الاشتراكية هي الحل

الاشتراكية هي الحل

عشرون عاماً مضت، والرأسمالية تعدّ نفسها النظام المنتصر والنهائي على الكرة الأرضية، رغم أنها لم تستطع أن تحل أية مشكلة حقيقية منتصبة أمام البشرية، بل أوصلتها جميعها إلى طريق مسدود نهائياً.. فهي نفسها في مراكزها، في أزمة عميقة ترفع من حدة الصراع الاجتماعي داخلها، ووصل تناقضها مع كل شعوب الأرض إلى درجة مستفحلة مهددة إياها في حياتها بالمعنى الحرفي للكلمة، ولقمتها البسيطة.. بل إن الطبيعة انضمت إلى البشر مستغيثةً وطالبةً يد العون ضدها وضد مساوئها وتخريبها..

إن العقدين الذين مضيا لا يؤكدان أن لا مستقبل للرأسمالية فحسب، بل يؤكدان أيضاً صحة تنبؤ مؤسسي الماركسية بأن الخيار أمام البشرية هو الاشتراكية أو البربرية.. بل إن الحياة تجاوزت تنبؤهما الصحيح لتقول إن الخيار أصبح أخطر، وهو اليوم بين الرأسمالية وبين بقاء البشرية نفسها..

والحقيقة الواضحة اليوم هي أن كل مشكلات البشرية على المستوى الكلي والجزئي، على مستوى العالم كله، وكل بلد على حدة، سببها الأساسي التوزيع غير العادل للثروة، والذي وصل نتيجة تمركز الرأسمال إلى مستوى لا سابق له وغير معقول.. بل كارثي!.

إن تطور الرأسمالية السابق قد شهد نمواً شاملاً للقوى المنتجة في بادئ الأمر، ومن ثم نمواً انتقائياً تجلى في بلدان المركز بالدرجة الأولى على حساب الأطراف، لكن اليوم انتقلت الرأسمالية إلى مرحلة اللانمو في المركز والأطراف، وهي أزمة مستعصية لا حل لها بالطرق التقليدية التي تعودت عليها، ألا وهي الانتشار أفقياً جغرافياً في الأرض من خلال الاستيلاء على المستعمرات والأسواق.

والأسوأ من ذلك أن الطابع الطفيلي الريعي للرأسمالية أصبح هو السمة الغالبة على نشاطها، وهذا ما يؤكده أن الفروع المرتبطة بإنتاج المال وليس إنتاج السلع هي الرابح الأكبر اليوم في الدورة الاقتصادية الرأسمالية، ما يعزز سلطة الرأسمال المالي العالمي ونفوذه السياسي والاقتصادي المطلق.

والقول هكذا، فإن تجربة بلادنا التي تخوض نضالاً وطنياً عادلاً ضد مخططات الإمبريالية الأمريكية- الصهيونية من أجل تحرير أراضيها والدفاع عن سيادتها الوطنية، تؤكد أن الرأسمالية- حتى المخففة بدور اجتماعي ما للدولة- أصبحت غير قادرة على إنجاز ما كانت قادرة على إنجازه سابقاً في العقود السابقة. فهذه العقود شهدت نمواً رافقه دور اجتماعي معقول للدولة حافظ على مستويات المعيشة من الانهيار، ولكن التجربة الحالية تؤكد أن النمط الرأسمالي للتطور لا يمكن أن يتوافق مع ثلاثة أمور هامة، بل هو نقيضها المباشر، وهي:

1 ـ النمو الاقتصادي الضروري لتغطية نسب النمو السكاني.

2 ـ منع مستوى معيشة أوسع الجماهير من التدهور، ولا نقول تحسين مستوى المعيشة هنا، بل نقول فقط الحفاظ على مستوى المعيشة السابق، حتى هذا وهو أقل ما يمكن، تبين التجربة الملموسة أنه أصبح غير ممكن في ظل اقتصاد السوق الرأسمالي.

3 ـ منع ازدياد تشوه بنية الاقتصاد باتجاه الميل نحو الفروع الخدمية غير الإنتاجية.

والمشكلة أن الواقع الموضوعي وضرورات المواجهة وما تتطلبه من زيادة لحمة المجتمع، تتطلب إحداث انفراج اقتصادي- اجتماعي ملموس النتائج بالنسبة لكل مواطن سوري، أي أن التطور يجب أن ينعكس إيجابياً على الأجر وأسعار السكن والوقود والكهرباء والماء والتعليم والصحة، وهي الأمور الضرورية للحياة اليومية التي لا يمكن أن تدخل بحال من الأحوال في مجال الاستهلاك الترفي غير الضروري. بينما اتجاه التطور يؤكد يومياً انخفاض الأجر الحقيقي، وارتفاع أسعار السكن والوقود والكهرباء والماء والتعليم والصحة، ما يمكن أن يوصل البلاد إلى مأزق حقيقي، بل وإلى كارثة في ظروف الصراع الحاد في المنطقة ضد المخططات الأمريكية- الصهيونية التي يمكن أن تستغل كل ثغرة للنفاذ منها وتحقيق مخططاتها.

إن التطور العالمي الحالي يؤكد أن الرأسمالية تسير نحو الانهيار في المركز والأطراف، لذلك فإن النموذج المطلوب لبلادنا يجب أن يصاغ بناءً على المعطيات المستجدة على أرض الواقع اليوم.

والحال هذه، فإن الاشتراكية كمطلب ضروري وآني أصبحت من متطلبات الصمود الوطني اللاحق.. بينما تقوم الإصلاحات الاقتصادية الرأسمالية بإضعاف بنية المجتمع والدولة وجعلها أقل صلابةً ما يتناقض مع المصلحة الوطنية العليا.. إن الاشتراكية تعود اليوم لتدق الأبواب بشدة، فهي مطلب اجتماعي ووطني من الدرجة الأولى..

إن صياغة الشكل الملموس للاشتراكية في القرن الواحد والعشرين في بلادنا هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن..