حول الشعارات
قرابة سنة ونصف مرت على الاحتجاجات السياسية والمعارك الحربية الواسعة التي أصبحت سمة تطبع العلاقات المعبرة عن خاصية الأزمة السورية، وخلال تلك الفترة كانت معركة أخرى تدور وتتناول الشعارات التي تطرحها المعارضة وتطرحها السلطات السورية.
أن تجر دراسة الشعارات على مساحة الوطن تلخص الكثير من مسائل الخلاف بين «النظام» و«المعارضة». وقد بات شائعاً في الأنشطة السياسية والدعائية الشعارات السياسية التي طرحتها المعارضة وكان من بينها شعران أساسيان هما شعار «تغيير النظام» وشعارآخر هو المطالبة «بتنحية الرئيس» و«رحيله».
أما النظام فقد وضع عدداً من الشعارات ومنها شعار الإصلاح أي (إصلاح النظام) كما طرح خلال تلك الفترة شعار التشاركية والتعددية. وتخطى عراك الشعارات ذلك وصولاً بالمعارضة إلى طرح العديد من الشعارات المرتبطة بالحريات الديمقراطية وبخصائص الدولةبما فيها دولة الديمقراطية، الدولة المدنية، دولة القانون والكرامة وحقوق الإنسان، وكان في مقابل ذلك «دولة الممانعة» دول دعم المقاومة.
أخطر ما في معركة الشعارات، يكمن في عدم التمييز بين النظام بمفهومه العام الشامل من جهة وبين السلطة السياسية من جهة أخرى، ومن المؤكد أن ذلك لم يكن جهلاً بالمفهومين ولكنه كان دريئة تستطيع العديد من الآراء تمرير ما تريده من أفكار أو نقد لهذا الجانب أوذاك.
كانت كل الموبقات الاقتصادية تبرز باعتبارها ميزة النظام وغاب التحديد العلمي الذي جوهره أن السلطات السياسية هي التي تقرر التوجهات الاقتصادية ومساراتها العامة والقوانين الناظمة لها، ويأتي دور هيئات من النظام مثل مجلس الوزراء أو الفريق الاقتصادي لإيجادالصيغ الملموسة لنفاذ وتحقيق تلك التوجهات وجعلها واقعاً موضوعياً، وقد أضيف إلى ذلك عدم التمييز بين السلطة السياسية والنظام في موضوع التناقضات، ومن البدهي القول إن أي نظام ينتج تناقضاته وأن ساحة الحامل المادي المكون للنظام متعددة ومتنوعة ويدخل فيهذا النطاق الهيئات ذات الخاصية غير المباشرة.
إن المفارقة الأكثر جهلاً تكمن في المطابقة بين السلطة السياسية والنظام، وتبرز هذه المفارقة في تلاعبات لفظية عن التناقضات في النظام وجرها بهذا الشكل أو ذاك وكأنها تناقضات في صلب السلطة السياسية وغابت في دراسات الفكر السياسي موضوعة دراسة السلطةالسياسية وتبيان طابعها ووظيفتها الطبقية والاجتماعية وأساليبها وممارساتها في إدارة شؤون البلاد ومعالجة المسائل السياسية الداخلية.
أما الخلط الفكري السياسي الآخر هو أن النظام مجموعة محدودة من الأشخاص وأن التغيير هو الاستغناء عنهم، والحقيقة التي لابد منها هي أن شعار تغيير النظام يفقد عمقه بتلك الشخصية، ويغيب عن الفكر أن تغيير النظام هو مجموع عمليات اقتصادية وسياسية ترمي إلىتغيير بنية وجوهر وشكل علاقات الإنتاج السائدة، وقد حوصر مفهوم النظام حتى أصبح لا يشمل سبل وطرائق تكوين السلطة السياسية، وقد كان ذلك خاصية «الثورات» العربية الراهنة رغم اختلافاتها وتمايزاتها، والمهم هو تأكيد أهمية العلاقات السياسية ودورها فيمختلف الميادين وإبعادها عن فهم ميكانيكي وتجاهل الفهم الماركسي الذي يراها في النتيجة محولاً ومؤثراً فعلاً في مختلف العلاقات الاجتماعية والإيديولوجية. وبذلك فإن المعنى والمضمون المباشر للثورات التي جرت هو تغيير العلاقات السياسية وجعل الشكل الديمقراطيهو السائد في تأدية السلطة إن المعركة الدعائية أيضاً وحدت موادها على الصعيد العسكري، فبعد فترة تمركزت المعارضة على موضوعة «الجيش السوري الحر»، وكانت الصورة الملموسة قد برزت بشعارات منها «الله ينصر الجيش السوري الحر»، كل الدعم للجيشالسوري الحر، الجيش السوري الحر حامي المدنيين، ومقابل ذلك كانت شعارات مقابلة وكان منها «حماة الديار»، «جيش العروبة»، «حامي الحدود» وغيرها من الشعارات، وكان ذلك العراك مدخلاً لآراء متضاربة عن دور الجيش السوري في المسائل الوطنية المفصليةمثل تحرير الجولان، يضاف إلى ذلك أن أوساطاً عديدة من المعارضة ارتكزت شعاراتها على تحول الجيش عن مهامه الوطنية وحاصرته بحماية النظام، وفي المقابل فإن السلطات السياسية لم تبخل في هجماتها الدعائية على «الجيش السوري الحر» وغاب عن الاهتماممسألة كبرى وهي انعكاسات الأزمةعلى الجيش، وجرت في البداية استهانة بظاهرة الانشقاق وبرزت موضوعة الجيش العقائدي باعتبارها مكوناً إيديولوجياً يضمن تماسك الجيش وعقيدته وتمركز الفكر عند الإمكانات القتالية للجيش، وجرى تصويره وكأنه كيان خارجنطاق التفاعلات الاجتماعية، وفي كل ما يطرح لا نجد كلمة عن خيوط ترابط بين الجيش الأم والجيش الحر الوليد وكأنا أمام جيشين من دولتين بينهما عداوات تاريخية ألا نجد كلمة أنهما من وطن واحد.
إن الواقع المتكون على الأرض السورية لم يقف عند ذلك، وطرحت مؤخراً شعارات أبرزها «حرب التحرير الشعبية» وهي ذات جوانب متناقضة وخطرها أنها أضافت إلى الساحة السورية قوة عسكرية ترتبط مباشرة بتنظيم مشبوه إن تعدد المكونات القتالية المعارضةيؤدي إلى صراعات مستقبلية تأتي على كل قوة سورية، ناهيك عن أن العمليات تخرج عن نطاق السيطرة وتدخل في الأرض السورية أشكالاً من القتال غير مألوفة، وبطبيعة الحال فإن السلطات السورية أنشأت مكونات عسكرية جديدة تدخل في نطاق قوى حفظ النظام،لكن تلك القوى لها استقلاليتها وطرائقها في التعاطي القتالي والاجتماعي، أما الخطر الآخر فهو تحول قوة في إطار سعي لأسلحة الدولة، وليس إلى بناء دولة مدنية، أنضيف أن تاريخ سورية يصبح لاحقاً تاريخ ممانعة أمام تلك التكوينات العسكرية التي تصطبغ أكثر فأكثرباللون والتأثير الطائفي، وليس مصادفة أن شعار «واحد.. واحد..» تراجع عن أن يكون شعاراً ثابتاً ودائماً.
ألا يمكن القول إن «واحد.. واحد..» يتحول إلى مختبر يكشف الحقائق على الأرض التي تصاغ في معارك تتعدد وتتنوع هياكلها التنظيمية العسكرية وتؤسس إلى وأد «واحد.. واحد..» وعندها ينتصر النظام ومعارضة (المجلس الوطني) اسطنبول.
كانت حصيلة الشعارات إبعاد استراتيجية الحوار، وترسيخ التوجه نحو استراتيجية «الحسم والنصر»، وبات العنف دليل القوة والوطنية، واستمرت شعارات تتناقض مع الدستور والقوانين الوطنية والدولية، وتحولت السياسة إلى رهينة لإستمرار العنف الذي أصبح هدفاً بحدذاته، يظل أن نؤكد أن الوضع الدولي بطبيعة قواه الأساسية، يدفع قدماً بالعنف لتحقيق استراتيجيات دولية وإقليمية وأصبح الوطن بحاجه إلى شعار «لا للحرب».