ويسألونك عن «وثائق ويكيليكس»؟

ويسألونك عن «وثائق ويكيليكس»؟

مثلما لم نصدق يوماً أن هدم «البرجين» في نيويورك هو من صنع «تنظيم القاعدة»، والذي ترعرع وقوي عوده- قبل وبعد البرجين- في كنف دوائر الاستخبارات الأمريكية والغربية والرجعية العربية، كذلك لا يمكن إلا النظر بعين الشك والريبة مسألة التصديق بأن موقع «ويكيليكس» الإلكتروني قادر على الحصول، ونشر ملايين الوثائق التي يزعمون أنها سرية، دون قوى مهيمنة في دوائر اتخاذ القرار في الولايات المتحدة والحركة الصهيونية العالمية، طمعاً بتحقيق أهداف استراتيجية- عدوانية ضد شعوب العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقتنا..

 

وفي ظل الحرب الإعلامية والنفسية التي تسوغ الحروب الأمريكية وخلق بؤر التوتر ومخططات التفتيت المتنقلة من أفغانستان وآسيا الوسطى والقفقاس وباكستان إلى العراق والخليج العربي واليمن والسودان والصومال إلى بلاد الشام، تحاول القوى الخفية خلق صدمة جديدة لشعوب تلك المناطق عبر الفضاء الإلكتروني المتحكم به من جانب بضع دول كبرى لا تتجاوز أصابع اليدين.

ولعل الهدف الأكبر من نشر الوثائق على موقع «ويكيليكس» هو التلهي والانشغال بما جاء في تلك الوثائق من وقائع ومواقف معظم قيادات ورموز النظام الرسمي العربي وارتباطهم بأولياء نعمتهم خلف البحار ودوائر الاستخبارات فيها، بحيث تبدو هذه «المعلومات والمعطيات» وكأنها جديدة ولم يسبق لشعوب هذه المنطقة أن عرفتها أو توقعتها من الدوائر التي حكمت شعوبنا بالحديد والنار وعبر الاستقواء بالأجنبي في كل شيء.

إن هكذا سلوك أمريكي- صهيوني- ماسوني مع أنظمة تابعة، يشير إلى أن واشنطن وتل أبيب تهددان تلك الأنظمة بالمزيد من نشر فضائحهم التي لم يكشف عنها بعد، إذا لم ينفذوا كل ما يطلب منهم لخدمة وإنجاح المخططات الإمبريالية- الصهيونية في المنطقة والعالم إذا اقتضى الأمر، وخصوصاً العمل على وأد وضرب المقاومات بشتى السبل، سواء عبر خلق الفتن والتفتيت الجغرافي والديمغرافي، أو حتى بالتأييد والانخراط المباشر بالحروب العدوانية المستمرة واللاحقة ضد شعوب المنطقة، (احتلال العراق، وحربي تموز وغزة نموذجاً).

من هنا نؤكد أن ما يعرفه المواطن العادي في منطقتنا وبتفاصيل حياته اليومية عن مفاسد وخيانة قيادات النظام الرسمي العربي، المتهالكين على الجمع بين الاستئثار بالسلطة وبين نهب ثروات شعوبهم، يزيد بكثير عما نشره للآن موقع «ويكيليكس»، كما أن شعوب المنطقة تدرك بتجاربها المريرة مع أولئك الحكام، أن لا خيار أمامها إلاّ المقاومة ضد أعداء الداخل والخارج على حد سواء. ومن نافل القول إن قادة النظام الرسمي العربي في حالة عداء دائم مع شعوبهم، والنتائج بادية للعيان. ولا نجانب الحقيقة عندما نقول: إن حكم الطغاة وضعفهم وتآمرهم قد أورث الاحتلال المباشر كما في العراق وفلسطين، وغير المباشر في أغلب البلدان (عبر القواعد العسكرية الأمريكية والسفارات الإسرائيلية).

وباستثناء سورية، لا يستطيع أي بلد عربي أن يملك إرادة اتخاذ القرار أو أن يدير شؤونه الداخلية دون تدخل خارجي أو بمعزل عن توجيهات السفارات الأجنبية ودوائر الاستخبارات العالمية، ووصاية البنك الدولي على اقتصادات تلك البلدان.

وبالعودة إلى ما يسمى بـ«وثائق ويكيليكس» نؤكد أن المشروع النقيض الذي بدأت تمتلكه شعوب هذا الشرق العظيم، ليس التلهي بما تنشره الوسائل السمعية والبصرية المتطورة في الفضاء الإلكتروني من مواد مقصودة بعينها لتشويش الرأي العام في بلداننا، بل في تعزيز وتطوير خيار المقاومة الشاملة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ضد الإمبريالية والصهيونية، وصولاً إلى إلحاق الهزيمة التاريخية بهما وعودة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين. وهنا نعني جهاراً نهاراً الشعوب التي تعرف عدوها الحقيقي، وتعرف كيف تختار النظام الذي تريد دون أية وصاية أجنبية.

 

وإذا كانت المعركة الرئيسية التي يقودها التحالف الإمبريالي- الصهيوني وكل من والاه، تهدف إلى ضرب المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، فمن واجب شعوب المنطقة وقواها السياسية الوطنية الحقيقية ليس المساومة، بل المقاومة والانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم، بعد أن أثبت خيار المقاومة أنه الوحيد القادر على ردع العدوان وتحرير الأرض واسترداد الحقوق ووضع الحد الفاصل بين سلطة الفساد في النظام الرسمي العربي وبين قوى المقاومة الوطنية الحقيقية التي تخوض أشرف معركة في تاريخها الحديث، والتي أصبح مطلوباً منها الانتصار وألاّ تورث الهزيمة للأجيال اللاحقة، وهنا تكمن كرامة الوطن والمواطن.