«داعش» و«البطل الأمريكي»!!
شهد الشهر الماضي توسعاً إضافياً لتنظيم «داعش»، ترافق مع جملة من المذابح والفظائع بحق الشعب والجيش العربي السوري، الأمر الذي يستوجب الوقوف مجدداً عند طبيعة الخطر الذي يشكله هذا التنظيم والخروج باستنتاجات واقعية حول سبل مواجهته وإنهائه..
إذا كان الصدام العسكري المباشر مع «داعش» وسيلة ضرورية ولا بد منها في سياق مواجهته، فإنّ الوقوف عند هذا الحد لن يسمح بتطويقه وإنهائه. فهذا التنظيم الإرهابي هو اليوم أداة أساسية في عملية التدخل الخارجي الأمريكي- الصهيوني غير المباشر، وإن تجميع الناس في مواجهته يحتاج إلى تبيان هذه الحقيقة والتركيز عليها عبر العمل في خطين متوازيين:
أولاً، التوقف نهائياً عن الهذر القائل بإمكانية قيام تقارب أمريكي/ غربي مع النظام في سياق محاربة «داعش»، والتوقف عن الكلام غير المسؤول الذي يستخدم إشارات وتصريحات يلقيها الأمريكيون عمداً حول تقارب من هذا النوع، باعتبارها إشارات نحو «الانتصار» و«الحسم». لأنّ كلاماً من هذا النوع، عدا عن كونه تضليلاً مباشراً، فإنّه يحمل مخاطر إبعاد العدو الأساسي الأمريكي- الصهيوني إلى الظل، وإبداله عدواً ثانوياً، لا يقل خطورة وإجراماً، هو الخطر التكفيري، الذي يشكل في المبدأ والمنتهى، أداةً في يد الأول ليس إلا. وإن هذا الطرح يحمل في طياته مخاطر تعميق صدوع الوحدة الوطنية على أسس طائفية يجري اشتقاقها من «الصراع ضد التكفيريين» باعتبارهم العدو الأول وباعتبارهم «منفصلين عن الغرب وعن الولايات المتحدة». وعلاوة على ذلك، والأهم ربما، هو أن آمر العمليات الذي أعطى الأمر بالتوسع السريع لداعش يعلم تماماً خطورة هذا التوسع على داعش نفسها، ويعلم أن بعده تراجعاً حتمياً، وبما أنه لن يهدي «نصراً جزئياً» كهذا لأي من الأنظمة في المنطقة، فإنه يمهد لدخول أمريكي عسكري من البوابة العراقية على الطريقة الأفغانية، حيث تقصف الطائرات ما تريد، الأمر الذي من الممكن أن يضعف داعش عسكرياً، ولكنه سيقويه وحتى يلمع صورته بأذهان العامة كونه بات مستهدفاً أمريكياً كما كانت الحال مع مواجهة واشنطن لتنظيم القاعدة في أفغانستان، حيث تجذرت الحركة مقابل انحدار شعبية ونفوذ من تحالف من الأفغان مع الأمريكي عسكرياً، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ الطائرات دون طيار يمكن أن تتطور لتصبح مدخلاً نحو تدخل عسكري مباشر. وحتى إن لم تتطور الأمور نحو إنزال قوات، فإن دخولاً أمريكياً عبر الطائرات سيسمح لواشنطن بالعودة إلى المنطقة لا بصفتها راعياً لأحد الأطراف المتصارعة ولكن بصفتها محارباً للإرهاب، ما يخلي مسؤوليتها عن توليده، ويعزز موقعها السياسي.
ثانياً، الاستناد جدياً إلى عدم وجود حاضنة شعبية لهذا التنظيم، فطبيعة العمل العسكري العصاباتي الذي يمارسه «داعش» يجعل من الناس العاديين قوة أساسية في مواجهته، ولكنّ هذه القوة لا يمكن تفعيلها إلا بتحقيق جملة من الشروط، على رأسها توحيد جهود الشعب السوري، معارضة وموالاة، جيشاً وشعباً، عبر الطريق الوحيد المستند إلى ترميم تشققات الوحدة الوطنية بفتح أفق التغيير الحقيقي أمام الناس، وعبر السعي الجاد لقيام حل سياسي حقيقي يضمن وجود غطاء دولي- إقليمي لتصفية «داعش» تتضافر فيه جهود شعوب المنطقة وحكوماتها.
إنّ التصدي لداعش من منظور الوطنية السورية، وليس من وجهات النظر السياسية الضيقة (موالاة أو معارضة)، يعني بالضرورة عدم تجاهل المشكلات القائمة، على اعتبار أنها تشكل الصدوع والتشققات التي يتسرب منها هذا التنظيم الإرهابي التكفيري وأمثاله، مما يعني ضرورة تسريع حل الأزمات المتراكمة وبناء جسور الثقة بين جميع السوريين، باعتبار هذه الجسور طريقاً وحيداً لإنهاء هذه الظاهرة التي تهدد الشعب السوري كلّه وبكامل وجوده ومستقبله.