«الخندقة» اشتقاق «الفندقة»..!
كان اللافت في العنوان سيئ الذكر لصحيفة الوطن السورية صبيحة بدء الغارات الأمريكية العدوانية على الأراضي السورية من أن «واشنطن وتحالفها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب» هو حجم الاستياء والرفض لدى عموم المتلقين داخل سورية لتلك التخريجة العجائبية التي صدرت عن الصحيفة المذكورة،
وبدا ذلك بأشكال وتعبيرات مختلفة في أحاديث الناس بالشوارع والمكاتب وفي تعليقاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي من ضمن ردود أفعالهم التي كانت تحاول استيعاب ما جرى في فجر 23/9/2104 مع محاولة استجلاء المواقف منه، ولاسيما الرسمية منها، إلى جانب استبيان مواقف مختلف القوى والأطراف داخل سورية وفي المنطقة والعالم، والتي لاتزال قيد التفاعل، والرصد والمتابعة من كل المعنيين بالأمر، بمن فيهم عامة الناس.
عبادة بوظو
في كل الأحوال، وبعيداً عن الخوض في الشق الأخير مما سبق، فالسؤال هو كيف ولماذا أمكن خروج «مانشيت» استفزازي كهذا في صحيفة سورية، خاصة وشبه رسمية بآن معاً، وهي تعلم مسبقاً مخزون الرفض الشعبي للسياسات الأمريكية، سواء تاريخياً أو بحكم دور واشنطن المكشوف في تأجيج الأزمة السورية، بما يعنيه ضمناً وفي مفارقة فاقعة من تحملها لمسؤولية أساسية عن سقوط شهداء سوريين في طول سورية وعرضها ومن بينهم من هم في صفوف الجيش العربي السوري ذاته..؟!
في اللحظات الحرجة
ليست ثمة مبررات..!
هل كانت الصحيفة تجتهد في غير مكان الاجتهاد وزمانه؟ هل يمكن إدراج ذلك في خانة الخطأ المهني أم الخطأ السياسي القاتل؟ أم أن المسألة لم تكن خطاً بالأساس بل إن المقصود عمداً في ظل فوضى المواقف الأولية إحداث صدمة إضافية فوق صدمة نبأ الضربات الأمريكية، لتكون الصدمة مركبة، ولماذا؟
بات بديهياً القول إن الإعلام مسؤولية مهنية وأخلاقية ووطنية وهو مهنة سامية ومهنة المتاعب إلخ.. ولكنه يمثل بالملموس في نهاية المطاف مصالح الجهة المالكة أو الممولة، وهذا يعني أنه هناك من أراد تمرير فكرة «الخندقة» المشتركة مع واشنطن «بالفونت العريض»، على صدر الصفحة الأولى، وليس بسطر عابر في إحدى المواد بالصفحات الداخلية، موحياً بأنه يمكن لواشنطن أن تكون حليفة جادة وصادقة في مكافحة الإرهاب الذي تعاني منه سورية ولكنها، اي واشنطن، تعد مسؤولة رئيسية عنه..!! فهل يعقل ذلك؟ أم أن من تتضرر بعض مصالحه من استمرار الأزمة السورية بات لا يمانع بعقد صفقة مع واشنطن والغرب والخليج حيث مربط ودائعه وعلاقاته التجارية والاقتصادية ويغلف ذلك بزج اسم الجيش العربي السوري، للمتاجرة به في ذاك البازار الذي تتحول فيه واشنطن إلى حليف، ترويجاً؟!!
«فلاش باك»
فقط من ينظر إلى الوطن السوري كمحفظة استثمارية ينظر إلى سورية كفندق. البعض من هؤلاء يغادرونه حين تسوء الخدمة والبعض الآخر يعتبره منشأة سياحية يستجلب إليها أياً يكن طالما سيتواصل عبره در الأرباح عليه، وهؤلاء من كنا نقول عنهم منذ سنوات طويلة إن الوطن في جيوبهم، ونحذر من أنهم لن يمانعوا بعقد صفقة مع واشنطن لضمان استمرار مصالحهم ونفوذهم، وهؤلاء من كانوا يوجهون من خلف الكواليس وأمامها الاقتصاد السوري بالوجهة الليبرالية، الحرة، والمتكيفة، والفضفاضة والفاقدة لدور الدولة، ليكون مرتهناً ومفتوحاً ومكشوفاً لأوروبا وواشنطن وأنقرة ودول الخليج، أي لكل من انقض على سورية عندما انفجرت أزمتها الشاملة التي مهدت لها بشكل أساسي تلك السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية ذاتها، أي أن «الفندقة» المشتركة بالمصالح لدى الفاسدين الكبار في سورية مع تلك الأطراف هي التي تدعو اليوم «للخندقة» المشتركة معها، في الوقت الذي يتشارك «هؤلاء» مع «أولئك» أيضاً في رفض وإعاقة أي حل سياسي جدي للأزمة السورية، على أساس وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية على قاعدة الحوار والانفتاح على الناس ومعالجة قضاياهم المتراكمة والمستجدة بهدف تحقيق الانفراج عبر إحداث التغيير الجذري والشامل والتدريجي والسلمي والديمقراطي المطلوب والمستحق منذ عقود..! وطيلة السنوات الثلاث والنصف من عمر الأزمة اليوم كان «هؤلاء» مع «أولئك» يتبادلون الأدوار، فهؤلاء يرفضون الحوار مع المسلحين السوريين بذريعة أن لا حوار مع القتلة، وأولئك يرفضون الحوار مع النظام تحت الذريعة ذاتها!!
حبل سرة سري آخر
«هؤلاء» ثقبوا الآذان بأن ما يجري «مؤامرة»، وفوقها «أمريكية صهيونية خليجية أردوغانية، وهي فشلت وخلصت»!! و«أولئك» بأنه «ثورة شعبية عارمة وظافرة ستتمكن من إسقاط النظام، إن لم يكن بهذا الأسبوع ففي الأسبوع المقبل»!! لتكون النتيجة كل هذا الدم والقتل والإصابات والدمار والشتات، وظهور التباينات الثانوية، وخروج مناطق ومحافظات بأكملها عن سيطرة الدولة، ثم ليأتي «هؤلاء» ليقولوا بالتحالف مع واشنطن وكأنها بريئة من سفك الدم السوري وليست من القتلة، ويأتي «أولئك» تحت يافطة استهداف الإرهابيين القتلة، الذين سهلوا ظهورهم ونموهم وتمددهم، لينفذوا فقط ما أرادوه من اليوم الأول من الانقضاض العسكري العدواني المباشر على الدولة السورية، وتكريس ربطها بمحورهم الغربي، أقله بخصوص عملية إعادة الإعمار اللاحق!! وهذا حبل سرة سري آخر بين الفاسدين في داخل جهاز الدولة وخارجه وبين واشنطن والمؤسسات الدولية العاملة بأمرتها، أي أن من كرس «الدردرية» في الاقتصاد السوري، منذ ما قبل وصول المذكور إلى منصبه، أي منذ سن قوانين الاستثمار الجائرة والتمييزية في أوائل تسعينييات القرن الماضي، وصولاً إلى النسخة الدردرية الجديدة خلال الأزمة عبر التعاطي الحكومي وشبه الحكومي مع «الأسكوا» ومشاريعها، إنما يريد الاستحواذ على القرار السياسي العسكري في سورية بعد استيلائه إلى حد كبير جداً على القرار الاقتصادي.
«تزويم» الصورة
إن المعركة قائمة حقاً مع «فندق» الفساد الكبير وواشنطن وأدواتها وحلفائها وأزلامها من الفاشيين الجدد.
وفي هذه المعركة فإن الشعب والجيش، بوصفه جزءاً من الشعب وضامناً للوحدة الوطنية، هما من يقفان في خندق واحد..! وإن هذا الخندق هو ما يجب تعميقه وتدعيمه وحمايته، لأن المعركة لا تزال مفتوحة ويحاول الأمريكي مستميتاً الانتقال بها إلى إحداثيات جديدة تعود بها إلى المربع الأول لتدخله العسكري المباشر المنشود منذ اليوم الأول لانفجار الأزمة السورية.
وإلى جانب فقراء الشعب والجيش، فإن هذا الخندق هو الذي كان يضم، إعلامياً حتى ما قبل «مانشيت» الصحيفة المذكورة، ولايزال فعلياً بالممارسة إلى الآن، كل الحلفاء الحقيقيين لسورية، الذين كانوا يقدمون كل أوجه الدعم والإسناد، وفي مقدمتها السياسي والاقتصادي، لاستمرار الدولة السورية أولاً، قبل أي شيء آخر، ولكن قوى الفساد الكبرى داخل جهاز الدولة وخارجه هي من كانت تعيق، حماية لمصالحها الضيقة بالدرجة الأولى، كل موجبات تثبيت العلاقة التكافؤية مع الحلفاء، بالمعنى الاقتصادي لتكون معبرة عن طبيعة المعركة والاصطفافات السياسية الواضحة إقليمياً ودولياً فيها، والتي تمت صياغتها في حينه بشعار «التوجه شرقاً»، لكن تلك القوى كانت ولاتزال تريد العوم سياسياً على ذاك التحالف، شريطة أن تبقى «أكروباتياً» تسير على حبال مصالحها الاقتصادية- التجارية المرتبطة تاريخياً مع الغرب، لترى اليوم في إعادة واشنطن لخلط الأوراق فرصة لنقل التحالف معها من الشق الاقتصادي إلى السياسي، وهو التوجه الذي لن يكمل إبصار النور، بحكم موقع سورية وطبيعة المعركة والخيارات البديهية عند عموم السوريين.