الرمال السورية المتحركة..!
تستمر المقاومة الشعبية السورية في عين العرب- كوباني بتصديها للهجوم الذي يشنه «داعش» مدججاً بمختلف صنوف الأسلحة، بما فيها الدبابات وفرق القتال الخاصة من «المهاجرين»، والتسهيلات اللوجستية التركية التي وصلت حد التمهيد المدفعي لداعش. ورغم ذلك كلّه فإنّ أسلحة خفيفة ومتوسطة وإرادة
صلبة تعيد الألق للفكرة الصحيحة دائماً- المقاومة الشعبية هي الخيار- وتنتزعها من عالم الشعارات والأفكار لتغرسها بالدماء في أرض الواقع.
إنّ هذه المعركة، وإلى جانب معانيها الرمزية العالية، تشكل بالمعنى السياسي انعطافاً كبيراً وهاماً على مستوى الأزمة السورية، وعلى مستوى الوضع الإقليمي، وقد تصل تأثيراتها لتخدم انعطافاً على المستوى الدولي أيضاً، وذلك تحت تأثير جملة من العوامل، ليكون «ما قبل عين العرب- كوباني ليس كما بعده»:
أولاً، تجذر فكرة المقاومة الشعبية للعناصر الدخيلة والأجنبية، بعد بدء ظهورها في الاحتجاجات الشعبية ضد التكفيريين والوافدين من المسلحين في مختلف المناطق السورية، وصولاً إلى تبلورها إلى حد كبير في معركة عين العرب اليوم، مروراً بمعارك العشائر ضد داعش في دير الزور.
ثانياً، إنّ الارتباك الكبير الذي تتخبط ضمنه مواقف «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، والذي ينعكس بشكل تغييرات مستمرة لا في التكتيكات فقط، بل وفي خيارات هامة أيضاً، إنّ هذا الارتباك يعكس حساسية الميزان الدولي والإقليمي الراهن المرتبط تحديداً اليوم بقضية عين العرب، فعند كل تصريح أو تطور جديد بما يخصها، تعيد مختلف الأطراف رسم الخرائط والخطط مجدداً.
ثالثاً، إنّ في خلفية هذا الارتباك، تضارباً في مصالح الدول الإقليمية الموجودة ضمن الحلف فيما بينها من جهة، وبينها وبين الدول الإقليمية غير الموجودة في هذا التحالف، من جهة أخرى، ناهيك عن التضارب بين القوى الدولية الكبرى، لتبرز حقيقة أنّ الأرض السورية باتت تشكل اليوم رمالاً متحركة، ليس فقط إزاء المواقف والنوايا السياسية فحسب، بل بتهديد أية قوة تتدخل فيها مباشرة بما هو غير وارد في الحسبان، لا على المستوى السوري ولا على المستوى الإقليمي.
رابعاً، إنّ هوامش المناورة والضغط الأمريكي على الحلفاء/ الأتباع بدأت بالتقلص السريع، وذلك تحت ضغط تضارب مصالحهم البينية من جهة، وتداخلها مع الأزمة السورية من جهة أخرى. الأمر الذي يقترب بواشنطن من مفترق طرق بين الخيار الفاشي الذي ما يزال رقم واحد في جميع سياساتها حتى اللحظة بكل ما يحمله من مخاطر عليها وعلى العالم، وبين خيار الحلول السياسية والتوافقات، ويضغط أكثر فأكثر باتجاه هذا الأخير ويعزز احتمالاته رغم كره واشنطن له.
خامساً، إنّ معركة كوباني هي انعطاف كبير، لأن جانباً هاماً من وضع تركيا اللاحق الداخلي والخارجي، يتحدد في سياق هذه المعركة وطريقة تعاطي الحكومة التركية معها، وهذا التعامل حتى اللحظة ينبئ بوضع كارثي لن تتوقف حدوده عند سورية المنكوبة بأزمتها أساساً، بل لتركيا التي ستتأذى فيها حكومة أردوغان والشعب التركي بأكمله، ولو من موقعين متناقضين، بحكم القمع الوحشي للتظاهرات الشعبية المتضامنة مع سورية ومعاناة أبناء عين العرب.
سادساً، وبالنسبة للسوريين، فإنّ انتقال تركيا من حالة العدوان غير المباشر المستمر إلى اليوم إلى العدوان المباشر عبر الدخول التركي العسكري في حال حدوثه سيكون احتلالاً ينبغي على جميع الوطنيين السوريين، أينما كانت مواقعهم واصطفافاتهم السابقة، صده ومواجهته ودحره بكل حزم وإرادة صلبة.
وبهذا المعنى، فإن معركة عين العرب «كوباني» لا تخص المواطنين السوريين الكرد وحدهم، بل هي مسألة وطنية سورية بامتياز، حيث تؤكد تجربة هذه المدينة البطلة والصامدة أمام الحصار منذ أكثر من سنة، أن خيار المقاومة الشعبية هو الخيار الأنسب في مواجهة قوى التكفير والتطرف والإرهاب والعدوان، الأمر الذي يتطلب الإسراع بالحل السياسي بين السوريين، على أساس عملية التغيير الوطني الديمقراطي السلمي الجذري والشامل، التي تفسح المجال للشعب السوري ليقول كلمته في كل ما يخص شؤون بلاده.