضة هذه المرة مقارنة بالجولة السابقة من جنيف.
إنّ سنوات الأزمة الثقيلة أثبتت بدماء السوريين وآلامهم أنّ لا حل عسكرياً للأزمة، باعتراف كل الأطراف اليوم، وأثبتت أنّ تمترس المتشددين بطروحاتهم، أينما كانت مواقعهم، لم يخدم سوى أعداء سورية والشعب السوري، وفي مقدمتهم «واشنطن»، الأمر الذي يضع أمام الجميع مجدداً مهمة الذهاب إلى الحل السياسي الذي يعني فتح الطريق أمام إحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، الذي يضمن حداً أدنى من الوحدة الوطنية مطلوباً للتصدي لمختلف التحديات التي تواجه الشعب السوري، ومن بينها مسألة الإرهاب، إذ أن محاربة الإرهاب والحل السياسي هما خطان سياسيان أساسيان مترابطان ومتوازيان، يدفع أحدهما الآخر إلى الأمام بينما يؤدي فصل هذين المسارين إلى إجهاضهما معاً، وكل على حده.
وإن هذا التغيير المستحق الذي نضجت ظروفه منذ سنوات، لم تنفع محاولات تأجيله وتأخيره المستمرة أحداً سوى أعداء سورية، فسمحت لهم بتكريس تدخلهم غير المباشر وتضخيمه و«تدعيشه»، ما يجعل خطر التقسيم والتفتيت احتمالاً قائماً.
ورغم ما يشكله «جنيف-3» من فرصة للانفراج والتهدئة ولوقف استنزاف الشعب والجيش السوريين، إلّا أنّ هنالك من يحاول إعاقة هذه الفرصة وتضييعها عبر التأخير والمناورات السياسية والتسريبات الإعلامية التي لا يبدو لها أساس من الصحة، وكلّه «أمل» في التملص من الاستحقاق المطلوب. إنّ خطورة هذا العمل تتركز في أنّ إضاعة هذه الفرصة ستقطع خطوة كبيرة إضافية أخرى في إضاعة سورية معها! فتوالي الكوارث في سورية، كان يرتفع تواتراً وحجماً بعد كل فرصة ضائعة جديدة، وحسب المواطن أن يقارن الأوضاع قبل وبعد كل من الفرص الضائعة أو المضيّعة سابقاً مثل: المؤتمر التشاوري في تموز 2011، انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، جنيف-2، وغيرها الكثير.. في كل مرة كانت مساحة الكارثة تمتد وتتعمق، وفي كل مرة كانت تتكرر وعود «الحسم» و«الإسقاط»، والنتيجة هي مزيد من الضعف لكل الأطراف السورية، ومزيد من الدماء والخراب والتهجير والاعتقال والخطف والكوارث بأنواعها المختلفة..
إنّ مساري التعامل مع الأزمة السورية أصبحا واضحين كل الوضوح، فهنالك مسار التخريب والدمار والإرهاب واستمرار القتال الذي تدعمه «واشنطن» وحلفاؤها وهو بطبيعته معادٍ لمصالح الشعب السوري، ومسار الحل السياسي وتوحيد الشعب السوري بوجه الإرهاب وفتح باب التغييرات العميقة المستحقة أمام الشعب السوري وبيده، وهو المسار الذي تدعمه روسيا وحلفاؤها وهو بطبيعته يلاقي مصالح السوريين العميقة. لذلك فإنّ مهمة الوطنيين الأساسية، في أي المواقع كانوا، هي العمل من أجل دفع عجلة الحل السياسي، وسد الذرائع التي تستخدمها مختلف قوى التشدد والإرهاب بأشكالهما.