منظور «الانتصار / الهزيمة» داخلياً.. موجة جديدة من «خلصت»..!

منظور «الانتصار / الهزيمة» داخلياً.. موجة جديدة من «خلصت»..!

انتعشت في الأوساط السياسية والإعلامية الرسمية وشبه الرسمية في سورية مؤخراً موجة جديدة من المقولة التي روجت في الأشهر الأولى للأزمة السورية التي تجاوزت اليوم الأشهر الأولى من عامها الرابع: «خلصت»..! وهذه المرة تحت عنوان «الانتصار»..!

ويجري تصوير هذا الانتصار على خلفية تقدم الجيش السوري على محاور عدة، وعلى إجراء الانتخابات الرئاسية ونتائجها. غير أن المشكلة الأساسية في هذا المنطق تكمن في اجتزائه لفكرة الانتصار الحقيقي الذي يحتاجه حقاً السوريون، الانتصار على أعداء سورية التاريخيين الذين استفادوا من الممرات التي وفرها الفساد الكبير، بكل أبعاده ودلالاته، ليعيث هؤلاء فيها تخريبا وحرقاً وإفساداً. أي أنه، استطراداً، انتصار بمحددات وطنية، بالناس وللناس، بإيقاف إحراقهم مع بلدهم، وليس انتصار «موالاة على معارضة» أو «معارضة على موالاة»، انتصار ينطلق من إنهاء الأزمة، وليس تسكينها أو ترقيعها دون وجود ضمانات حقيقية لعدم إعادة إنتاجها لاحقاً. وهو ما يستدعي تحديد معالم وإطلاق عملية سياسية جدية ليس بمنطق «الغالب والمغلوب» داخلياً، بل من منظور حل وطني للأزمة.

مبادئ العملية: طبيعة الحل وغاياته

حل سياسي يضع نصب عينيه إنهاء الكارثة الإنسانية العاصفة بالبلاد وحقن دماء السوريين وإعادة بناء الدولة السورية بعد الحفاظ على وتدعيم مؤسساتها الرئيسية، وفي مقدمتها الجيش العربي السوري. 

حل سياسي يضع نصب عينيه تقديم إسهامه، وما عليه، لجهة وقف التدخل الخارجي، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية السورية. 

حل سياسي يريد الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، واستعادة دورها الإقليمي على أساس ثوابت العداء للعنجهية الأمريكية والصهيونية، ويضع تحرير واستعادة الأراضي السورية المحتلة على سلم أولوياته الوطنية. 

حل سياسي يدرك حجم الأزمة وأسبابها الداخلية والخارجية وتحديد المسؤوليات فيها دون الاكتفاء بالاعتراف اللفظي بالأخطاء، وإنما تحديد أطر العمل اللازمة لتداركها ومنع تكرارها، أي ما يضمن قيام مساءلة ومحاسبة وتقييم لكل أطراف الصراع. 

حل سياسي يرسم معالم سورية المستقبل، بالمعنى السياسي الوطني، والاقتصادي الاجتماعي، والديمقراطي، على أساس تكامل هذه العناصر وانسجامها وتخديمها لبعضها بعضاً دون تفرد جانب واحد منها، أو تناقضه مع بقية عناصر البرنامج الوطني السوري المطلوب، بما فيه معالم النموذج الاقتصادي الهادف لتحقيق أعلى نسب نمو وأعمق عدالة اجتماعية، بما يكفل ضمناً مكافحة جدية للفساد الكبير، وقيام دور اجتماعي ذكي للدولة يسحب صواعق التفجير الاجتماعي بسبب التهميش والإفقار وتفاوت التنمية. 

الآليات

حوار وطني شامل يجمع كل الطيف السياسي والاجتماعي السوري، يقوم على الجدية والندية والعلنية. حوار يدرك ضرورة الحل الجدي والناجز وأهميته ويتناول موجبات التغيير المنشود، وسبل إحداثه على نحو جذري وشامل وتدريجي وديمقراطي وسلمي، بعيداً عن منطقي الإملاء والاستقواء، أو الانتصار مقابل الهزيمة، وكل الثنائيات الثانوية والوهمية، ليبقى المنتصر الأول هو المواطن السوري، والقوى الوطنية السورية، بغض النظر عن تموضعها واصطفافها الحالي (موالاة- معارضة)، والمهزوم هو كل عملاء الخارج، وكل من يريد استمرار الأزمة لخدمة مصالحه الخاصة، سياسياً أو اجتماعياً أو نهباً وفساداً. 

ويجري لتخديم هذا الحل عبر ذاك الحوار تشكيل كل الهياكل المطلوبة حكومياً وسياسياً واجتماعياً لتعديل كل ما يلزم دستورياً وقانونياً وتشريعياً وفي إطار الصلاحيات وفصل السلطات وإعادة توزيعها لضمان الوصول إلى البنود المتوافق عليها لذلك الحل.

الصعوبات

ولأن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، فلابد من إدراك حقيقة التوازنات الإقليمية والدولية الحالية من أجل فهم تقلب الأوزان، والأدوار بالتالي، وتحديد مدى أهمية، وبالوقت ذاته، محدودية أي حل داخلي أو حتى ترتيب إقليمي دون ضمان ذاك التوازن الدولي الذي يكفل وقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، لكي يسهم في وقف العنف من أي طرف كان، بعد إغلاق الصنابير في وجه المسلحين الإرهابيين والتكفيريين الوافدين من الخارج ومن بحكمهم من السوريين، بما يسمح للسوريين، كل السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الضيقة، بالانخراط في تحييد كل أدوات الخارج وأغطيتهم السياسية ضمن معركة وطنية بوجه الفاشيين الجدد من إرهابين وتكفيريين وداعمين لهم، أياً كانت تجلياتهم ومصادرهم وأماكن اصطفافهم المفترض.

موجبات وآفاق 

إن التغيير الوطني والجدي في سورية هو استحقاق مؤجل، ودفع فيه المواطنون السوريون على اختلاف مشاربهم خلال ممر الأزمة الدموي والمؤلم، أثماناً باهظة، ويدرك كل الوطنيين الجديين في النظام والمعارضات المختلفة أن لا سبيل لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء الآن، ولكن السؤال هو عن محاولات المستفيدين من الأزمة، هنا وهناك، عرقلة عقارب الزمن الآتي، عبر طرح حلول منقوصة أو ترقيعية أو تحاصصية، في الوقت الذي يزداد فيه تخبط الخارج في محاولاته استكمال عدوانه الهادف لإحراق سورية من الداخل، عبر استمرار الاستنزاف، وهو ما يرفضه أي وطني سوري يريد إنهاء الأزمة، ووقف نهر الدماء، وإعلان غلبة الوطن والمواطن والدولة، ولا يريد قطعة من الكعكة فحسب.