الحوار الحقيقي ... كيف يكون ؟
ثائر عبد لكي ثائر عبد لكي

الحوار الحقيقي ... كيف يكون ؟

 

أثبتت الأشهر المنصرمة، بما حملته في طياتها من دمارٍ خلفته الحرب العسكرية ما بين الأطراف المتنازعة على الأرض السورية، أن آمال المتقاتلين بتحقيق انتصار يفضي للقضاء عسكرياً على الطرف الآخر بشكل تام وناجز، قد ضاعت هباءً منثوراً.

هذا ما جاء ليثبت ما نادت به القوى الوطنية السورية من حتمية التوجه نحو صراع آخر أشد، أدواته الرئيسية الأفكار والبرامج السياسية، وليفتح الباب أمام العديد من المبادرات السياسية، التي تمهد الطريق بدورها للقطع مع الحلول العسكرية والأمنية، وتهيئ الأجواء لانطلاق الحل السياسي الشامل عبر الحوار..

الحوار حق لكل السوريين

يعتقد البعض أن الاقتصار على جلوس قوى سياسية محدودة، ذات مستوى معين من التطرف، حول طاولة الحوار كفيل بتحقيق الهدف المطلوب من عملية التحاور هذه، والمتمثل في إيجاد المخرج الآمن من الأزمة السورية. فيتهيأ للبعض أنه من الكافي أن تكون أطراف الحوار مُمثَّلة بقوى التطرف في النظام السوري، ونظرائها في بعض القوى المعارضة. مما يؤمن انتقال أطراف الصراع، بشكلٍ أسهل، لاعتماد «الخطة ب» المتجسدة في التوافق على أساس تقاسم الوطن بين فاسدي الطرفين. مما يعزِّز قدرة الأقلية الناهبة على ممارسة المزيد من الضغط على الأكثرية المنهوبة..

ويذهب البعض الآخر إلى التخوف والهلع من طرح ضرورة مساهمة المسلحين السوريين الراغبين باللجوء إلى الحل السياسي في طاولة الحوار. ضارباً بعرض الحائط أن عدداً لا بأس به من هؤلاء المسلحين مستعد للتخلي عن سلاحه فيما لو رأى جدية في التعاطي مع مطالبه، فينطلق أصحاب هذا الرأي من رؤيتهم الجامدة وخلطهم المتسرع ما بين أنواع المسلحين، لتعميم ماهية المسلحين الجهاديين التكفريين على باقي الفصائل المسلحة في سورية.  

يبدو جلياً زيف هذه الاعتقادات بالمجمل، إذ أنه لا وجود لحلٍ حقيقي لم تشارك به جميع مكونات الشعب السوري، على اختلاف مشاربها ورؤاها السياسية، فانطلاقاً من كون جوهر الحل هو البحث في سبل إزالة المسببات الحقيقية للأزمة، المعبَّر عنها بالتناقض الاقتصادي –الاجتماعي والوطني بشكلٍ رئيسي، فلا بدَّ لكل قوة سياسية من أن تشارك في طرح برنامجها السياسي، الذي سيكون حجم التأييد الشعبي لهُ هو الفيصل في ثبات موقعها التفاوضي على طاولة الحوار..

الباب المغلق يعرقل الحل

تأتي المبادرات التي تتوالى في الوقت الراهن، تعبيراً عن نضوج الظرف الموضوعي لتغيير أدوات الصراع، هذا ما يتطلب البدء بالحوار في أسرع وقت ممكن، مما يجنب البلاد المزيد من الوقت المهدور المترافق مع تهديدات حقيقية للمجتمع السوري وبنيته. إن الإسراع بإطلاق العنان للحل السياسي إذ يفرض نفسه كضرورة مُلحِّة على السوريين، إلا أنه لا طائل منه إذا كانت العملية ستنتطلق بالقوى التي وافقت على الجلوس اليوم فقط..

بعض القوى ستنضم لطاولة الحوار في اليوم الأول الذي ستُفتتح فيه أعمال هذه الطاولة، لأنها تعي تماماً أن الحوار هو السبيل الوحيد الكفيل بتحقيق عملية التغيير التي يتطلبها المجتمع السوري أكثر من أي وقتٍ مضى. وبعضها الآخر تعوَّد أن يخضع كل العمليات السياسية لمنطق التجريب، فلن يدخل الحوار إلا عندما يلامس فيه الحد الأدنى من الجدية المطلوبة. وآخرون لن ينخرطوا بالعملية السياسية إلا عندما يهدِّد عدم دخولهم هذا وجودهم كتكتل سياسي له تمثيله الشعبي المحدد..

من هنا، إذا كان بالفعل يحرص مُطلقو هذه المبادرات على إنجاح الحل السياسي، فالمطلوب منهم الضغط والعمل على أن تكون طاولة الحوار مفتوحة أمام الجميع للالتحاق بها حينما يريد، أو حينما تفرض الضرورة الموضوعية عليه أن يسارع الخطا كي يكمل إنضاج ظروفه الذاتية لتتكيف مع هذا التغير الطارئ على ماهية الصراع.. والمطلوب أكثر من ذلك، العمل على ألا يأخذ الحوار شكل المحاولات السابقة، بحيث تكون العملية محكومة بفترة زمنية مُحددة، فعلى الحوار أن يأخذ مداه الزمني اللازم ليتم بالطريقة الأفضل والأكثر شمولاً وتوافقاً، فصحيح أن البلاد لا تحتمل الفترات الزمنية الشاسعة التي تفصلنا عن الحل، إلا أنها كذلك لا تحتمل أنصاف الحلول أبداً!

الحوار دون الحركة الشعبية؟؟

بوصفها جزءاً من الفئات السورية المتضررة من مجموع السياسات التي جارت على السوريين جميعاً، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لا يمكن لحوار حقيقي بين الفئات المكونة للمجتمع السوري أن يستثني من عداده الحركة الشعبية، التي لها هي أيضاً المصلحة في رسم معالم سورية الجديدة القوية. في الواقع، لقد اتسم المزاج العام للحركة الشعبية بالاتجاه تدريجياً نحو الحل السياسي والحوار، ولكن التساؤل حول كيفية مشاركة الحركة الشعبية بالعملية السياسية، يحتاج لعملية بحث عميقة في الوسائل والسبل الكفيلة بتحقيق هذه المهمة الملَّحة على القوى الوطنية في سورية، مما يتطلب تضافر جهود هذه القوى لتتمكن من إنجاز المهمة التي تكاد تكون الأصعب والأشق على الوطنيين السوريين.