الأزمة السورية بين الثابت والمتغير.

الأزمة السورية بين الثابت والمتغير.

 

تتجه المواقف المتعلقة بالأزمة السورية شيئاً فشيئاً نحو المزيد من الحدّية و الاستقطاب، وذلك أمر طبيعي من وجهة نظر المصالح الآنية المتضاربة للقوى الفاعلة في الازمة الموالية منها والمعارضة.

سنفترض هنا حسن النية عند الجميع، ونناقش الأفكار كما هي، دون إطلاق الأحكام، ولاسيما أن كل طرف ومنذ بداية الأزمة  يغلف مواقفه بما هو أخلاقي تارة باسم الوطن ورد المؤامرة، وتارة أخرى بالبكاء على الدم السوري وحقه في اختيار النظام السياسي الذي يريد.

من ألف باء علم الاجتماع السياسي، قراءة الظاهرة التاريخية قراءة علمية، من خلال فهمها بأبعادها المتعددة، أي تحقيق الشرط المعرفي الشرط الذي لايمكن الاستغناء عنه في بناء اي جديد حقيقي، ولا سيما أن الكل يقر اليوم بأن سورية أمام منعطف تاريخي يحدد مصيرها اللاحق لعقود من الزمن ضمن دورة التاريخ، فما موقع خطاب ومواقف القوى المتصارعه، وما هي درجة الشعور بالمسؤولية تجاه مصير البلاد في هذا الخطاب وهذه المواقف؟

ثوابت خارج دائرة الجدل: 

في أزمة بهذا العمق، مقدمتها ضرورة التغيير وانطلاق حركة شعبية مشروعة ومبررة بالمعنى الموضوعي، وفي اي بلد من بلدان العالم، وحسب التجربة الملموسة، يجب الفصل بين الثابت والمتغير، الثابت هنا هو التاريخي والموضوعي أو الاثنان معاً، فكثيراً ما يتطابق الاثنان في الظرف السوري، فما هي الثوابت السورية؟

لا يمكن لأي كان أن يتجاوز ضرروة الحفاظ على البلاد كوحدة جغرافية سياسية، ولا يكفي هنا إلا علان عن ذلك فقط بل يجب أن تخضع كل المواقف والسياسات والرؤى لهذه الحقيقة، فلامعنى لإسقاط نظام في بلد بات وجوده مهدداً، ولا معنى لرد المؤامرة بهذه الطريقة البائسة على بلد صار قاب قوسين أو أدنى من أن تذروه رياح الازمة.

التغيير بات هو الآخر من الثوابت الوطنية السورية، لأنه لايمكن الحفاظ على وحدة البلاد في الظرف الراهن، إلا عبر عملية تغيير حقيقية، تستند على ما أنجزه الشعب السوري تاريخياً، بعيداً عن العدمية الوطنية أو إنكارخمسة عقود من تاريخ سورية مهما كان الموقف من النظام الذي قاد البلاد في هذه المرحلة.

من حق كل طرف أن يسعى لتحقيق أهدافه السياسية، ولكن ليس بالقفز فوق هذه الثوابت، فهذه الثوابت ليست ملك هذا وذاك وهي معطى موضوعي تاريخي، ما يمكن تغييره هنا هو الادوات، ومن الطبيعي أن يكون لكل طرف أدواته، لكن  الذي حصل واقعياً أن طرفي الصراع لم ينطلقا من هذه الثوابت الوطنية، ودخلا في صراع لاأخلاقي أدخل الجميع في مأزق تاريخي، وذلك لأن طرفي الصراع لم يتفهما الجديد في سياق التطور التاريخي الموضوعي، فالنظام ظن أنه بامكانه تجاوز هذا الجديد ببعض الاصلاحات الشكلية، وجرعة من العنف، في حين أن الآخرين ظنوا أنه بامكانهم اسقاط النظام بالضربة القاضيه، الأول تجاهل أن حجم التناقضات في المجتمع،لايمكن احتواؤها لا بهذا المستوى من الإصلاحات، ولا بالقمع فأطلق العنان للأخير متناسياً أن كل دورة عنف تستوجب وتولد أخرى حتى أصبحنا أمام متوالية عنف....... الثاني، ظن أن بامكانه التقاط الموجة الجماهيرية، ولم تسمح له رؤاهُ، بمعرفة البعد التاريخي في ظاهرة عودة الجماهير إلى الشارع، والأهداف التاريخية التي تريد هذه الجماهير تحقيقها، ولم يقدّر هو الآخر تقديراً صحيحاً قوة الطرف الآخر، ولم يأخذ بعين الاعتبار أهمية موقع سورية في المعادلات الاقليمية والدولية، اي أنه لم يقدر موازين القوى تقديراً صحيحاً فاستطاع بما يملك من أدوات، أن يحدث عملية انزياح ولو مؤقتة للحركة الجماهيرية.. مواقف وسلوك كلا الطرفين يكاد يجهز على أهم الثوابت الوطنية، وقاعدة أي فعل وطني وهو الحفاظ على البلاد كوحدة جغرافية سياسية.

ضمن هذا الفهم من طرفي الصراع، أصبح الثابت متغيراً، والمتغير من الثوابت، فأصبح الهدف الوحيد للنظام الحفاظ على موقعه، وأصبح الهدف الوحيد للطرف الآخر ازاحة  النظام من موقعه، لتكون النتيجة واحدة وهي الاطاحة بعملية التغيير، وبالتالي وضع مصيرالبلاد على كف عفريت العنف، بما يفتح الباب لصراعات مركبة تتمظهر بشكل طائفي أو عرقي او ديني، وتتغير على اثر ذلك كل احداثيات الصراع الدائر.