معادلة من الدرجة الأولى!

معادلة من الدرجة الأولى!

يتحفنا بعض المتفذلكين هذه الأيام بـ«خنادقهم المشتركة» و«واقعيتهم السياسية» و«تحالفات الضرورة» و«تحالفات السوء» وإلخ، كل ذلك في إطار تبريرهم التدخل العسكري الأمريكي وتعويلهم عليه. ورغم وقائع الحياة العنيدة التي أثبتت مرة بعد مرة عداء واشنطن العميق لشعوب العالم، ومن بينها الشعب السوري، إلا أنّ هنالك من يحتاج إلى إنعاش ذاكرته بوقائع مستجدة وباستمرار:

أولاً، أصبح واضحاً بما فيه الكفاية دور «داعش» ووظيفته في تقديم الذرائع لواشنطن وحلفائها للتدخل العسكري المباشر في المنطقة، سواء في العراق أو في سورية.

ثانياً، لا يستهدف تدخل واشنطن القضاء على داعش، وإنما خلق مستوى جديد من فوضاها «الخلاقة»، وليس أية فوضى، ولكن تلك التي تحمل في طياتها عوامل اشتعالها الدائم وعوامل تمددها مكانياً وامتدادها زمانياً، بما يسمح بالضغط على الخصوم إلى حدّ إنهاكهم، وبالتالي تأجيل مفاعيل ونتائج التوازن الدولي الجديد الذي لم تعد واشنطن فيه القوة المهيمنة الوحيدة، ولم تعد «شرطي العالم». وإنّ النتيجة المباشرة لإرساء التوازن الدولي الجديد هي وضع الولايات المتحدة في موقع يتناسب مع إنتاجها الاقتصادي الحقيقي، مانعاً إياها من الاستمرار في نهب العالم أجمع، وهو ما لا يرضاه رعاة الدولار و«يناضلون» ضده.

ثالثاً، إنّ للصف المقابل لواشنطن وحلفائها، نهجاً مختلفاً تماماً عن النهج الأمريكي، إذ أن روسيا والصين وإيران، وفي إطار دفاعهم عن موقعهم المستحق ضمن ميزان القوى العالمي الجديد، والذي نشهد حالياً عملية إرسائه، وفي إطار دفاعهم عن بلدانهم، يعملون «إطفائيين بدوام كامل» ليلاحقوا النيران التي تشعلها واشنطن في بقاع العالم المختلفة. وإن نهجهم في التعاطي مع الأمور هو النهج السلمي، وعبر الحلول السياسية التي تؤمن استقرار المنطقة وإبعاد الغول الأمريكي عنها بما يضمن سيادة الدول وسلامة أراضيها.

رابعاً، يخطط الأمريكيون الآن، ويعملون، من أجل الطور الثاني من التدخل، الطور الذي يسعون فيه إلى إدخال قوات برية، ويجهزون لهذه الغاية «لحماً رخيصاً» تركياً أو عربياً. وكان أردوغان قد طلب في هذا السياق من برلمانه تفويضاً بتدخل عسكري في سورية، الأمر الذي إن جرى فهو بالتأكيد خارج الشرعية الدولية، وهو عدوان على الأراضي السورية تحت ذريعة مكافحة داعش وستكون انعكاساته من ناحية على التحالف الأمريكي الراهن بزيادة التناقضات بين أطرافه ومكوناته وخلافاتها على تقاسم وحجوم «المكاسب المحتملة» المبنية على من يتدخل وكيف؟! ولكنّ ما سيضعف هذا التحالف أكثر هو حقيقة أنّ أيّة قوة متدخلة في الأرض السورية ستلاقي من يواجهها بالسلاح، ولكن ستلقى على كاهل الشعب السوري ككل، من حيث المبدأ، مهمة «الدفاع عن الوطن في وجه الغزاة أياً كانت راياتهم وشعاراتهم»..  

المعادلة واضحة شديدة البساطة (أمريكا = الإرهاب)، وعليه فإنّ الاصطفاف بين النهجين وبين المعسكرين واضح لدى الوطنيين السوريين، ولكن ذلك على أهميته «شرط لازم غير كاف بحد ذاته»، لأن التطبيق العملي مرتبط بمستوى هذا الاصطفاف وعمقه وتجلياته، ما يعني أن العداء من حيث المبدأ لأمريكا وحده لا يكفي، بل يجب ويمكن أن يدعّم بعدم مداهنتها ومهادنتها على طول الخط.

إن التمسك بالخيار الوطني وبالحل السياسي الجدي وبمكافحة الإرهاب وبشرعية دولية مبنية على التوازن الدولي الجديد، هذه كلها مترادفات لمعنىً واحد، هو الحل الوطني الحقيقي للأزمة السورية القائم على التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل السلمي، الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي.

آخر تعديل على السبت, 04 تشرين1/أكتوير 2014 12:51