كيف نفهم الحوار والمصالحة الوطنية
غالباً، وما أن نبدأ بالحديث أو الكتابة للدعوة إلى الحوار والمصالحة الوطنية حتى يستوقفنا بعض القلقين الغيورين على سلامة الوطن، محذرين من سذاجتنا في فهمنا للحدث، وجازمين أن كلّ ما يجري من أحداث يندرج في إطار المؤامرة الكونية وأن لا حل للمشكلة إلا بقوة السلاح، وأن لا معنى للحوار والحل السياسي فلا يمكن «للدولة» أن تتعامل بالحسنى مع السفلة والحثالة والمرتزقة.....، فندرك مباشرة أن لا بد من تعريف للمصطلح وللمفردات قبل الغوص بتفاصيلها وأبعادها، فعلى ما يبدو أن للبعض نزعة سياسية مبرمجة لفهم وتبني خاصة المعنى لا شمولية المضمون.
نفهم الحل السياسي بأنه إدارة معالجة المشكلة (الأزمة السورية) من مستوى الرؤية الأعلى أي مستوى شمولية الأسباب التي تستوجب رؤية واضحة لشمولية الحلول. في الحل السياسي توضع على بساط البحث مجمل الحلول الممكنة وفق جذور مسبباتها: الثقافية، الإجتماعية، الدينية، البيئية، الإقتصادية، المحلية، الإقليمية، العالمية.... ووفق هذه الرؤية الشاملة يتمّ وضع البرامج الجادة والمسؤولة مع تحديد تقاطعاتها وما يمكن أن تحمله من إيجابيات أو سلبيات، هذا يمكن تحديده بزمن أما الحلول العسكرية فلا زمن لها بل يترك زمنها حتى إنهيار أحد طرفي الصراع.
إن العاطفة الصادقة، لدى البعض الحريص حتماً على سلامة واستقرار الوطن، تدفعه لتبني الحل المسلح أي الحل الأقصر الذي يرضي الفعل الحسي والعاطفي، لكن هذا الحل يعرف بالفهم السياسي على أنه الحل القسري الأقصى أو الحل الأرعن، لأنه في أي صراع يكون الحل المسلح آخر الحلول بعد استنفاذ الخيارات السياسية.
إن السلاح هو أداة من أدوات الإدارة السياسية للمشكلة من حيث المضمون، وهذا ما يبرهن عليه تاريخ الحروب التي كانت تنتهي (ولا بد أن تنتهي) بالحوار السياسي، كطريق حتمي في معالجة أسباب كانت في جذورها سياسية (بالمعنى العام للسياسة فالبعض يعتقد أن السياسة هي فن المراوغة والخديعة خلافاً لحقيقتها كفن في إدارة تنفيذ الممكن).
هل إيماننا وحبنا وثقتنا بالجيش العربي السوري يتناقض مع رأينا بأن الحل العسكري هو فخ لنزوات العنف الذي لا بد وأن يقابله عنف من الطرف الآخر. إن النصر لأي عنف لا يتحقق إلا بعد استسلام العنف الآخر المصحوب غالباً بالدمار.
سبق أن طالب الصادقون والحريصون على وحدة الوطن بالحوار، لكن الحوار تأخر أو أو أجل عن وعي أو لا وعي، واستخدم الخيار العسكري بدفع متعمد من الخائفين من حقائق ونتائج هذا الحوار وما يترتب عنه من التزامات من طرفي النزاع، وها هو العنف المدمر يعمّ وينتشر حتى بات البعض، ومنهم من رفض الحوار سابقاً، ينبئنا ويهيئنا نفسياً لحرب أهلية.
إن الدعوة للحوار والمصالحة الوطنية لا تعني بأي حال من الأحوال الاستسلام لمخططات الغرب أو لممثليها من قوى الإرهاب وعصاباته المسلحة الممولة دولياً وإسلامياً، لكنه بالتأكيد المسار الذي يضمن تجفيف منابع وقوده البشري الذي يذهب ضحيته شباب مغرر بهم من أبناء هذا الوطن، الذين ولا شك يعيشون تحت سيطرة مزدوجة الجهل والثأرية، وثنائية الموالاة البائسة والمعارضة المخدوعة.
هل الحوار صعب بين طرفين غير متكافئين أسياد وعبيد، هل السلطة فوق الشعب أم من أجله. إن شباب الحراك الشعبي ليسوا أكثر من رجال سرق حلمهم بالتغيير عصابات مسلحة تنفذ برنامج الغرب الإمبريالي المتحد بالجوهر مع حلفائه المتأسلمين.
إذا كان من الصعب الحوار بين هذين الطرفين غير المتكافئين فماذا نسمي إذن نشاط سورية في مجلس الأمن، هل يفضل دعاة الحل العسكري إعلان الحرب على الولايات المتحدة الأميركية وحلفها الكوني من إمبرياليين وإسلاميين، وماذا نسمي المفاوضات التي خاضتها سورية عبر تاريخها، وإذا كانت المفاوضات غير صعبة مع دولٍ استعمارية سلبت خيراتنا وكيان صهيوني سلب أرضاً لنا، فكيف يكون الحوار صعباً مع أبناء الوطن ولو أخطؤوا في اختيار سبل نضالهم من أجل الخبز والوجود والكرامة.
نقول إن الحوار والمصالحة الوطنية هو مسار سياسي لا ينفي العمل العسكري بل يديره ويتحكم به وفق المنطق والمنظور السياسي ويوجهه وفق مستلزمات مصلحة الحوار والمصالحة بين أطراف النزاع من أبناء الوطن، وهو حل يأخذ بالاعتبار عناصر المشكلة مجتمعة لا خاصتها.
إنه لمن السهل تبني الحل المسلح لأن فيه تعزيز لرفض الآخر، أما نحن فسنناضل من أجل الحوار والمصالحة الوطنية وسنتذكر يوماً أننا أنقذنا وطننا باعتمادنا هذا الطريق خياراً سياسياً وطبقياً مسؤولاً وأنقذنا عبره كيان مجتمعنا وضمنا سلامة أبنائنا من القتل أو التهجير والتشرد والاغتراب.