هل أصبح ضرورة موضوعية فعلاً؟! الحوار الوطني المطروح للخروج من الأزمة.. ما هي شروطه ومقوماته؟!
لأسباب أصبحت معروفة لدى الجميع، نزلت شرائح من المواطنين السوريين إلى الشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة الخالية من المنغصات والصعوبات التي تم فرضها عمداً وعن سابق قصد، وبفعل فاعل، على الحياة المعيشية اليومية للمواطن السوري، وقد جوبهت هذه المطالب بما لا يليق بها في معظم الأحيان، فارتفعت وتيرة الحركة الشعبية، وارتفعت بالمقابل وتيرة الحلول الأمنية لوقف هذه الحركة، وتناوب الطرفان على التصعيد، وظهرت من كلا الجانبين قوى تريد جر سورية إلى الخراب وانعدام الأمان، وكان لهذه القوى أدواتها وأشخاصها الذين تم تجنيدهم لتنفيذ أهدافهم التخريبية.
على مدى عقود خمسة، تم تدمير الكثير من العلاقات والأُطر بين عموم الشعب والقوى الوطنية المدافعة عن قضايا المواطنين، حتى باتت هذه القوى رغم مواقف بعضها الوطنية الواضحة والشريفة، لا تأثير لها على شارع مهمش بعيد عن الحراك السياسي، ورغم ذلك فعند الأزمة ثبت أن الشعب السوري، على مساحة الوطن أجمع، يتمتع بمستوى عالٍ من الإحساس بالمسؤولية والروح الوطنية العالية، وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية، والاستعداد الصادق للتضحية بالغالي والنفيس من أجل الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، ومنعة الوطن وعزته وتطوره وكرامته.
عموماً، بعد نحو شهرين من بدء الحركة الشعبية في سورية، كثر الحديث عن ضرورة الحوار الوطني على أمل التوصل إلى نتائج إيجابية وأشكال ديمقراطية لحل الأزمة القائمة، والخروج منها بتحقيق إصلاحات مبنية على المطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري..
حول مبادرة الحوار الوطني وشروطه ومقوماته ومستلزماته، تباينت آراء المواطنين، بين مشجع على الحوار، وفاقد الأمل بسبب انعدام الثقة بالوعود والتسويفات. ومع نماذج متفاوتة من حيث الاهتمام أو القرب والبعد من المعترك السياسي، كانت لـ«قاسيون» تساؤلات حول شروط الحوار ومقوماته والنتائج المرجوة منه، وكانت لنا اللقاءات التالية:
دخول الحوار دون مظاهر التوتر
ـ الأستاذ إسماعيل، مدرس للمرحلة الثانوية، قال: «لنكن عادلين وموضوعيين وعقلانيين، فالحوار يعني أن تقدم أفكارك ثم الإصغاء للطرف الآخر، للبحث عن مجال أوسع للفهم، واكتشاف النقاط التي من المحتمل الاتفاق عليها، وبدون احترام الطرف الآخر لا يمكن البدء في الحوار، وعلى المتحاورين الترفع عن التأثر بالمشاعر السلبية، وعدم نبش الماضي وكل ما يثير الأحقاد من جديد، وعلى المحاور صياغة مواقفه وعباراته ومطالبه لتكون واضحة ومفهومة أثناء الحوار ولا لبس فيها ولا غموض، ولا نوايا أو مقاصد مخفية يمكن استخدامها فيما بعد للتملص من الوعود والاتفاقات المبرمة أو التسويف في تنفيذها أو الالتفاف عليها، من أجل ذلك، وإظهاراً لحسن النية من كلا الطرفين، السلطة والشارع، يجب على السلطة سحب الدبابات وكافة المظاهر المسلحة من الشارع، والتخلي عن مظاهر العنف من كلا الطرفين، وسحب شعار إسقاط النظام من قبل المتظاهرين، إذ لا يجوز الدخول إلى الحوار تحت شروط وضغوط مسبقة».
ـ مدرس آخر قال: يجب أن يجلس إلى طاولة الحوار من السلطة فقط من له مطلق الصلاحية في إبرام الاتفاقات والعهود والوعود وتنفيذها، وممثلين عن الحراك الشعبي ومن القوى الوطنية التي لها حامل اجتماعي وأرضية وطنية نظيفة، ولها برنامج وطني اقتصادي ـ اجتماعي وديمقراطي، وعلى هذه القوى الوطنية ألا تكون متخلفة عن مطالب الشعب التي سبقت كل الشعارات والخطب السياسية والتنظير، من هنا فإن فتح الحوار الوطني الديمقراطي يكون أولاً برفع الحظر عن ممارسة العمل السياسي الحر، وإطلاق قانون أحزاب عصري ومتطور يضمن للجميع حرية ممارسة العمل السياسي تحت سقف الوطن، فالدعوة للحوار محكومة بالفشل إذا لم يتم إصدار قانون أحزاب يطلق الحياة السياسية من قيودها ويوجِد أحزاباً مواجِهةً لسياسات الحكومة، وتكون هناك منافسة شريفة للتسابق لخدمة الوطن وبنائه، وليس لسرقته وتقسيمه حصصاً وغنائم».
الحوار تحت سقف الوطن غير مُجزّأ
ـ المواطن أبو محمد قال: إن الحوار الوطني يجب أن يكون وطنياً بحق، أي تحت سقف الوطن وليس فقط مجرد شعار ترفعه السلطة بينما هي تستقبل ممثلين عن كل محافظة على حدة، وقد يكون هؤلاء الممثلون لا يمثلون كل أهالي المحافظة أو المنطقة، وقد لا يكون لهم الحق في تمثيلهم أصلاً، فالتمثيل يجب أن يكون تجمعاً وطنياً، للابتعاد عن الانتهازية والنزعة إلى تحقيق الانتصارات الجزئية أو المكاسب التي لا تعني كل الشعب السوري».
ـ المواطن سالم د. قال: «لنتجاوز قضية انعدام الثقة بالوعود ونتساءل: هل الهدف من الحوار الوطني هو انبثاق سورية جديدة حرة ديمقراطية، أساس حكمها العدل وصون حقوق المواطنين والحفاظ على كرامة الوطن والمواطن؟ أم أن الهدف من الحوار هو مجرد تسويف جديد ومماطلة بالإصلاحات التي تسير ببطء السلحفاة بحجة الاستماع إلى مطالب الشعب؟! إن كان هذا هو هدف الحوار فلا حاجة لعقد الحوار أصلاً، لأن السلطة قد سمعت المطالب الشعبية، وفهمتها، وأصبح هناك تصور كامل لها، فلماذا لا تسرّع وتيرة تطبيقها، بدل المحاورة وإضاعة الوقت الذي يزيد من إراقة الدماء والتوتير المتصاعد؟»
ـ الأستاذ المحامي جهاد س. قال: «قبل الحوار يجب على السلطة الاعتراف بالتقصير الحكومي، بل التخريب أيضاً خلال السنوات السابقة في الشأن الاقتصادي ـ الاجتماعي، ولا يجب ربط ذلك أو عزوه إلى انصراف السلطة لدعم المقاومات الصامدة في وجه التحديات الامبريالية الأمريكية والصهيونية، إذ لا يمكن التضحية بالشعب السوري ومعيشته الكريمة وحريته من أجل حرية شعب آخر، بل يمكن النضال على الجبهتين معاً، دون أن تكون إحداهما معوقة أو معرقلة للأخرى».
ـ المواطن الياس أ.ش. قال: «كيف سيحاور الشارع السوري حكومة مازالت تماطل في تنفيذ قرار اتخذته بملء إرادتها، ثم تم التأكيد على ضرورة تنفيذه كمطلب أساسي من مطالب الحراك الشعبي السوري، وهو محاربة الفاسدين والمفسدين، بدءاً من الذين باعوا حدود الدولة ومنافذها للمهربين والمخربين وتجار الأسلحة الذين أدخلوا السلاح غير الشرعي إلى سورية وأوصلونا إلى ما نحن عليه الآن، وصولاً إلى الذين دمّروا اقتصاد الوطن وخاصة الفريق الاقتصادي في الحكومة السابقة وعلى رأسهم النائب الاقتصادي عبد الله الدردري، والذين عندما استُبدِلوا تركوا خزينة الدولة فارغة، وهناك شائعات تقول إن الدولة قادرة على دفع رواتب الموظفين لشهرين قادمين فقط. وبعدها لا يوجد رواتب، فكيف يتركون الناهبين والمخربين دون محاسبة؟! هل يكفي استبدال أعضاء الحكومة السابقة بحكومة جديدة، شكلاً فقط؟ ففيها من رموز الحكومة السابقة ما يشكل علامات استفهام كبيرة! بل وكيف تتم مكافأة الدردري على إنجازه وتعيينه سفيراً لنا في تركيا؟!»
شعب وطني عبر التاريخ
ـ المجاهد أبو أسعد، الذي أكل منه الدهر قرابة قرن من الزمن، أتحفنا بحديث مطول ذي شجون، ثم قال: «لقد قدّم الشعب السوري على مدى التاريخ تضحيات جسيمة من أجل الحرية والكرامة، والسؤال هنا: ماذا يمكن أن تقدم السلطة للحفاظ على هذه الكرامة والحرية؟ وإلى أية درجة مستعدة لتقديم أصحاب المناصب والمراكز والأموال والشخوص الفاسدين وناهبي أموال الدولة، مهما كانت مراكزهم ومستوى حصانتهم، للمحاسبة وتنفيذ العقوبات والإجراءات اللازمة لاسترداد المال العام؟! وهل السلطة جادة تماماً بفتح صفحة وطنية جديدة مع الشعب ومحاسبة المسؤولين عن التسبب بإراقة هذا الدم الوطني البريء الذي نزف من كلا الجانبين ظلماً؟ إن كان من الحراك الشعبي المُحِق أو من رجال الأمن والجيش الذي تم إلهاؤه في معركة ليست معركته، وليس هنا دوره الوطني، فالمعركة الحقيقية هي ضد العدو الإسرائيلي. وهل السلطة مستعدة لفتح صفحة جديدة تدفع لتمتين اللُّحمة الوطنية، والمزيد من المنعة والعزة والكرامة والديمقراطية، وذلك بالإفراج عن كل السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، وإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية الكلمة والفكر في التعبير عن الرأي والمطالب والأخطاء؟! وهل ستسمح للقوى الوطنية بالمنافسة الشريفة عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة؟! وهل سيكون هناك قانون انتخابات جديد عصري وديمقراطي يسمح بإجراء انتخابات حرة نزيهة ليفُزْ بها من يفوز، ويخسر من يخسر؟ وهل سيتم احترام حقوق كل القوميات على قدم المساواة كحقهم في الترشيح وخوض الانتخابات وممارسة حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية على أرضية المساواة الكاملة بين أبناء الشعب السوري الواحد؟! أتمنى للحراك الشعبي السوري المُحِق أن ينتهي إلى حوار وطني حقيقي وشامل، من شأنه أن يُخرِج سورية من دوامة العنف المفرط، أتمنى لصوت العقل أن ينتصر إلى الأبد على صوت الرصاص، فسورية تتجه نحو التغيير ولا أعتقد أن الشعب الذي دفع ثمناً باهظاً للحرية والكرامة والعيش الهنيء وحراكه الوطني، لا يمكن أن يقبل بأقل من العودة إلى حياة ديمقراطية حقيقية تعيد للناس حريتهم وكرامتهم وهدوء عيشهم».
لا أمل مع انعدام الثقة
ـ المواطن أبو سعيد قال: «أي حوار وطني هذا الذي ترجون منه حل الأزمة؟! ومع من؟! مع حكومة مازالت تماطل في تحسين الوضع المعيشي للمواطن السوري؟! أساساً الاحتجاجات قامت للمطالبة إلى جانب الحرية والديمقراطية بلقمة العيش الكريمة وتحسين مستوى المعيشة، وخفض الأسعار وتحسين الرواتب، وبدلاً من تجاوبها السريع والعاجل مع كل ذلك، فإننا نجد أسعار المواد التموينية والاستهلاكية اليوم مرتفعة عنها قبل شهرين، وهذا الأمر يزيد من التوتر، ويعدم الثقة بين المواطن والحكومة ووعودها، ويجعله فاقداً الأمل من نيتها الصادقة على الاستجابة لمطالب الشعب».
ـ صاحب الدكان أبو معروف أكد على هذا الكلام وأردف: «هذا صحيح، هناك بوادر كثيرة وكبيرة لانعدام ثقة المواطن بوعود الحكومة، فكيف يتحاور المواطنون مع حكومة لا يثقون بها؟ فبدلاً من تحقيق المطلب البسيط بخفض الأسعار، والذي كان أحد المطالب الأساسية للمواطنين، نجد أن الأسعار ارتفعت في الأسواق، وهناك في سوق الهال من يهمه الاستفادة من التوتر الموجود لتحقيق أكبر الأرباح في أقصر زمن، ودون رقابة».
ملامح الحوار المرجوة
يجب أن يكون الحوار الوطني نابعاً من إرادة وطنية خالصة وإحساس عال بالمسؤولية والجدية، ويجب أن يشمل جميع أطياف المجتمع السوري، وتكون غايته فقط المصلحة العليا للبلاد والعباد، وقد يكون هذا الحوار بين عدد لا نهاية له من المتحاورين الذين لن يكون بينهم غير سوري، ومن الضروري الاستماع إليهم جميعاً، لأنهم سوريون جميعاً، ولا يمكن خلعهم واستبدالهم بشعوب من الأمم الأخرى، ويجب العمل على إيجاد حلول تعالج مشاكلهم وقضاياهم، وستوثر على مستقبلهم. ويجب على الجميع العمل من أجل أهداف واضحة نبيلة تصب في صالح سورية وحدها، وفي شوارع الناس وبيوتهم وأماكن عملهم. ويجب أن يكون خطاب الحوار منزهاً عن الغموض، ويتحلى بالشجاعة والوضوح والثبات، متسلحاً بقوة الحق والقانون، وليس قوة النار أو التظاهر أو السيطرة.
فلنبدأ قبل الحوار بالتحضير للحوار، ولنجهز العدة اللازمة للجلوس مع الآخر على قدم المساواة، لنيل الأهداف المرجوة من حوار عادل ومنصف للجميع، وللحصول على أكبر قدر ممكن من النتائج في ما يسمى إعادة ترتيب البيت الداخلي..