كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي ألقاها الرفيق د. علي حيدر رئيس الحزب
الصديق العزيز د.قدري جميل، الأصدقاء في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين المحترمين: أضحى عرفاً أن نلتقي في مؤتمركم الدوري السنوي، وواجباً أن نشارككم في مناسبتكم من على منبر نشعر أنه يجمعنا، فلا يبقى هناك ضيف ومضيف.
نجتمع معاً، بعامل الروح الوطنية التي ترمي إلى خير الجماعة وسيادتها على نفسها ووطنها، ورفضها ما ليس لها مصلحة فيه. في وحدة حياة لا تتجزأ فيها الناس إلى أقليات وأكثريات، على أي مقياس تم القياس.
نجتمع اليوم، ويضج في رأسي قول: ما أشبه اليوم بالأمس! تحضرني وقائع المؤتمر الماضي فأقول: ليت هذا القولُ صحيحاً، لأن صورة اليوم أشد سواداً من صورة الأمس، ونحن ننزلق أكثر فأكثر إلى مهاوي الصراعات في كيانات أمتنا، كما في عالمنا العربي. ويزداد تخبطنا في البحث عن حلول لواقعنا المرير، في الكثير من الأحيان، إن لم نقل في جميعها، متوسلين الوساطات والرعايات من المحيط الإقليمي، أو المجتمع الدولي، متناسين أو متجاهلين عمداً أو غفلة، أن الوسيط أو الراعي يعمل لأهدافه ومصالحه قبل أي شيء آخر.
ويأتي في طليعة مآسينا مسألة فلسطين الشهيدة، التي تعاني حالة الصراع الدائرة مع العدو المغتصب لها، من أسوأ المراحل تطوراً، بوصولها حد مجاهرة قيادات العدو بيهودية «إسرائيل»، دون خجل أو خوف من عاقبة، وحصولها على دعم أغلب الساسة الأمريكان لهذا الإعلان. كذلك قيام «الكنيست الإسرائيلي» بمناقشة قانون يلزم حكومتهم بالاستفتاء على أي انسحاب محتمل من الجولان والقدس، كتعبير من تعبيرات الزهو والعنت اليهودي، في مواجهة المطالبين بالانسحاب دون قيد أو شرط. إنها لمفارقة حقاً أن يناقَش الأمر على خلفية أن الجولان أرض محتلة، لا يحق لليهود الاستفتاء على الانسحاب منها، وننسى أن حيفا ويافا وتل أبيب والنقب والجليل، وكل ذرة تراب من أرض فلسطين، هي أرض محتلة، فكيف لنا أن نذكر «إسرائيل» و«الإسرائيليين» إلا إذا أغفلنا فلسطين والفلسطينيين؟ وهل يحتاج ذلك لاستفتاء يثبت لنا حقيقة أن فلسطين جزء من أرضنا القومية، وأن الفلسطينيين قسم من شعبنا؟! وهل بقي أمام أحد من أبناء أمتنا، إلا التسليم بأن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير كل أراضينا المحتلة؟!
وبالسياق نقول إن ذلك يتطلب منا جميعاً، تبني موقف واضح والقيام بعمل حاسم للعودة إلى خيار مجتمع الحرب الذي يبدأ العمل له بإنقاذ الأمة من الرجعيين والنفعيين والإقطاعيين، ومن جميع أسباب نكبتها وانحطاطها. وهو ما يقارب قول د.قدري جميل في المؤتمر الماضي في حديثه عن ضرورة العمل على «إيجاد المشروع الوطني المتميز بجذريته». وما الذي يمنع ذلك في «سورية» التي مازالت ترفع شعار الدفاع عن جميع قضايا «المنطقة» ومصالح كياناتها، لأنها تؤمن أنها بذلك تحمي نفسها قبل غيرها، إيماناً منها بوحدة الأرض والشعب، وبالتالي القضية والمصير، فلم تنكفئ عن الاهتمام بالشأن اللبناني أو تتخل عنه، ولم تبتعد يوماً عن الاشتغال في المسألة الفلسطينية وتعقيداتها، ودخلت على الملف العراقي في الوقت الذي أدارت كل دول العالم العربي ظهرها له، والبقية الباقية لم يكن نصيبها من الاهتمام أقل مما ذكر بكثير. «سورية» التي اجتازت كل محاولات العزل والتهميش والتطويع والتركيع، وبقيت في ساح الصراع، ومعها قوى المقاومة والممانعة في فلسطين ولبنان والعراق، هي اليوم بحق في موقع القادر على إدارة دفة الصراع ضد كل المشاريع التي تستهدف تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، عبر حرب تحرير يشارك فيها كل أبناء الشعب، على مختلف ولاءاتهم السياسية والفكرية، وتكون «سورية» الحضن الوطني الذي يؤمن بالمقاومة ويمتلك مقومات صونها.
دون أن ينسينا ذلك الوضع الداخلي في «سورية»، الذي يعاني من بعض المشاكل التي تحتاج إلى حلول تدعم موقفه وموقعه السياسيين، وأهمها الوضع الاقتصادي الضاغط، والسياسة الاقتصادية لفريق اقتصادي طالبْنا مراراً برحيله ومن ثم محاسبته، وذلك خوفاً من عواقب سياسته التي قد تودي بالوطن إلى حضن صندوق النقد الدولي، وتبعات ذلك مما لا طاقة لنا به. أما ما يبشر في الوضع الداخلي «السوري»، فهو الحملة الشاملة التي تقودها الدولة ضد الفساد وأدواته، هذه الحملة الواعدة، بدأت تنعكس إيجاباً على الداخل «السوري»، وعلى أداء إدارته، مع مطالبتنا بأن تتحول هذه الحملة إلى نهج، يسهم بنجاحه جميع أبناء الوطن عبر مشروع إصلاح سياسي منتظر.
وفي النهاية نقول: إننا على استعداد للعمل معاً على المساهمة بـ«المشروع الوطني المرتجى» ليكون مشروعاً لتحقيق مصالحنا الوطنية على حساب المصالح الفئوية والخصوصية للبعض، وبالتالي تحقيق مصلحة الأمة والدولة التي فيها مصلحة لكل مواطن فينا، بغض النظر عن عشيرته وطائفته ودينه واثنيته، وحتى حزبه، وغيرها من الهويات التي تحاول احتلال مكان الهوية الوطنية الجامعة.
نحييكم من جديد، ونتمنى لاجتماعكم النجاح، لأنه نجاح لكل من يجمعهم هَمُّ الوطن ومصلحته، مستقبله..