نعيُ «الديمقراطية»..!
كانت «الديمقراطيات الغربية» تستند خلال العقدين السابقين في تسويق مشروعها الاقتصادي الاجتماعي السياسي في بلدان الأطراف غالباً إلى نخب ليبرالية، وخطاب ليبرالي، و«ثورات» ملونة. لكن في سياق الصراع على أوكرانيا وما حولها اضطرت هذه «الديمقراطيات» إلى الاعتماد المباشر على قوى فاشية في تسويق ذلك المشروع، من شاكلة «القطاع الأيمن»، فاشية معلنة بشعاراتها وتاريخها وأساليب عملها وديماغوجيتها، ليكشف تطور الأحداث أيضاً أن «الديمقراطيات» تقف خلف تلك الفاشية وتدعمها إعلامياً ودبلوماسياً وتمويلاً.
إن اعتماد دولة مثل ألمانيا، دمرت تدميراً كاملاً في الحرب العالمية الثانية، على قوى فاشية بهذا الشكل السافر، وتبني دولة مثل فرنسا، كانت إحدى ضحايا الوحش النازي في الحرب العالمية الثانية، مثل هذه القوى، إنما يؤكد حقيقة جديدة تضاف إلى الحقائق التي تكشف عن حجم المأزق التاريخي للبنية الرأسمالية كلها، ودرجة التفسخ التي وصلت إليها، وتكشف أيضاً عن محدودية خياراتها في محاولة الخروج من النفق المظلم.
من «الدولة الفاشية»..
إلى فاشية «الشركات الأمنية»!
النموذج الفاشي السابق الذي عرفته البشرية كان نموذج فاشية الدولة الذي اعتمد على الايديولوجيا القومية، وبالتالي كان نموذجاً مشخصاً وملموساً، وأخذت المجابهة معه شكل مواجهة دولية. أما النموذج «الجديد» المعتمد من الرأسمال المالي فله خصائصه الجديدة، بالإضافة إلى ما هو تاريخي. فإلى جانب الايديولوجيا البرجوازية القومية تعتمد الايديولوجيا الدينية، واستعاضت عن فاشية «الدولة» بفاشية «الشركات الأمنية» التي تأخذ تسميات قومية تارة، ودينية «إسلامية» تارة ثانية، ودينية «مسيحية» تارة ثالثة، حسب البيئة التي تعمل بها والوظيفة الملموسة لها ضمن مشروع «الفوضى الخلاقة». وتنشط هذه التيارات الفاشية في بقاع متعددة من العالم، وباتت أداة ابتزاز حتى لحلفاء واشنطن في مناطق عديدة من العالم، تستخدمها في سياق ردع الحركة الشعبية وحرفها عن مسارها، أو سياسة الإحتواء المزدوج لكل القوى النشطة في أي ساحة من الساحات العالمية.
«الفاشية».. واجهة «ديمقراطية»!
نعتقد جازمين أنه في سياق تطور الأزمة ستحاول قوى الرأسمال المالي الدولي تفعيل كل القوى الفاشية في العالم، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وستكشف أكثر فأكثر عن وجهها الديكتاتوري السافر، ولاسيما أن المعركة بالنسبة لها هي معركة حياة أو موت.
كانت المراكز الرأسمالية قبل تفجر الأزمة الاقتصادية الأخيرة تمتلك العديد من الأوراق للحفاظ على التوازن الاجتماعي ضمن بلدانها مستفيدة من تمركز وتركز الثروة من خلال الريعية العالية لعملية التبادل اللامتكافىء بين المراكز والأطراف الرأسمالية، القائمة على النهب والتي استطاعت من خلاله تأمين مستوى معيشي متقدم نسبياً لشعوب بلدانها وإسكاتهم.
ولكن المأزق التاريخي الذي تمر به، والذي أرغمها خلال العقد الماضي على تخفيض الاعتمادات المرصودة للرعاية الاجتماعية، واعتمادها المباشر على القوى الفاشية، يعني عملياً الدخول في تناقض جديد مباشر وأعقد مع شعوبها التي تدفع ثمن التقشف وتعرف بالتجربة الملموسة معاني ودلالات الفاشية ونتائجها الكارثية.
إن التطورات المتسارعة في المشهد السياسي الدولي تؤكد وبشكل قطعي الدرك الأخلاقي الذي انحدرت إليه الرأسمالية كبنية اقتصادية اجتماعية سياسية، بما فيها نموذجها «الديمقراطي»، الذي طالما كانت تتباهى به وتقدمه لـ«نا» على أنه نقيض الاستبداد. فالتوازنات الدولية الجديدة وقلق بيوتات المال في الغرب الرأسمالي على مستقبل النظام، أرغم المراكز الرأسمالية الدولية على اعتماد أسوأ ما في تجربتها التاريخية، أي التيارات الفاشية.