التدخل العدواني الأمريكي يصاعد الأزمة.. لا يحلها..!
لا يجادل كثيرون اليوم في حقيقة عدم جدية الأمريكيين في مكافحة الإرهاب، ولا يجادلون بأن أي عمل عسكري أمريكي هو عدواني بالمبدأ والمنتهى وهو الشكل الأنسب من منظور واشنطن للإبقاء على الإرهاب عملياً، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي المولّد والداعم والمسهّل الأساسي للإرهاب وظهوره وتمدده في العالم بحكم وقائع الحياة والتاريخ، ليس أقله الذاكرة القريبة للبشرية منذ زمن ظهور القاعدة وطالبان في أفغانستان بثمانينيات القرن الماضي.
وبتحليل هذه الحقائق والمعطيات يتبين أن الإدارات الأمريكية كانت ولاتزال «تخترع» الإرهاب بصيغة أداة مولّدة للأشكال الجديدة للحروب البديلة المطلوبة عن الصدامات مرتفعة الشدة أو الحروب العالمية الكبرى بوصفها المتنفس الرئيس لأزمات البنية الرأسمالية.
وعليه، في ظل الأزمة الحالية الكبرى لواشنطن والتي قد تكون نهائية، فإن هذه الأشكال «التنفيسية» المصغرة ستتسع بأمديتها وعمقها لأبعد الحدود، قبل ان تستنفد مداها الزمني ووظيفتها الموكلة.
ولكن بانتظار ذلك فإن «الفأس تواصل ضربها للرأس»، ويبقى ضحايا الحروب الأمريكية الخلّبية على الإرهاب ضحايا الإرهاب وصانعيه أسرى سؤال كبير حول ما العمل إزاء ذلك كله؟
والجواب أنه إذا كان الأمريكيون يستخدمون ثنائية تصنيع الإرهاب ومكافحته المزعومة لتنفيس أزمتهم، فإن دخولهم العسكري على خط الأزمات المتفاقمة على وقع الإرهاب، يقوم فقط بتوتير هذه الأزمات وتصاعدها ولا يقوم بحلها على الإطلاق. وبالتالي فإن المطلوب هو السير باتجاه معاكس لخطا الأمريكيين، أي الانتقال إلى ملعب آخر وإحداثيات أخرى غير الإحداثيات المفروضة أمريكياً.
هنا، وفي ضوء التحولات والاستقطابات الجارية في المشهدين الدولي والإقليمي، بما فيه حول مسألة الأزمة السورية وسبل حلها، ينبغي التفريق بين حالتين، أولاهما أنه ثمة أطراف «مضطرة» لمساندة واشنطن والسير في ركاب سياساتها بوصفها مأزومة مثلها، وبين أطراف أقل تأثراً نسبياً بالأزمة الأمريكية، وهي بالتالي غير مضطرة للحاق بركب تلك السياسات، بل تتبع سياسات مضادة لحماية مصالحها أولاً، ولاحتواء تجليات الأزمة الشاملة عليها. وبالتالي فإن المكان الطبيعي لمن يعانون من أزمات لها طابع محلي بامتدادات وتداخلات إقليمية ودولية واسعة هو في خط من يطفئ النيران الأمريكية ويسعى لمنعها مسبقاً..!
وإن من أول متطلبات السير بعكس الرغبات والخطط الأمريكية ومن أهم أدوات المنع ووسائل الإطفاء هو التوجه للحلول السياسية للأزمات المحلية الداخلية، كل بخصوصياتها ومتطلباتها وشروطها. وهذا ما يعني حيال الوضع السوري اعتماد الحل السياسي الشامل والجذري والحقيقي والجاد بوصفه أحد أهم وسائل وأطر ومناخات تحقيق مكافحة جدية وحقيقية وناجزة للإرهاب «الداعشي» و«النصروي» وأقرانه، يمر ضمناً عبر قيام إطار دولي إقليمي موسع ومتوازن، ليس تحت القيادة الأمريكية، ويضم روسيا والصين وإيران، ومبني أساساً على التعاون بين سورية والعراق، المستهدفين بجرائم هذه التنظيمات الإرهابية.
ويرتدي هذا الموضوع أهمية خاصة لأن هذا الحل هو الكفيل بفتح آفاق التغيير المنشود والمستحق لدى السوريين، لأن أحد أهم أهداف وأساليب واشنطن في عدم اتباع مكافحة جدية للإرهاب هو تحويل الرفض الشعبي لداعش وأشباهه إلى بيئة حاضنة داعمة لهذه التنظيمات، بالاستناد إلى توظيف موروث انعدام الثقة شعبياً بالأمريكي ومناهضة مخططاته. أي تحويل الأداة الإرهابية الأمريكية ذاتها إلى ضحية شكلية بأذهان العامة، المنغلقة في وجوههم، بالوقت ذاته، أبواب البدائل الحقيقية، وهم الرازحون تحت وطأة القصف والخطف والفقر والغلاء والاعتقال والترحال إلى المجهول بأشكال متعددة ومن مصادر متعددة.
إن واشنطن تريد اليوم أخذ المنطقة بالجملة والمفرق إلى نفق أكثر ظلمة يمتد عقوداً تعينها في تأجيل احتضارها الأخير كـ«رقم1» في العالم، وإن مهمة الوطنيين أينما كانت مواقعهم هي الخروج من هذا النفق، بتحديد كل أسباب الدخول إليه لتحديد وتطبيق سبل الخلاص.