الموضوعات البرنامجية للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين

الموضوعات البرنامجية للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين

قر الاجتماع الوطني التاسع للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين الموضوعات البرنامجية بعد إدخال التعديلات عليها خلال الاجتماع.

وبذلك يصبح هذا المشروع وثيقة أساسية تلزم جميع الهيئات بالعمل على تعميمها وتحقيق مضامينها.

دمشق 26/11/2010

الاجتماع الوطني التاسع للجنة الوطنية

لوحدة الشيوعيين السوريين

1- حول المرجعية الفكرية:

يسعى الشيوعيون السوريون لإعادة بناء حزبهم الشيوعي القادر على لعب دوره الوظيفي- التاريخي، هذا الدور الذي تراجع وضعف خلال العقود الأخيرة.

مهمة استعادة الدور الوظيفي- التاريخي لابد أن تستند إلى المرجعية الفكرية الماركسية- اللينينية التي تتطور ويتصلب عودها في النضال ضد الميلين اللذين يعيقان تطورها، وهما: العدمية والنصوصية.

لذلك تبقى مهمة اكتشاف وصياغة الثابت والمتغير في النظرية، مهمة دائمة يفرضها تطور الحياة المستمر بكل تعقيداتها وجوانبها الجديدة.

إن كانت العدمية تسعى لنسف النظرية بحجة التجديد، فإن النصوصية تقوم بدفنها بحجة الثبات على المبادئ.. إن هذين الانحرافين يتطلبان بعضهما البعض، ويكمّل واحدهما الآخر، لذلك فإن إضعاف أحدهما يعني إضعاف الآخر وصولاً إلى زوال تأثيرهما.

إن التعامل مع الماركسية- اللينينية كعلم متجدد هو الذي يضمن تطورها ويحولها إلى سلاح فعال في يد الشيوعيين في التعامل مع الواقع الذي تغتني منه باستمرار.

إن الانقطاع عن الواقع هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الماركسيين على تجديد النظرية، كما أن عدم الاعتراف بمبادئها الرئيسية الثابتة والابتعاد عنها يؤدي بدوره إلى خلل في تفسير الواقع.

لقد كانت الماركسية- اللينينية دائماً نظرية للتغيير الثوري للمجتمع، وهي لابد أن تستند إلى تفسير صحيح له لإنجاز مهمتها.. لذلك فإن أي خلل في التفسير يبعد إمكانية التغيير، كما أن الابتعاد عن الواقع المطلوب تغييره لا يسمح بشحذ الماركسية كي تبقى سلاحاً فعالاً.

2 ـ الاشتراكية.. وأزمة الرأسمالية

إن انهيار التجارب الاشتراكية الأولى في القرن العشرين، لا يعني بحال من الأحوال انهيار الماركسية ورؤيتها حول الاشتراكية، بل يعني عجز الماركسيين في اللحظة المستجدة آنذاك عن تطوير النظرية بالشكل المطلوب.. ورغم ذلك تبقى التجارب الاشتراكية الأولى مادة تاريخية هامة استطاعت أن تحقق لشعوبها وللإنسانية مكاسب كبرى غير مسبوقة في التاريخ، ستستطيع التجارب اللاحقة استناداً إلى النجاحات والإخفاقات السابقة القيام بما لم تستطع التجارب الأولى إنجازه.

إن الأزمة الرأسمالية الاقتصادية العالمية تؤكد بشدة أن الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين تطرق الباب بقوة وتستعيد مثلها وأفكارها ذلك الألق والسطوع الذي سيتجاوز بتأثيره أعظم لحظات صعودها في القرن العشرين.

الأحداث الحالية تؤكد صحة تنبؤات ماركس وأنجلس ولينين حول الانهيار الحتمي للرأسمالية كنظام.

إن الأزمة الحالية ليست مؤقتة أو عابرة، وليست جزئية وموضعية، بل هي أزمة عميقة متعلقة ببنية النظام الرأسمالي نفسه المنتج دائماً للأزمات.

وهي يمكن أن تتحول إلى أزمة نهائية إذا توفر العامل الذاتي للتعامل مع الظروف الموضوعية التي تنضج باتجاه انهيارها.

فهي غير قادرة على الخروج من أزمتها الحالية على الطريقة التي خرجت فيها من أزماتها السابقة في القرن العشرين، عبر تصدير الأزمة بالقوة إلى الخارج، والاستيلاء على مناطق نفوذ جديدة وإعادة تقاسمها فيما بينها.

فالمعادلة اليوم تغيرت للأسباب التالية:

انتهى توسع الرأسمالية جغرافياً بسب محدودية مساحة الكرة الأرضية التي استولت الرأسمالية عملياً على كل أرجائها اقتصادياً ثم سياسياً وعسكرياً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

وصل استغلال الرأسمالية العالمية لشعوب الأرض إلى درجة تهدد إعادة إنتاج الجنس البشري لنفسه (مشكلة الجوع، المياه، المناخ، الطاقة..الخ).

توضح على السطح نهائياً التناقض التناحري الذي يحكم الرأسمالية مع الطبيعة.

لم يعد هناك مركز إمبريالي بديل للمركز الإمبريالي الحالي (الولايات المتحدة الأمريكية).

تحولت أزمة فيض إنتاج البضائع الكلاسيكية إلى فيض إنتاج سلاح، وفيض إنتاج مال (دولار)، ما لا يمكن التخلص منه بالسهولة التي كان يمكن فيها التخلص من فيض البضائع.

لذلك تتجه البشرية في مواجهة الرأسمالية إلى لحظة حساسة وخطيرة، فتناقضات الرأسمالية واشتدادها يدفعها إلى اللجوء إلى ا لقوة داخلياً وخارجياً، ما سيفتح الأفق أمام البدائل الجديدة التي ستتضح معالمها أكثر فأكثر خلال المواجهة نفسها، فالبدائل لا تظهر وتأخذ مكانها في بدايات الأزمة كما علمتنا دروس التاريخ، بل في نهاياتها.

من هنا أهمية استعداد الحركة الثورية لمواجهة هذه اللحظات القادمة على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية، لحظات انسداد الأفق التاريخي نهائياً أمام النظام الرأسمالي بكل تفرعاته وتنويعاته، ولحظات انفتاح الأفق التاريخي واسعاً أمام الحركة الثورية العالمية بكل تنوعها وغناها على مدى القارات الخمس.

3 ـ الوضع السياسي الإقليمي والدولي

بسبب ظروف تاريخية محددة تحولت المنطقة الواقعة بين جنوب وشرق المتوسط حتى قزوين، إلى مساحة مواجهة رئيسية مع قوى الإمبريالية العالمية المتأزمة.. وتسعى الإمبريالية العالمية وخاصةً الأمريكية والصهيونية العالمية إلى إحكام قبضتها بوسائل مختلفة على هذه المنطقة لما لها من أهمية جغرافية- سياسية، وبالدرجة الأولى بسبب مواردها النفطية.. إن إنجاز هذه المهمة بالنسبة للإمبريالية الأمريكية سيساعدها على تأجيل انفجار أزمتها داخلياً، كما أنه سيضعف منافسيها الكبار على عرش السيطرة العالمية.. وسيحافظ على وضع الدولار كعملة عالمية مهيمنة إلى أجل غير مسمى.

وللوصول إلى هذه الأهداف تستخدم الإمبريالية العالمية وسائل مختلفة والاختلاف بين الإدارات الأمريكية المختلفة هو اختلاف وسائل وليس اختلاف أهداف استراتيجية.

فإذا كانت إدارة بوش قد سعت إلى السيطرة على المنطقة قبل اندلاع الأزمة العالمية بالقوة القاسية وبالمفرق، فإن إدارة أوباما تسعى إلى الهدف نفسه بالقوة الذكية أي باستخدام القوة القاسية والقوة المرنة ولكن بالجملة، وذلك بسبب اندلاع الأزمة والاستحقاقات التي تفرضها من حيث سرعة التنفيذ ومحدودية الإمكانيات التي يعتريها الوهن يوماً بعد يوم..

 إن الدفاع عن الدولار كعملة عالمية عبر الحفاظ على تسعير النفط بالدولار يبقى خط الدفاع الأخير بعد انهيار خطوطه الدفاعية الأولى (حصة الاقتصاد الأمريكي من الاقتصاد العالمي، ومن ثم محاولة الاستيلاء على النفط بشكل غير مباشر وبعدئذ بشكل مباشر).. وهذه المهمة هي مهمة مشتركة مقدسة لدى كل الإدارات الأمريكية.

ولإبقاء الدولار على حاله في ظل تراجع الدور الاقتصادي للإمبريالية الأمريكية وبدء تراجع دورها العسكري في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سعت وتسعى الإمبريالية الأمريكية عبر إداراتها المختلفة إلى اختلاق نوع من الفوضى في منطقتنا (العراق نموذجاً) وصولاً إلى تفتيتها عبر استخدام كل التناقضات الثانوية الموجودة فيها وتفعيلها إلى حد الصدام المسلح (من قومية ودينية وطائفية وعشائرية).

إن الحدود السياسية القائمة في المنطقة هي بالأساس من وضع الدول الإمبريالية المنتصرة بالحرب العالمية الأولى وأبرزها  حدود سايكس- بيكو الإمبريالية، والتي يخطط لها الآن كي تكون فضاءً لتفجيرات مختلفة عبر الأخطاء التاريخية المقصودة فيها حينما رسمت خرائطها.

إن الحل الوحيد أمام شعوب الشرق العظيم، القاطنة في المنطقة من قزوين إلى المتوسط جغرافياً، والمتآخية على مر التاريخ، والتي تجمعها مصالح اقتصادية عميقة لكونها تشكل فضاءً اقتصادياً متكاملاً.. هو تعميق أواصر التحالف والتآخي والنضال المشترك على مختلف المستويات لإفشال المخططات الإمبريالية القديمة والجديدة.. وصولاً إذا لزم الأمر وسمحت الظروف بتشكيل اتحاد إقليمي يتجاوز حدود الدول القائمة ليوحدها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.. وهذا ما سيضع الأساس للحفاظ  على الحقوق المشروعة لجميع الشعوب القاطنة في هذه المساحة الجغرافية الواسعة في وجه نهب وجشع الاحتكارات الرأسمالية العالمية وفي وجه المخططات الإمبريالية الأمريكية- الصهيونية التفتيتية.

لاشك أن إسرائيل الصهيونية تلعب دوراً مفتاحياً في كل المخططات الإمبريالية وخاصةً الأمريكية في المنطقة.. وجذر العلاقة الإسرائيلية- الأمريكية يعود إلى دور الصهيونية العالمية التي تلعب دوراً هاماً في صياغة المخططات الإمبريالية بشكل عام، لكونها تشكل جزءاً هاماً من الرأسمال المالي العالمي اليوم والذي يشكل القوة الضاربة للرأسمالية العالمية.. وإذا كانت «إسرائيل» هي إحدى الأدوات الهامة بيد الصهيونية العالمية، فإن علاقتها بالولايات المتحدة تحددها في نهاية المطاف علاقة الرأسمال المالي الصهيوني بالإمبريالية الأمريكية التي أصبحت حدود مصالحهما مندمجة ومن الصعب تحديدها والتفريق بينهما.

وما دام النظام الرأسمالي العالمي وليس فقط الإمبريالية الأمريكية في أفول، فمن الطبيعي والمنطقي أن «إسرائيل» نفسها قد دخلت مرحلة الأفول والدليل على ذلك أداؤها في العقد الأخير وخصوصاً فشلها في حرب تموز 2006 أمام المقاومة، وهذا يعني أن دورها الوظيفي بدأ يتراجع ويتعثر عما كان عليه في النصف الأخير من القرن العشرين.

 إن منطق الحياة نفسه يضع على بساط البحث موضوع استمرار إسرائيل الصهيونية، فهي بسبب الأزمة العالمية وأفول الرأسمالية وبسبب الازدياد المتصاعد وخاصةً في العقد الأخير لمقاومة شعوب الشرق العظيم للمخطط الإمبريالي- الصهيوني التفتيتي، دخلت في مرحلة انحطاط وأزمة عميقة تهدد الكيان الصهيوني.

إن منطق التاريخ يفرض نفسه في نهاية المطاف فدولة قائمة على العدوان والاحتلال والتوسع والاستيطان وعلى العداء المستمر لكل شعوب المنطقة، والمخالفة الدائمة للقوانين والقرارات الدولية، لا يمكن أن تستمر لأن سياسة الصهيونية العالمية قد فرضت عداءً مستحكماً بينها وبين الشعوب العربية وكل شعوب المنطقة منذ أن رفضت القرار (181) عام 1947 القاضي بإنشاء دولة فلسطينية على مساحة 13.000 كم2  وهي لاتزال ترفض قيام الدولة الفلسطينية وهذا يعني أن الكيان الصهيوني ليس فقط فقد شرعيته الأخلاقية والإنسانية بل لازال يفتقد للأساس القانوني والدولي، وستفقد «إسرائيل الصهيونية» كل وجودها اللاحق بفضل مقاومة شعوب المنطقة الباسلة وخيار المقاومة المستمر منذ عشرات السنين.

4 ـ التحديات الوطنية الكبرى

تعيش بلادنا في ظل وضع معقد وخطير دولياً وإقليمياً، وهي قد أثبتت بسلوكها ومواقفها على مدى عقود أن أهم رأسمال لديها هو مواقفها الوطنية التي تجعلها أقوى من أغنى دولة عربية.

إن المواقف الوطنية السورية في مواجهة المخططات الإمبريالية الأمريكية- الصهيونية هي محصلة نضال الشعب السوري منذ معركة ميسلون حتى اليوم، وهي تعكس إجماعاً شعبياً لا يمكن لأحد أن يتجاهله.. وهي تستند إلى جيش كانت الروح الوطنية لديه دائماً عميقة وراسخة ولا يمكن زعزعتها.. وقد عززت الأطماع الصهيونية والمؤامرات الإمبريالية وخاصةً الأمريكية ترسيخ المواقف الوطنية للبلاد وصقلتها على مر السنين.

 إن السمعة التي تتمتع بها سورية على النطاق الشعبي العربي وفي المنطقة هي رصيد هام يجب أن يتعزز دوماً بتصعيد المقاومة والممانعة وصولاً إلى الهزيمة النهائية للاحتلالين الأميركي والصهيوني ومشاريعهما في المنطقة وتحرير سائر الأراضي العربية المحتلة بالعدوان الإسرائيلي ـ الأمريكي وفي مقدمتها الجولان، لكي يصبح مثالها نموذجاً يحتذى في ظل الاختلال والاعتلال والاعتدال لدى الحكام العرب وأنظمتهم الرسمية المتهالكة لإرضاء الإمبريالية الأمريكية والصهيونية.

في ظل هذه الظروف يرتدي موضوع تعزيز الوحدة الوطنية في البلاد أهمية قصوى، فقد كانت دائماً سلاحاً فعالاً في مواجهة جميع المؤامرات الخارجية.. وهي اليوم مطلوبة أكثر من الأمس بسبب حجم وخطورة المؤامرات التي تستهدف المنطقة والبلاد، والتي لم يسبق لها مثيل، ولذلك يجب تفعيل طاقات الشعب السوري كلها لزجّها في المعركة، وعدم حجب شرف مواجهة التحديات القائمة عن أحد، وهذا يتطلب إلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي لعام 1962، وإعادة الهوية السورية لكل من حرم منها.

إن تعزيز الوحدة الوطنية يتطلب إصلاحاًً يطال مختلف نواحي الحياة فيها ليحل مشاكلها المعلقة والمستوطنة التي تضر التطور اللاحق، وآجال هذا الإصلاح ليست مفتوحة بشكل مطلق كما أن التأخر فيه يجعل من الصعب البدء به لاحقاً، ما يحمل مخاطر كبيرة وعديدة لأن اللحظة التاريخية الحالية تسمح به وتطلبه.

 إن الإصلاح الحقيقي المطلوب هو إصلاح شامل وجذري ومحدد الاتجاه:

إصلاح شامل لأنه إصلاح سياسي- اقتصادي- اجتماعي، وتحقيقه يقوي مواقع البلاد في المواجهة المفروضة عليها، وهو بالتالي يربط المهام الوطنية العامة بالمهام الاقتصادية-الاجتماعية وبالمهام الديموقراطية..

وهو جذري لأنه يجب أن يغير نوعياً سمات الاقتصاد وفعاليته، وسمات توزيع الثروة في المجتمع نحو عدالة اجتماعية عميقة، وسمات الحركة السياسية نحو زيادة دور ها وتأثيرها في المجتمع.

وهو حتماً محدد الاتجاه نحو تعزيز دور سورية الوطني وتعميق وحدتها الداخلية وحل القضايا الاجتماعية- الاقتصادية لمصلحة الجماهير الشعبية الواسعة، وليس على حسابها.

إن الإصلاح المطلوب هو حزمة كاملة متكاملة من الإجراءات العميقة التي يجب أن تطال بتأثيرها المجتمع وجهاز الدولة والاقتصاد الوطني من أجل تعزيز خيار المقاومة والحفاظ على السيادة الوطنية ضد المخططات الامبريالية الأمريكية- الصهيونية الخارجية والداخلية..

هناك شبه إجماع في المجتمع السوري وبين قواه السياسية داخل الجبهة وخارجها حول مفردات الإصلاح السياسي، وهي قانون الأحزاب والمطبوعات، ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وإصلاح القضاء.. لكن الأهم الذي دونه لن يكون لأي إصلاح سياسي معنى، هو الوصول إلى قانون انتخابات جديد عصري يكف يد قوى المال وجهاز الدولة إلاّ بحدود القانون، عن التأثير على ا لعملية الانتخابية..

 إن قانون الانتخابات الحالي قد أضعف وشل الحركة السياسية في البلاد، والتي يعتبر نشاطها أحد ضمانات تعزيز الوحدة الوطنية. إن البلاد بحاجة إلى قانون أحزاب يضمن إنشاء الأحزاب على أساس وطني شامل، وقانون انتخابات نسبي تكون فيه البلاد دائرة واحدة، يضمن تنشيط الحركة السياسية وتنافسها على أساس برنامجي.

إن قانون أحزاب عصرياً يجب أن ينفي إمكانية إقامة أحزاب على أساس الانتماء القومي أو الديني أو الطائفي أو العشائري أو العائلي.
أما قانون الانتخابات النسبي فهو الذي سيحمي قانون الأحزاب ويفعله ويضعه على السكة الصحيحة التي تخدم الوحدة الوطنية.

إن صدور قانون أحزاب حقيقي مع قانون انتخابات عصري يتجاوز ذلك القانون الذي وضع لعصر آخر، سيفعّل الحركة السياسية في البلاد، وسيفتح الطريق لجسر الهوة بين الأحزاب السياسية والشارع، والأهم أنه سيضع الأساس للنسف النهائي للثنائية الوهمية معارضة/ نظام، والتي أراد البعض أن يكرسها لتفعيل التناقضات الثانوية على حساب الأساسية. والواقع يقول إن خطوط الفصل الحقيقية في المجتمع هي أعقد بكثير مما يريد البعض أن يوهمنا به من خلال ثنائيته الوهمية.. إن قانوناً انتخابياً وطنياً معاصراً سيعطي دفعاً ونشاطاً جديدين للحركة السياسية الوطنية التي يجب أن يعاد تشكيل فضائها على أسس جديدة قادرة على استقطاب القوى الاجتماعية التي تعلن تمثيلها.

إن المشكلة الأساسية في الحياة السياسية في البلاد هي عدم التطابق بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة وتمثيلها السياسي، ما يؤدي إلى حالة اغتراب تعزل الأحزاب السياسية عن الشارع من جهة، وتبعد الشارع عن العمل السياسي المباشر من جهة أخرى.

إن تخلف الحركة السياسية عن مواكبة الجماهير العريضة يعود في جوهره إلى مشكلة في الوصول إليها والاتصال بها عبر خطاب سياسي مطابق لمصالحها ووعيها، وليس كما يظن البعض في تخلف الجماهير عن العمل السياسي، بل الأدق أن يقال عدم ثقة الجماهير إلى حد كبير بالحركة السياسية وممثليها.. إن نظام انتخابات فعالاً سيحل هذه الإشكالية.. ولا مكان هنا للتخوف من تقدم قوى رجعية وغير وطنية في هذه الحالة، لأن قانون الأحزاب يجب أن يصاغ بشكل يقطع الطريق على المخططات التي تستهدف وحدة الكيان الوطني والمجتمعي تحت حجة تمثيل «مكوناته الأساسية» أي مكوناته في مرحلة ما قبل تشكل الدولة الوطنية.. 
إن المكونات الأساسية للمجتمع يجب أن تعود لتكون هي شرائحه الاجتماعية وطبقاته الاجتماعية، بغض النظر عن القومية والدين والطائفة.

إن عدم وجود حركة سياسية فاعلة في المجتمع قد أخرج قوى هامة من جهاز الدولة من تحت الرقابة، ما وضع الأساس الموضوعي لتفشي ظاهرة الفساد التي تقوى عبر استنزافها ثروات البلاد مستفيدةً من مواقعها في جهاز الدولة ومتواطئةً مع قوى السوق الكبرى المحلية وحلفائها من الشركات الكبرى غير المحلية.

والأمر هكذا، فإن قوى الفساد لا مصلحه لها في تطور الحركة السياسية في البلاد، وهي عملياً تضع العراقيل المختلفة في هذا الاتجاه بحجج مختلفة، وخاصةً تحت ستار الحفاظ على الاستقرار مع أن ما يهدد استقرار البلاد في الحقيقة هو حجم النهب والفساد الذي يستخدم السياسات الاقتصادية الليبرالية لقوننة نهبه غير المشروع.

فالتجربة التاريخية تقول إن بلداً بعظمة الاتحاد السوفييتي قد انهار تحت وطأة الفساد في جهاز الدولة الذي خرج في لحظة معينة من تحت رقابة المجتمع، وبالتالي مهدت قوى الفساد الطريق للانتقال إلى نظام آخر لتبييض ما نهبته، ولشرعنة أشكال النهب الجديدة التي تعاظمت بوتائر عالية خلال وبعد عمليات الخصخصة التي جرت، ما أدى إلى انهيار اقتصادي واجتماعي شامل.

 لذلك فإن محاربة الفساد والنهب اللذين يطالان الدولة والمجتمع هي مهمة وطنية من الدرجة الأولى، فلم يعد من الممكن حل أية مهمة اقتصادية- اجتماعية منتصبة أمام البلاد دون الحد من الفساد والنهب واجتثاثهما وتحويل مواردهما نحو التنمية الشاملة وهذا يتطلب تفعيل دور المجتمع والإعلام وصولاً إلى محاسبة المسؤولين الحكوميين على قاعدة (من أين لك هذا ؟).

 

5 ـ القضية الاقتصادية - الاجتماعية

من هنا تأتي خطورة السياسات الاقتصادية المتبعة، التي يجب أن تتابع، ويجري حولها الآن نقاش كبير وصراع شديد في البلاد.

إن التيار الليبرالي- الاقتصادي قد استند في صعوده خلال العقد الحالي إلى موجة الليبرالية العالمية التي كانت في أوجها قبل الأزمة، وكذلك استند إلى ظاهرة استنفاد النموذج الاقتصادي السابق في سورية، بإحداثياته الملموسة لإمكانيات التطور اللاحق وحل المشاكل القائمة.

فالنموذج السابق منذ السبعينيات وبسبب الأوضاع العالمية والإقليمية استفاد من العلاقات الخارجية بسبب وضع سورية المتميز في دعم النمو الذي جرى وفي تحقيق مكتسبات اجتماعية هامة لا يمكن لأحد اليوم أن ينكرها رغم كل الملاحظات التي كانت توضع في حينه على جوانب مختلفة من هذا النموذج.. وبعد تغير الوضع العالمي بانهيار الاتحاد السوفييتي وانتقال العديد من الدول العربية إلى صف المهادنة وما يسمى بالاعتدال، تقلصت التدفقات الخارجية التي كانت تلعب دوراً هاماً في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي- الاقتصادي، فانكشفت العيوب الداخلية للنموذج السابق وخاصةً من حيث وتائر التراكم المنخفضة وعوائد الاستثمار غير المرتفعة ما خفض وتائر النمو بشكل حاد.. فانفتح الطريق لتجريب نموذج جديد كان هو الدارج في ذلك الحين وخاصةً منذ أوائل الألفية الثالثة، ألا وهو النموذج الليبرالي، وقد ظن البعض أنه الخيار الوحيد الممكن آنذاك وأنه يمكن أن يحل الإشكالات المستجدة في الاقتصاد السوري عبر تأمين استثمارات خارجية عن طريق تكييف الداخل اقتصادياً واجتماعياً معها..

ولكن بعد مضي سنوات عديدة تأكد أن هذا النموذج الجديد عاقر من حيث المبدأ ولا قبل له بحل الإشكالات التي يعاني منها بحق الاقتصاد السوري.

فوتائر النمو لم ترتفع عملياً وانخفض مستوى معيشة السكان ولم تتدفق الاستثمارات بالشكل الموعود.. ما وضع المسألة تحت المجهر من جديد. ولا تفيد هنا المكابرة والديماغوجية التي يقوم بها الليبراليون الاقتصاديون في الترويج لمحاسن نموذجهم الموعودة.. والتي على الناس الصبر لجني ثمارها، فهذه المعزوفة قد استخدمت سابقاً حين تم تنفيذ هذه النماذج بآلامها الفورية التي حملتها للمجتمع ولم يتم الخروج منها عملياً..

كما أن هذا النموذج القائم يعاني من استعصاء شديد سببه ان النظام السياسي في البلاد غير مرسوم منذ البدء لكي يتوافق مع سياسات اقتصادية ليبيرالية كهذه في التطبيق.

مما سيضع الأمر في نهاية المطاف أمام مفترق طرق: إما استبدال النظام السياسي، وإما تغيير جذري للسياسات الاقتصادية يضمن استقرار النظام السياسي في وجه قوى الرأسمال الكبرى الجديد منها والقديم، التي ستطالب وتسعى إلى حصتها من القرار السياسي العام.

إن استمرار تجريب هذا النموذج سيكون كارثياً على الاقتصاد السوري والمجتمع السوري وهو بذلك قد أ صبح مناقضاً لمفهوم الأمن الوطني بالمعنى الواسع للكلمة..

إن المنطق والحكمة ومصلحة البلاد تقول بضرورة البحث عن نموذج بديل للتطور الاقتصادي يؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية..

فالنموذج الحالي يضع هذين الحدين على طرفي نقيض، بينما تطلب الحياة ربطهما ببعضهما بعيداً عن النموذج القديم في القرن الماضي، وبعيداً جداً عن النموذج الحالي الذي أدخل البلاد في مأزق حقيقي.. إن تأمين نمو عال للاقتصاد الوطني هو ضرورة وطنية واجتماعية.. وطنية كي تستطيع سورية الاستمرار في لعب دورها المطلوب منها تاريخياً في المنطقة.. واجتماعية من أجل التصدي لحل مشكلات مستوى المعيشة والبطالة..

إن عدم الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الوطنية والاجتماعية سيهدد الاستقرار الاجتماعي، ما سيضعف الوحدة الوطنية، وبالتالي يضعف سورية في لعب دورها المطلوب منها في المنطقة..

كما أن اقتصاداً عالي النمو وعميق العدالة سيتحول إلى نموذج ورافعة ونقطة جذب في النضال العام ضد مخططات الإمبريالية والصهيونية بالنسبة لشعوب المنطقة والشعوب العربية قاطبة..

إن حل هاتين المهمتين يتطلب صياغة نموذج اقتصادي جديد يتوافق مع احتياجات العصر ومع ضرورات المجتمع السوري، والصياغة النهائية له لا يمكن أن يقوم بها شخص وحده، أو مجموعة أو حزب.. بل هي مهمة وطنية عامة تتطلب فتح أوسع حوار حولها تشارك فيه أوسع الأوساط في المجتمع والدولة..

الملامح العامة للنموذج الاقتصادي المطلوب:

إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية باتجاه رفع الحد الأدنى للأجور ليطابق الحد الأدنى لمستوى المعيشة, وزيادة الأجور دورياً (شهرياً أو فصلياً كحد أقصى) على أساس ارتفاعات الأسعار الحقيقية، وأخيراً تمويل الزيادات من مصادر حقيقية وتحديداً على حساب الأرباح التي تتضخم بارتفاعات الأسعار المستمرة عن طريق سياسة ضريبية فعالة وغير منحازة لصالح أصحاب الأرباح.

إعادة النظر بسلة الاستهلاك التي يحتسب التضخم عبرها لتصبح معبرة عن الواقع الحقيقي، واعتماد عدة جهات مستقلة غير حكومية إلى جانب الحكومية في صياغتها ومتابعتها.. إن أحادية سلة الاستهلاك الحكومية أضرت بالتطور الاقتصادي- الاجتماعي.

الاستفادة من القدرات البشرية العلمية الكبيرة الهامة التي وفرها التعليم المجاني على مختلف المستويات خلال عقود، وتوظيفها في التحديث والتطوير عبر إعادة تأهيلها بشكل دائم ومخطط وكذلك أصلاح التعليم بكل مراحله والعمل على تعديل المناهج وعدم التراجع عن المكاسب التي تحققت في المرحلة السابقة ووقف التوجه الخطير نحو خصخصة التعليم

وضع الخطط للوصول إلى مضاعفة الدخل الوطني كل 5- 7 سنوات، وهذا أمر ممكن في حال صياغة النموذج الصحيح القادر على ذلك.

إن إزالة الخلل جذرياً بين الأجور والأرباح سيحل مشكلة مستوى المعيشة خلال خمس سنوات إلى سبع، إذا ما ارتفعت وتائر النمو الحقيقي للاقتصاد الحقيقي إلى معدلات عالية جداً يجب ألا تقل عن 10% حتماً..

كما أن ارتفاع معدلات النمو سيحل مشكلة البطالة جذرياً خلال فترة زمنية من خمس إلى سبع سنوات عبر استيعاب اليد العاملة في المشاريع الجديدة المدعوة إلى رفع مستوى نمو الاقتصاد الوطني.

الأمر الذي يتطلب رفع مستوى التراكم )التوظيفات الاستثمارية الجديدة) في القطاعات الإنتاجية الحقيقية إلى 30% من الدخل الوطني.

كما يتطلب رفع مستوى عائدية التوظيفات على مستوى الاقتصاد الوطني إلى 33% كحد أدنى، بينما لا تتجاوز نسبتها اليوم 15%. (العائدية = مجموع التوظيفات /القيمة المضافة الحقيقية).

إن تحقيق عائدية عالية يتطلب:

العمل على تصنيع جميع المواد الأولية من باطن الأرض وفوقها محلياً باتجاه تخفيض تصدير المواد الخام والاتجاه نحو تصديرها نصف مصنعة أو مصنعة ما يزيد القيمة المضافة المحصلة بنسب عالية جداً.

القيام بمشاريع عملاقة تستنهض الشعب السوري وتغير وجه سورية ما يتطلب توظيفات عملاقة لا قبل لأحد بها إلا الدولة، ولنا في سد الفرات مثال تاريخي.

العمل على تحديد الميزات المطلقة التي تتمتع بها سورية ما يتطلب عملاً مركزياً شاملاً ذا طابع علمي وبحثي وعملي. الأمر الذي سيسمح برفع عائدية الاقتصاد السوري بنسب عالية جداً.

خلق بؤر تحفيز للنمو الاقتصادي في البادية السورية من خلال الاستفادة من ميزاتها ما سيستوعب قوى عمل كبيرة فيها.

تنظيم مجمعات زراعية- صناعية في كل مناطق البلاد بحيث تتشابك مدخلاتها ومخرجاتها.

دعم القطاع الزراعي من حيث القروض والتسهيلات في مجال الوقود والأسمدة والمبيدات والبذار ووسائل الإنتاج.

استناداً لكل ذلك وضع خريطة استثمارية وتقديم التسهيلات للقطاع الخاص المنتج للمشاركة فيها.

إعادة النظر بكل القرارات والإجراءات التي تمثل تراجعاً عن المكاسب المتحققة للطبقة العاملة و الفلاحين وسائر الكادحين.. وخاصة:

نصوص قانون العمل بنسخته الأخيرة، ودعم حق الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها وصولاً إلى حقها في الإضراب..

إعادة حجم دعم الإنتاج الزراعي في مستلزماته وأسعاره بالشكل الذي يؤمن أسعاراً مجزية للفلاحين ويسمح بزيادة الإنتاج الزراعي.

دعم الإنتاج الصناعي الوطني في القطاعات التي تحفز النمو ضمن الخريطة الاستثمارية المبنية على أساس استهدافات النمو المطلوبة..

إن نموذجاً اقتصادياً عادل التوزيع وعالي النمو سيسمح بحل كل المهمات الاجتماعية المتفاقمة في البلاد:

1- نحو تأمين التعليم بكل مراحله لكل أفراد المجتمع بشكل مجاني.

2-  نحو تأمين الضمان الصحي المجاني.

3- نحو حل جذري لمسألة السكن عبر تأمين سكن شعبي كريم ورخيص لكل عائلة جديدة، مما يتطلب جهوداً من الدولة في هذا الاتجاه عبر تسهيلات مصرفية جدية تسمح لذوي الدخل المحدود بالحصول على السكن السريع و الجيد.

4- إن كسر احتكار تجار البناء والأراضي والمضاربين بها يتطلب منع الاتجار بالأراضي التي تبني عليها الدولة وعدم احتساب سعرها في كلفة البناء، وكذلك منع المتاجرة بها وتأجيرها.

5- ونحو إعادة النظر بتكاليف الكهرباء و المياه لأصحاب الدخل المحدود باتجاه جعل الشرائح الدنيا الضرورية من استهلاكها مجانية تماماً، وتحميل الفوارق السعرية لأصحاب الدخل غير المحدود من المستهلكين الكبار...

6- لابد من الربط بين النموذج الاقتصادي الجديد وبين ضرورة المحافظة على البيئة في بلدنا لأن المشكلة البيئية في سوريا هي نتيجة لنمط التطور الرأسمالي وتزداد حدته بسبب ازدياد تشوه هذا النمط وبسبب جشع قوى الفساد الكبرى وإخفاق السياسيات الليبرالية ـ الاقتصادية في العقد الأخير. كما أن المشاكل البيئية وخصوصاً في مجال الماء والتربة والهواء والغابات في البلدان النامية لها علاقة بسياسات الدول الامبريالية التي تقوم بتهجير صناعاتها الملوثة للبيئة إلى البلدان النامية وتعمل على دفن نفاياتها الخطيرة في أراضي دول الجنوب وتفسد أرضها وماءها وهواءها.

6 ـ مهام الشيوعيين

إن المهام المطلوبة من الشيوعيين السوريين لكي يستعيدوا دورهم الوظيفي كبيرة وعظيمة، وهم قادرون على ذلك عبر إعادة بناء حزبهم الواحد والموحد والمعترف به من الجماهير الشعبية.

إن الدور الوظيفي يعني قبل كل شيء اعتراف المجتمع وخاصةً الطبقة العاملة وسائر الكادحين بالشيوعيين كقوة تمثلهم.. وهذا الأمر سيحتاج إلى عمل كثير لاستعادة ثقة الجماهير بحزبها وهو أمر صعب التحقيق في حال بقاء الحركة منقسمة بين فصائل ومجموعات، ما يتطلب إنجاز عملية توحيد الشيوعيين السوريين من تحت لفوق.

كما أن الدور الوظيفي يتطلب إعادة الاعتبار لمنظومة الأخلاق الشيوعية التي هي النموذج الأعلى للأخلاق الإنسانية.

إلى جانب أنه يعني استعادة الشيوعيين لمواقعهم التي يجب أن تكون متقدمة في المجال المعرفي- الفكري كي يستعيدوا قدرتهم على جذب أكثر العناصر طليعية في المجتمع.

كما أن ظروف الحياة المعاصرة في الصراع الحاد والشديد الذي تشهده على الجبهة الإعلامية مع قوى الامبريالية ومختلف حلفائها، تتطلب إيلاء أهمية خاصة لهذا المجال للوصول إلى تكافؤ معين يساعد على تطوير المعركة العامة بالاتجاه المطلوب.

إن الحديث عن الثقافة الوطنية في ظل المؤثرات الخارجية على البنية الثقافية ــ عبر الوسائل البصرية والسمعية المتطورة ــ يحتاج إلى معرفة نظرية وخبرة عملية لتوظيف كل حقول الإبداع الأدبي والفكري في صالح المجتمع وتطوره في مناحي الحياة كافة وحل المهام المنتصبة أمامه. وهنا لابد أن يرتكز الخطاب الثقافي على قاعدة انطلاق علمية ومعرفية متقدمة في مواجهة ما يسمى بثقافة العولمة المتوحشة. ومثلما ثبت أن الاقتصاد الذي نريد هو حجر الزاوية في السيادة الوطنية فإن الثقافة الوطنية هي الشرط الضروري لعملية التنمية الشاملة، والتي من أهم متطلباتها أن يتحول العلم إلى ثقافة تخدم الكتلة الرئيسية المنتجة للخيرات المادية في المجتمع. وعند ذاك فقط يمكن الخروج من الثنائية الوهمية السائدة في ثقافتنا منذ قرن وحتى الآن حول «الأصالة والمعاصرة» إلى حالة الجمع بين أصالة الهوية الثقافية ومعاصرة حياتنا الراهنة.

ولكن الأهم يبقى هو عودة الحزب إلى الجماهير ومعرفة أوضاعها وصياغة مطالبها وقيادة نضالاتها من أجل حقوقها المشروعة..

إن الإرث المجيد للشيوعيين السوريين سيسمح لهم إذا ما حفزوا قواهم وجددوها أن يصلوا إلى ذلك الحزب القوي والذكي، المبدئي والمرن، الثابت على المبادئ والمبدع للحلول، والقادر على القيام بدوره المطلوب منه.