أي إصلاح؟

أي إصلاح؟

سنة ونصف من عمر الأزمة السورية مضت تاركةً خلفها منظومة كاملة من المتغيرات التي أصابت بنية العلاقات السياسية في نسيج المجتمع السوري، ولعل أولها هو الانفتاح الشعبي العام على تداول المواقف السياسية،هذا الانفتاح الذي كان عُرضة للتشويه والانحراف المقصود بواسطة «أدوات المواجهة» لدى طرفي الأزمة السورية.

يكاد يكون البحث عن مصطلح سياسي واحد لم تطله سلسة التشويه هذه،أشبه بالبحث عن «إبرة في كومة قش»، أحد أهم هذه المصطلحات هو مفهوم الإصلاح السياسي الذي كان لهُ نصيب وافر من الحملة الشعواء التي نالت من المعنى العلمي الدقيق لهذا المفهوم، حيث عمل المتطرفون في النظام على تصويره بمثابة «تنازل» لمصلحة الفئات المُهمشة في طول البلاد وعرضها، بينما روج نظيرهم بالتطرف في صفوف المعارضة السورية للقول بأن الإصلاح السياسي ما هو إلا تخلي عن «المبادئ الثورية» لمصلحة الفئة الحاكمة في سورية،حتى بات المكان في ميزان حساباتهم لكل من ينادي بالإصلاح السياسي هو كفة النظام لا محالة، مما يُحتم إعادة الوصف الحقيقي لمفهوم الإصلاح السياسي، ومعرفة المسافة الفاصلة ما بين الإصلاح كأداة سيطرة، والإصلاح كأداة إعادة تموضع للسلطة في يد الشعب.

الهدف هو العلامة الفارقة :

لا يمكن أن تكون عملية تحديد نوع الإصلاح صائبة إلا إذا كانت دراسة الهدف منه هي المنطلق الأول في إضفاء الصفة عليه،والأهداف متعددة بتعدد الأجسام المدروسة،فلا يمكننا أن ننكر وجود من يرغب في استخدام الإصلاح كأداة لتفريق صفوف الجماهير الكادحة عبر الإلتفاف على مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على سلة إصلاحات ليبرالية، يبسطها لهذه الجماهير بيد،ويتلقفها بالأخرى،مجيشاً ثُلة من «المحنكين» سياسياًوظيفتهم الشرح المطول للقابعين أمام وسائل الإعلام عن مزايا الإصلاح المنشود،فيحقق بذلك تأبيد سيطرته على جموع المنتجين بعرقهم،كما أنه وحده من أراد فقأ إحدى عينيه كي ينأى بنفسه عن حقيقة المشهد كاملاً يستطيع أن ينكر وجود من يناضل من أجل الإصلاح، ذاكَ الإصلاح الذي من شأنه استغلال أي ثغرة مهما كانت بسيطة في سبيل تطوير وتوسيع النضال الطبقي بمزيد من «العناد ضد العبودية المأجورة»،في الواقع لا يمكن أبداً إسقاط صفة الثورية عمن يُطالب بالإصلاح إنطلاقاً من دراسة الظروف الموضوعية للوسط السياسي الذي يشغله،ولا سيما إن كان الإصلاح المطلوب هو هدفاً مرحلياً ذا سمتين اثنتين، أولهما تأمين الخروج الآمن والناجز من الأزمة السورية،وثانيهما هو تمهيد الطريق للحركة العمالية عبر تذليل الصعاب التي عانت منها لعقود طويلة وحالت دون توحيد نشاطها في إطار سياسي له ثقله كلاعب أساسي على الطاولة السياسية السورية.

الأكثرية المهمشة إلى جانب من؟

بعد تلاشي العتمة المقصودة التي تمنع السوريين من تحقيق رؤية سياسية أوسع بات واضحاً وجود تيارين متناقضين داخل التركيبة العامة لجهاز الدولة السورية، أحدهما يريد زج الإصلاح في خانة «التكتيكات السياسية»،والآخر يريد منه أداة للنهوض بالبلاد من جهة والحركة الشعبية من جهة أخرى، من هنا،فإن الإجابة عن موقع الأكثرية المُهمشة بات مرهوناً بمنطق رد السؤال بالسؤال، أي الإصلاح نُريد..؟