من (الدردري) إلى (الدردرية الجديدة)!

من (الدردري) إلى (الدردرية الجديدة)!

(لقد وصلنا إلى مراحل متقدمة، فحتى عام 2010 قمنا بتحرير الميزان التجاري وسوق القطع الأجنبي بشكل كامل وحساب رأس المال جزئياً)!! عبدالله الدردي كبير اقتصاديي الأسكوا من على منبر مركز (عصام فارس للشؤون اللبنانية) في بيروت 12/8/2013. هكذا رأى الرجل السياسات التي نفذها عندما شغل موقع النائب الاقتصادي في الحكومة السورية التي ترأسها محمد ناجي العطري منذ عام 2005 حتى انفجار الأزمة في عام 2011.

كان الإجماع الأخير بين الغالبية العظمى من السوريين ابتداءً من المواطنين البسطاء وصولاً إلى كبار المسؤولين في الدولة والنظام هو أن السياسات التي يزهو فيها الرجل كانت سبباً رئيسياً في الأزمة التي ضربت البلاد، حيث وصلت معدلات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار والفساد وتراجع الإنتاج الحقيقي وتركز الثروة بأيدي القلة وسيطرة رأس المال الأجنبي على السوق المحلية معدلات غير مسبوقة. وربما هذا ما قال عنه الدردري في منبر آخر أنه "نقطة اللاعودة"، فبعدها إنقلب المشهد بشكل دراماتيكي وانفجرت الأزمة وانقسم الجميع على كل شيء. 

سياسات مدمرة دون حسيب!

لم ينته مشروع "الدردري" بقرار إقالته دون أي محاسبة، فما أرساه من سياسات اللبرلة والتحرير فعلت فعلها لأقصى حد ممكن، فكانت سياسة تحرير الميزان التجاري هي أدات الغرب الرئيسية التي جعلت الحصار موغل الأثر في الاقتصاد السوري مثلما كانت سياسات تحرير القطع الأجنبي بوابة قطر ودول الخليج وتجار الصيرفة للمضاربة بالليرة السورية والتي لاقتها سياسات المصرف المركزي ذات العقلية الدردرية بالتفريط باحتياطي العملات الأجنبية، تعب السوريين الذي راكموه لعقود. كما هربت مئات المليارات من ودائع السوريين في المصارف السورية من بوابة "تحرير حساب رأس المال" لتُنمّي الخارج على حساب السوريين. 

وبلغت وقاحة الرجل ذروتها حين اعتبر أن الأزمة السورية بما جلبته من دمار وشلل اقتصادي لم تبق للدولة إلا خيار الاقتراض من المؤسسات الدولية لتأمين احتياجاتها في المرحلة القادمة، هكذا حاول الدردري من موقعه كخبير في مؤسسة الأسكوا الدولية أن يقتنص فرصة الأزمة لاستمرار مشروعه، وهو ما يمكن تأويله بعبارة أخرى "أن الأزمة كانت ضرورة مصممة لتحويل اقتصاد سورية لتابع للمؤسسات الدولية بشكل كلي"!. 

يَدُ قوى رأس المال هي العليا!

شحذت عندها أقلام الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، الفاسدة منها والنظيفة نسبياً لتهاجم الدردري، فها قد بانت "المؤامرة"، دون أن تسأل السؤال البسيط: لماذا لم يُحاسب الرجل أو أي من فريقه؟! ولماذا لم تخرج الحكومات اللاحقة بوثيقة واضحة لتقييم مرحلته بكل مفرداتها وسياساتها أو بخلاصة حاسمة حول القطيعة مع تلك السياسات؟! ربما لأن الدردري أجاب قبل ذلك بعدة أعوام حينما كان يصول ويجول في منصبه تواجهه بعض المقاومات فقط كنقابات العمال التي قال على منبرها في أواخر عهده: "لماذا تهاجمونني فأنا أطبق اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أقره مؤتمر حزب البعث وفقاً للخطة الخمسية العاشرة"!! 

كان الدردري يختبئ بهذا القول خلف القيادة، لكنه أكثر العارفين بأن القضية باتت أكبر من حزب واحد ومؤتمره وقيادته التي تواجد بها من عارض سياساته وإن بالحدود الدنيا. وإن ما لم يعترف به كثيرون حتى اللحظة أن الدردري لم ولن يكون فرداً نكرة في حكومة يتيمة، فهو ابن منظومة متكاملة وصاحب مشروع يمثل مصلحة محددة وواضحة، سواءً كان شغله لمنصب نائب اقتصادي مدبراً أم قسرياً أم عن "خطأ" غير مقصود. فالرجل لا يمثل نفسه وحسب، وهو تقاطع لمصحلة فئات اجتماعية داخلية وخارجية. فما البرنامج الذي سيحفظ مصلحة قوى الفساد الكبير وأصحاب النفوذ المتضخم ومحدثي النعمة "البرجوزاية البيروقراطية" وكبار حيتان المال والتجارة المرتبطين تاريخياً بالاستيراد من الغرب "البرجوازية الكومبرادورية" والمستثمرون الأجانب العابرين للقوميات والذين باتت قواهم تهيمن على معظم مفاصل القرار في الدولة؟ أليس هو برنامج ومشروع "الدردري" الذي حمل اسم "اقتصاد السوق الاجتماعي"!.

(نيو دارداريزم) 

أي "الدردرية الجديدة" إن صح التعبير، وهي كمشروع الدردري الأسبق المستمر، رغم بعض ما جرى من محاولات تغييره، تمثل ذات المصالح لشرائح رأس المال في وجه مصلحة فقراء ومهمشي سورية الذين تضاعفوا مع الأزمة عدة مرات ولذلك أُريد لها ولوج المجتمع السوري بطريقة أذكى من التي أدخل بها مشروع "الدردري" سابقاً. 

بالإمكان القول أن ما تنفذه الحكومة الحالية من سياسات ترسمها الشرائح السابقة، شكلاً ومضموناً ما هو إلا تجسيد "الدردرية الجديدة" القائم على تبرؤها من سياسات الدردري والهجوم عليه لفظاً وتنفيذها لبرنامجه بشكل متسارع وموسع فعلاً، ما يجعل منها مدانة بنفس عبارات الإدانة التي روجها رجالات الدولة عن الدردري في بداية الأزمة، بل ربما أقسى من ذلك حيث يجب فتح التساؤل حول صلاحية النظام المحافظ على مصلحة قوى رأس المال المهيمنة بوجه فئات الشعب الأخرى. 

إن سلوك الحكومة الحالية لتمرير "الدردرية الجديدة" لم يقم باصطناع "إدانة" الدردري فقط، بل قام في مراحل لاحقة بالتلويح به كورقة ممكنة، حيث التقى الرجل بكبار المسؤولين السوريين، كما أقام مركز الأسكوا الذي يديره مؤتمرات عدة "لإعادة إعمار سورية" حضرها ممثلون عن الحكومة وغرفة التجارة الذين استنفروا لـ"تقاسم الكعكة". فهكذا تدير الحكومة الحالية عملية تنفيذ واسع (للبرلة/الدردرية الجديدة/الدردري سابقاً/اقتصاد السوق الاجتماعي فكلها مترادفات لنفس المضمون)، حيث تسعى الحكومة لإظهار الدردري بمظهر النقيض لسياساتها فتخرج علينا بمظهر المخلص رغم تنفيذها لذات السياسات. 

إخفاء عيوب النظام

إن التناقض الشكلي الثانوي المتجلي بـ"الحكومة الحالية-الدردري سابقاً" يسمح بإخفاء التناقض الرئيسي في المجتمع بين "فقراء الشعب –منظومة النهب" وبذلك يتم تضليل الشعب الذي ينبغي له أن يهرب من فزاعة الدردري، التي علق عليها مسؤولو الدولة كل الآثام فتظهر قوى رأس المال والمتنفذون والحكومة الحالية بمظهر البرئ، إلى حضن سياسات الحكومة الحالية المتمثلة برفع الدعم عن الخبز والمحروقات والفصل التعسفي للعمال وخصخصة المرافق السيادية واستمرار هدر الاحتياطي!!. 

وفي هذا السياق ليس صدفة أو بريئاً كثرٌ ممن يهاجمون الدردري ويدافعون عن اقتصاد السوق الاجتماعي تحت الحجة الساذجة: "أن الدردري كان منفذاً سيئاً لبرنامج جيد"! فهي إحدى أدوات تمرير مشروع "الدردرية الجديدة"، فهي تحاول تجميل أزمة كامل النظام الاقتصادي الاجتماعي والسياسي.  وللمفارقة إن الدردري نفسه بات من المنقلبين على سياساته وإن لفظياً، فسياسات حقبته التي أدت إلى تراجع كبير في الزراعة ما أثر على الأمن الغذائي وخلق ملايين المهمشين والتي خصخصت القطاع العام وفرطت بالعديد من القطاعات السيادية والتي أعطت المستمثر الأجنبي كل المميزات على حساب عمال وأبناء سورية يراها الدردري بصورة مختلفة في لقائه بتاريخ 10/3/2014 على قناة CNBC عربية في برنامج "اليوم في ساعة" حيث يسهب الدردري فيه قائلاً:"إن القطاع العام منع الاقتصاد السوري من الانهيار..وإن الاستثمار بالزراعة يحل جزءاً كبيراً من المشكلة.. وإن سورية سيبنيها السوريون.. والمال السوري له الأولوية.. وابداعات المواطن السوري في البقاء!!..