هل هناك من يريد الإصلاحات صورية فقط؟
صدر المرسوم التشريعي رقم 161 تاريخ 2142011م القاضي بإنهاء العمل بحالة الطوارئ، وحاز المرسوم ما وفاه حقه من النقاش والتعليق والآراء، فقد استبشر البعض فيه خيراً، فيما ترقب آخرون أنباءً عن مشروع قانون مكافحة الإرهاب، في حين لم يعره غيرهم اهتماماً يذكر.
إلا أن صدور المرسوم التشريعي رقم 55 في التاريخ ذاته، المعدل للمادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، و القاضي بأن تختص الضابطة العدلية، أو المفوضون بمهامها، باستقصاء الجرائم والاستماع إلى المشتبه بهم.. لم يأخذ حيزاً مماثلاً من التعليق والمناقشة والتوجيه!
وربما أعرض لحضراتكم، مادة منه، عله يلقى الاهتمام المناسب..
(تختص الضابطة العدلية، أو المفوضون بمهامها، باستقصاء الجرائم المنصوص عليها، في المواد من 260 حتى 339، والمواد 221 و388 و392 و393 من قانون العقوبات، وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها، على ألا تتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام، قابلة للتجديد من النائب العام، وفقا لمعطيات كل ملف على حدة، وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً).
ولو أن المقام يسمح لعرضت لجميع تلك المواد المذكورة بأرقامها، ولكني سأعرض لبعضها..
فمنها.. وهي كثيرة كما ترون، النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، واغتصاب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية، و الفتنة، والإرهاب، والجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء بين عناصر الأمة، ومنها ما يتعلق بالتظاهرات وتجمعات الشغب. والاستقصاء بالتعريف إنما يعني البحث عن جريمة وقعت، إما بناءً على شكوى أو إخبار عادي، أو بناءً على تكليف من النيابة العامة، أو بناءً على معلومات وصلت إلى رجل الضابطة العدلية من أي مصدر كان.
ولا بد من الوقوف أولاً على سلطات الضابطة العدلية الأصلية بدون هذا التعديل، فهي تمارس عملها من خلال.. تلقي الإخبارات و الشكاوى والاستقصاء عن الجرائم وجمع الأدلة، والاستماع إلى المشتبه بهم.
ولا يجوز للمفوضين بمهام الضابطة العدلية – من رجال الشرطة والأمن وغيرهم - أثناء جمع الأدلة إحضار المشتبه به - إلا بإذن النيابة العامة - وإنما تقوم بدعوته بالطرق الإدارية أو بأي طريق ممكن.
ولكن تتوسع سلطات رجال الضابطة العدلية في بعض الأحوال كالجرم المشهود فيكون لها الحق في القبض على مرتكب الجرم وتفتيشه، ونغمض الطرف قسراً، عما كان يتم في ظل حالة الطوارئ حيث لم يكن لسلطاتها حدود.
في حين جاء هذا التعديل.. ليبين أن تلك الإجراءات الخاصة، ستنصرف إلى الجرائم المشهودة وغير المشهودة على السواء في المواد المذكورة.
وبالتالي تتوسع سلطة الضابطة العدلية أو من يفوضون بمهامها.. ليكون لها الحق في القبض على المشتبه بهم والتحفظ عليهم لاستكمال البحث والتقصي والسماع، كما ذكر!
وتابعت التعديلات بجواز التحفظ على هؤلاء لمدة ستين يوماً، بعد موافقة النائب العام، مع التذكير أن التعديلات بموادها قد ضمت كل ما يمكن أن يتضمنه قانون مكافحة الإرهاب!.
والسؤال الذي يطرح نفسه وبشدة، لماذا يصر المشرع السوري اليوم، وبعد كل ما حدث ويحدث، أن يتجاوز قواعد الفصل بين السلطات، ويستمر باختراق سلطات القضاء، في منح بعضها إلى السلطة التنفيذية، وهو بذاته محور قانون الطوارئ وحالته؟!
هل تعجز السلطة القضائية عن تولي مهامها الأصيلة، وخاصة فيما يتعلق بتلك المواد، حتى تحال اختصاصاتها إلى الضابطة العدلية، من ضباط وعناصر شرطة وأمن وغير ذلك، أم إن هذه الجرائم أخطر من جرائم القتل والاغتصاب والمخدرات، ليحال المتهمون في ذلك إلى القضاء، فيما قد يبقى رجل اعتقل بالقرب من تظاهرة للحرية لمدة ستين يوماً قبل أن يحال للقضاء بمجموعة تهم؟.
هل لدى هؤلاء ما ليس لدى القضاء من الوسائل، التي تساعدهم بالوصول إلى الحقيقة، وتحقيق العدالة، وإرساء الأمن والأمان؟!
أم إن ما يقال - عن أن كل من أوقفه ويوقفه رجال الأمن إنما يخرج حالما يصل إلى القضاء - صحيح.. لعدم توفر الأدلة، أو لعدم المسؤولية، أو لأن كل ما اعترف به المتهم لدى أجهزة الأمن انتُزع بأساليب عجيبة؟.
أو إن ما يقال - عن أن ذلك المتهم قد ناله جزاؤه الكافي والوافي في أقبية الأجهزة المحقّقة - واقعي، وربما تكفي الستون يوماً فعلاً لينال المتهم نصيبه العادل؟!.
والخاتمة.. سؤال في عمق رفع حالة الطوارئ التي ألغيت.. فما يبرر قانوناً.. اعتقال البعض وسحبهم من الشوارع، واقتناص آخرين من البيوت، وبقاء مجموعات منهم مجهولي المصير!!
والجواب.. إنما أتاك في متن المقالة..
فهذا - يا سائلي - غدا واحداً من اختصاصات الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها، لا بموجب قانون الطوارئ ولا حالة الطوارئ.. بل بموجب قانون مدني يطبق في حالة اللاطوارئ..
فمن قد يرتكب جرم التظاهر أو أعمال الشغب أو النيل من هيبة الدولة، قد يعتقل من الشارع أو من بيته أو من مكتبه، ودون حاجة لأي إذن قضائي..
وما عليكم إن لم تعلموا عنه شيئاً إلا انتظار سبعة أيام.. أو كحد أقصى ستين يوماً، وسيحال - لا محالة - إلى المحاكم!!
هل هي أحكام عرفية بنكهة جديدة؟ يجب ألا تكون كذلك، فالشعب لن يقبل أبداً..