الأزمة السورية.. والأكراد

الأزمة السورية.. والأكراد

من المعروف تاريخياً أن الراسمالية دائماً تحاول حل أزماتها عبر الحروب وعلى حساب الشعوب لإعادة اقتسام مناطق النفوذ والأسواق.. وهذه الحروب هي بين المراكز الرأسمالية ذاتها. كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية ولا يهمها نتائجها الكارثية علىالشعوب.

وفي الأزمة الحالية التي تشير المعطيات أنها ربما ستكون نهاية الراسمالية كمنظومة اجتماعية اقتصادية.. وبسبب وجود القوة النووية كقوة ردع يستبعد قيام حرب عالمية ثالثة بالشكل السابق.. لذا ستلجأ إلى الحروب الأهلية.. حيث يخفف ذلك من الخسائر المباشرة التيستفاقم أزمتها..

لذا تسعى الإمبريالية الأمريكية وربيبتها الصهيونية إسرائيل مع حلفائها الرجعيين والأنظمة الدكتاتورية إلى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وتحديداً السيطرة على مصادر الطاقة من نفط وغاز للمحافظة على تسعيرهما بالدولار وبقائه عملةً عالمية تسمح لها باستمرارالنهب والخروج من أزمتها ضمن مشاريع معدة مسبقاً كالشرق الأوسط كبيرة وصغيرة قديمة وجديدة.. أو تحت مسميات وهمية كنشر الديمقراطية أو حقوق الإنسان... وتنفيذاً لذلك تقوم بافتعال وإشعال الصراعات الأثنية القومية والدينية والطائفية والقبلية... لحرفالصراع عن جوهره الأساس وهو الصراع الطبقي.. وإغراق الشعوب بحمامات من الدم تنهكها وتنهك القوى المقاومة لمشاريعها.

وما يجري في منطقتنا.. من محاولات استغلال لحراك الشعوب.. يلتقي مع القوى الرأسمالية الطفيلية وليبراليتها الجديدة في البلدان العربية والتي حققت بعض النجاحات في تونس وليبيا ومصر واليمن بتغيير شكلي فقط. إلا أن ما يجري في سورية مازال مستعصياً عليها..لعدة عوامل خارجية... وداخلية...

خارجية بروز روسيا والصين مع مجموعة البريكس... والتي تلتقي مصالحها مع مصالح الشعوب في مواجهة الولايات الرأسمالية وحلفائها ومحاولة تفردها بالعالم  والأزمة التي أضعفتها اقتصادياً وانعكس ذلك عليها عسكرياً وسياسياً.. وبالتالي أصبحت غير قادرة علىالدخول في حروب مباشرة كما حدث في ليبيا.

 داخلياً الإرث التاريخي الوطني للشعب السوري ووحدة النسيج المجتمعي تاريخياً أيضاً رغم تنوعه القومي والديني والطائفي..

القومي الذي يتجلى في العيش المشترك منذ قديم الأزل بين العرب والكورد والأشوريين وغيرهم.

الديني الإسلامي والمسيحي حيث أن المنطقة هي مهد لهذه الديانات...

والتي كان لها دور كبير في مقاومة قوى الاستعمار من الحروب التي سميت زوراً وبهتاناً بالحروب الصليبية إلى مقاومة (العصملي) وسياسة التتريك إلى الاستعمار الأوروبي الحديث 

ففي سورية أول إنسان استوطن على الأرض وأول إنسان زرع.. وأقدم الحضارات وأول الأبجديات وهي من أوائل الدول التي حققت الجلاء والاستقلال.

لذا تسعى الآن الإمبريالية الصهيونية وربيبتها إسرائيل والدول الرجعية وحلفاؤهم في الداخل من قوى القمع والفساد والمعارضات المدعومة من الخارج لتفكيك النسيج المجتمعي وإنهاء المقاومة لمشاريعها وبسط هيمنتها.. بكل السبل والأساليب.. ومنها المقامرة بالورقةالكردية... واستغلالها بالتعاون مع تركيا والقوى المرتبطة بها والتي تسمى معارضة هذه المقدمة الطويلة تسمح بتكوين رؤية واقعية واتخاذ مواقف في مواجهة هذه المحاولة...

لاشك أن الشعب الكردي عانى كثيراً كما شعوب المنطقة من الهيمنة والاستغلال والحرمان من الحقوق الإنسانية والوطنية والاجتماعية.. لذلك حل مشاكله وإنهاء معاناته ليست بمعزل عن حل قضايا شعوب المنطقة.

ولا شك أيضاُ أن الحراك الشعبي كان له دور كبير في سورية في استعادة بعض هذه الحقوق.. ومنها إلغاء قانون الإحصاء الرجعي الذي سن في حكومة الإنفصال عام 1962 .. أي استعادة حق الجنسية وهذا ليس كافياً... لذا تسعى الإمبريالية الأمريكية والمعارضةالمرتبطة بها والمدعومة منها لاستغلال لك باستقطاب بعض القوى القومية الكردية وضمها إلى ما يسمى (المجلس الوطني السوري) مجلس اسطنبول.. بينما تقوم تركيا ذاتها بقمع الشعب الكردي وتحرمه من حقوقه.. إن الشعب السوري... بتاريخه وإرثه... قادر علىالمحافظة على نسيجه الوطني وقادر أيضاً على تحقيق التغيير الديمقراطي الجذري والشامل واستعادة حقوقه... ومنها حقوق الشعب الكردي دون أي تمييز.. وقادر على مواجهة محاولات التفكيك وخلق الصراعات الإثنية القومية والدينية.

لذا يجب النضال المشترك لمواجهة الخطر الخارجي والداخلي ومن أجل تعزيز الوحدة الوطنية.. والانتماء لسورية.. وهذا يتطلب أن يحصل الشعب الكردي على حقوقه الثقافية بالإضافة للحقوق السياسية للشعب السوري ككل لقد نص الدستور الجديد القديم على أن المواطنينمتساوون في الحقوق والواجبات... كما نص أيضاً على التعددية الثقافية.. وهذا يؤكد أن من حق الأكراد تفعيل كل ما يتعلق بثقافتهم في المجتمع السوري.

من حقهم أن يتعلموا لغتهم... فإذا كنا نتعلم الإنكليزية والفرنسية والالمانية أليس بالأحرى أن نتعلم اللغة الكردية كشعب سوري ككل وليس ككردي فقط..

 من حقهم أن تكون هناك صحف باللغة الكردية تعبر عن مطالبهم وطموحاتهم سواء بصورة مباشرة أو في إطار أدبي.

يجب إحياء التراب الشعبي الكردي ونشره وتطويره لإغناء التراث للشعب السوري.. بكل الأشكال الفنية في المسرح والسينما وغيرها..

تكوين قوى وأحزاب وجمعيات (وطنية) والمشاركة فيها تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية... 

وأخيراً إن إلغاء قانون الإحصاء رفع الظلم عن الكثيرين من أبناء الشعب السوري الأكراد وقطع الطريق على القوى الاستعمارية وحلفائها من استغلال ذلك.. وساهم في تعزيز الوحدة الوطنية.. كما أن تجسيد الحقوق الثقافية دستورياً، وتحقيق حقوق المواطنة كاملة أي عدموجود تمييز بين المواطنين السوريين على أساس الانتماء القومي أو الديني وتنفيذه عمليا سيكون له دور كبير في منح وحدتنا الوطنية قوة إضافية لمواجهة كل محاولات الهيمنة عبر إثارة الصراعات الأثنية وتفكيك النسيج الوطني ومن يعارض ذلك إنما يسعى سواء بشكلمباشر أو غير مباشر لتنفيذ المخططات المعادية للشعب والوطن.. والثقافة الكردية غنية شكلاً ومضموناً ومن يتخوف من ذلك أيضاً هو واهم بل من شأن ذلك أن يعزز الانتماء الوطني والوحدة الوطنية.. وهي مدعاة فخر واعتزاز لنا والتاريخ يبين لنا كم من الشخصياتالقومية والدينية ساهمت في إغناء ثقافتنا العربية كسيبويه وابن المقفع وبشار بن برد والخيام والخوارزمي وابن سينا.. والقائمة تطول كما نفتخر بالشاعر الكردي جكر خوين والفنان شيفان كما نفتخر بصلاح الدين الأيوبي، والأهم في ذلك أنه يقطع الطريق على أعداء الوطنالذين يريدون المقامرة بالورقة الكردية.

إن مصير الأكراد السوريين ومستقبلهم الآمن مرتبط بمصير سورية كوحدة جغرافية سياسية وبالمخرج الآمن من الأزمة ذلك المخرج الذي يتضمن حكماُ حق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، وبات في حكم الاستحالة استقرار الوضعالسوري دون الكف عن كل مظاهر التمييز وحجب حقوق المواطنة عن أحد من أبناء البلاد ومنهم الأكراد السوريون فاحترام الخصوصية القومية والكف عن التهميش والإقصاء، ضرورة كحق طبيعي لهذا الجزء من الشعب السوري وضرورة في الوقت نفسه من أجلتعزيز استقرار البلاد ووحدتها الوطنية.

إن زج الأكراد السوريين في دوامة الصراعات الإقليمية، أو الاتكاء على أحد من القوى الدولية سيؤثر سلباً على استقرار سورية، وعلى مصير المواطنين الأكراد بالدرجة الأولى ومن هنا فإن الشعب الكردي وقواه من مصلحتها أن تكون عنصراً  فاعلاً باتجاه المخرج الآمنمن الأزمة، ضمن رؤية وطنية سورية عامة امتداداً لدورهم الوطني في تاريخ سورية.