الهدنة تتعثر مخيم اليرموك... من الجوع إلى الأوبئة
بعد وفاة العشرات نتيجة الجوع الناجم عن الحصار المفروض على مخيم اليرموك منذ حوالي العام، «الوضع اليوم لا يدعو للقلق من هذا الجانب، فالمعونات الموجودة في الداخل قادرة على ابقاء سكان المخيم على قيد الحياة حوالي 9 أشهر، في حين مازالت المساعدات الإنسانية توزع على الأهالي حتى اليوم».
كن للوفاة في مخيم اليرموك أشكال أخرى، حيث أكد أبو خالد، أحد المشاركين في لجنة المصالحة في المخيم، أن «الوضع الصحي اليوم يهدد بكارثة، حيث انتشرت الأوبئة والأمراض المعدية بشكل مفاجئ نتيجة تجمع القمامة وعدم توافر الشروط الصحية للتغذية والعلاج».
وتابع أبو خالد (أمراض التيفوئيد والحمى المالطية واليرقان تنتشر بسرعة، ولا توجد أدوية أو اهتمام صحي لمكافحة هذه الأوبئة التي قد تؤدي للموت في حال عدم مكافحتها) مشيراً إلى أن (الهلال الأحمر في المخيم يشتكي من شح الأدوية واحتكارها بأسعار خيالية من قادة المجموعات المسلحة، في حين بقيت المشافي عاجزة عن العمل نهائياً في هذه الظروف).
أوبئة وشح أدوية وشروط غير صحية
وبحسب «أبو خالد»، فقد (أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مخيم اليرموك أن عدد الحالات المصابة بحمى التيفوئيد فاقت 100 حالة موثقة مخبرياً خلال الأربعين يوماً الماضية، وهناك حالات سريرية تحتاج إلى متابعة).
وأكد أبو خالد أن هذه الأوبئة انتشرت نتيجة (عدم توافر الشروط الصحية الملائمة للتغذية، إضافة إلى انتشار القمامة والفضلات وصعوبة التخلص منها إلى خارج المخيم)، مشيراً إلى أنه (يمكن تنظيف أحياء معينة، وإخراج فضلاتها بعيداً عنها، لكنها تبقى بالنهاية في المخيم».
ونقل أبو خالد عمن وصفهم بأطباء داخل المخيم قولهم أنهم ( يستقبلون يومياً من 10 إلى 15 حالة مصابة بالتيفوئيد الناتج عن سوء التغذية، وإنه نتيجة هذا الوباء قد تنتشر العديد من الأمراض السارية و أبرزها السل).
وعمد أهالي المخيم إلى زراعة نبتة الملوخية، وأكد أبو خالد نجاح التجربة، مضيفاً أنه (لا يتواجد حالياً في المخيم سوى الرز والعدس والبرغل، وسط انتشار جيد للكوسى والملوخية بأسعار مقبولة «الكوسا 50 ليرة - الملوخية 100 ليرة غير مقطوفة»، وذلك نتيجة زراعتها في المخيم وجلبها من مدينة يلدا».
انخفضت الأسعار وبقيت مرتفعة
أسعار المواد الغذائية في المخيم وصلت حدوداً غير معقولة سابقاً، إلا أنها عاودت الانخفاض لتبقى أيضاً غير معقولة بالنسبة لسعرها في الخارج، حيث بلغ سعر كيلو الرز 5000 ليرة، والدخان 1500 للباكيت إن وجد، والسكر حوالي 5000 ليرة أيضاً، علماً أن هذه الاسعار كانت أعلى بكثير.
انخفاض الأسعار هذا عزاه أحد السكان مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، لضعف القدرة الشرائية للسكان وقلة القطع النقدية، حيث انعدمت دورة العملة تقريباً، بعد أن قام تجار بإدخال المواد للمخيم مقابل مبالغ مالية، وقاموا بإخراج هذه المبالغ خارج المخيم دون عودتها، عدا عن دخول المساعدات الغذائية، مشيراً إلى أن «المتحكمين ببيع المواد وأسعارها هم قادة الجماعات المسلحة، وهذه إحدى الأمور التي لا تدفعهم لقبول أي حل يحيد المخيم».
وتابع «تم إدخال حوالي 32 ألف و400 سلة غذائية حتى يوم الخميس 17/7/2014 منذ بداية إدخال المعونات قبل 7 أو 6 أشهر تقريباً، وحالياً تكفي المعونات لحوالي 9 أشهر قادمة ولا خوف من مجاعة، بل الخوف حالياً من الأوبئة والأمراض».
وأردف «لا يوجد كهرباء، والمحروقات اختفت نهائياً، ولا يمكن الاستفادة من مياه الشرب لعدم وجود كهرباء، أو المحروقات التي تشغل المولدات لرفعها إلى الطوابق العلوية» مشيراً إلى أن «المياه تصل المخيم ساعتين في اليوم أو لا تصل أبداً لأسبوع».
الجميع يريد الحل .. أين الخلل؟
أهالي مخيم اليرموك في الخارج، يتنظرون أخبار حل أزمته يومياً، ويتابعون تطور المبادرة الأخيرة لحظة بلحظة على حد تعبير أحدهم، لكن «عرضاً مسلحاً قامت به بعض الفصائل المسلحة مؤخراً قد ينسف أي جهود لتحييد مخيم اليرموك ويعيده إلى المربع الأول» على حد رأيه.
بحسب أبو خالد وهو عضو في لجنة المصالحة (تقدّم حوالي 250 شخصاً بطلبات لتسوية أوضاعهم، إلا أن المبادرة اليوم في مرحلة جمود نتيجة عرقلتها من قبل ما يسمى جبهة النصرة، فهم لا يريدون تسوية أوضاع مسلحيهم ويعارضون التهدئة والخروج من المخيم، نتيجة استفادتهم اقتصادياً من بيع المواد الغذائية، ما أدى لانشقاق بعض عناصرهم والالتحاق بـ «الدولة الاسلامية - داعش سابقاً»).
وحول الوضع الميداني في مخيم اليرموك، وما آلت إليه المبادرة الأخيرة وأين تقف حالياً، قال مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سورية وعضو اللجنة المركزية، عمر مراد، وهو عضو في لجنة المصالحة «إن شعبنا داخل مخيم اليرموك، وحتى المتورطين منهم أو الذين غرر بهم، اكتشفوا بعد طول الأزمة، أن قضية مخيم اليرموك يجب أن تُحل، ومعظم المسلحين مع الحل والتسوية، والدولة السورية وفق استراتيجيتها الوطنية بموضوع المصالحات لديها إرادة للحل، ونحن كفلسطينيين في منظمة التحرير نريد حلاً، لكن أين الخلل؟).
وتابع مراد (واجهنا في إحدى الفترات مشكلة لها علاقة بالصعوبات في الحصول على بنود تسوية وحل يرضي جميع الأطراف، كنا نشعر أننا نريد شيئاً من الدولة السورية تقبله الجماعات المسلحة، وبذات الوقت نريد من المسلحين بنوداً توافق عليها الدولة السورية والفصائل الفلسطينية أيضاً).
وأشار إلى أن (الفريق السوري المعني بمتابعة حل قضية مخيم اليرموك أصبح متفهماً أكثر لتعقيداتها، وأبدى مرونة مريحة جداً، وانحصرت المشكلة الآن في الداخل) مضيفاً (هناك حوالي 90% من المسلحين يريدون حل والأهالي والفصائل الفلسطينية والإرادة الفلسطينية تريد حلاً، لكن المشكلة عند الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وجزء من قادة المجموعات الذين أصبحوا مع داعش).
بضع عشرات
يحتكرون القرار ويعرقلون
(نتيجة وجودنا في لجنة المصالحة، لمسنا وجود عناصر لدى هذه المجموعات بنسبة كبيرة تريد الحل وهؤلاء يشكلون هيكل النصرة وداعش والجبهة الإسلامية، لكن المستفيدين من هذه المجموعات والمتنفذين فيها هم من يتحكم بالأمور والقرارات) بحسب مراد، الذي أكد أن (المعطل الرئيسي في المخيم هم المتشددون من هذه الجماعات وهم العقبة، وحجمهم قليل جداً فهم بضع عشرات، ورفضهم للحل نابع من أنهم لا يريدون فتح معارك مع بعضهم «قادة تنظيماتهم خارج المخيم» بمعنى أن تقبل النصرة في المخيم التسوية والحل وقادة التنظيم في الخارج ترفضها).
وأضاف (الضغط الشعبي للحل، دفع النصرة والجبهة الإسلامية لممارسة سلطتيهما بإرهاب الناس عبر التصفية والاعتقال والخطف، هذا وقد حاولوا اغتيال قادة مجموعات مؤيدين للتهدئة) مؤكداً على (وجود حركة دائمة داخل المخيم باتجاه تعزيز روح المصالحة، وهناك العشرات التحقوا بخدمة العلم منذ حوالي الشهر، وعشرات المسلحين قاموا بتسوية أوضاعهم).
الحل بالسيطرة من الداخل
ونوه مراد إلى أن (حل قضية مخيم اليرموك لن يكون تاماً 100% ما دامت الأزمة دائرة في سورية، فالحديث اليوم عن حل نسبي فيه حياة شبه طبيعية، وهو قريب، ومن الممكن كفصائل فلسطينية أن نطلب من الدولة السورية فتح أبواب المخيم للأهالي وبهذا نكون سيطرنا على المخيم من الداخل، بحيث يترك الموضوع للأهالي لإخراج المتشددين المعيقين للحل، وبتقديري، هم قادرون على ذلك، لأن هؤلاء المتشددين منهكون في الحقيقة وقد يطلبوا تسوية أوضاعهم إن حصل ذلك».
وقامت ما يسمى «جبهة النصرة) مؤخراً بإطلاق النار على25 مسلحاً عند مدخل مخيم اليرموك، أرادوا تسوية أوضاعهم في مبنى البلدية تنفيذاً لاتفاقية تحييد المخيم، ما أدى لإصابة عدد منهم ووصول ثمانية منهم فقط إلى المبنى، علماً أنهم حصلوا على موافقة ما يسمى «الهيئة الشرعية» قبل خروجهم كي لا تعتبرهم قياداتهم «مرتدين»، وبعض الأهالي دعموهم في قرارهم لأنهم يريدون إنهاء حالة الحصار التي أودت بحياة ما يزيد عن 145 قتيلاً بسبب الجوع.
نداء.. هناك مخيمات أخرى
ووجه مراد نداء للدولة السورية (كونها استعادت الكثير من المناطق بنضالات الجيش السوري)، قائلاً إنه (في الشأن الفلسطيني، لدينا تجمعات فلسطينية في السبينة والحسينية، استعادها الجيش السوري منذ حوالي العام لكن سكانها مازالوا نازحين).
وأضاف (لم يُطلب من أهالي هذه التجمعات العودة إلى منازلهم)، ووجه مراد (نداء لتأمين عودة اللاجئين الى منازلهم) واصفاً أن في ذلك (مصلحة وطنية وعربية سورية بامتياز بكافة المعاني، التي تريد تخفيف المعاناة)٫