إفتتاحية قاسيون العدد 596 : الهجوم المضاد.. شامل أيضاً!

إفتتاحية قاسيون العدد 596 : الهجوم المضاد.. شامل أيضاً!

تصل المعركة التي تشن على سورية بالأدوات المختلفة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في هذه الأيام إلى واحدة من ذراها الأخيرة ما قبل الحوار وانطلاق الحل السياسي.

فإذا كان التصعيد والتوتير في المراحل السابقة يشمل الجبهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية معاً دون أن يأخذ الحدة نفسها على جميع هذه الجبهات في الوقت نفسه، فإن هذا التصعيد يصل اليوم إلى ذروة جديدة تتسم بأنها ذروة للجبهات الثلاث معاً.

فعلى الصعيد السياسي، يتم احتلال مقعد سورية في الجامعة العربية من «مفوضي» واشنطن واسطنبول والدوحة التي تعلن جميعها، وبالتوازي مع قرارات من الجامعة ذاتها، استمرار دعمها للعنف والتسليح في سورية، فيما يحاول «المفوضون» أنفسهم بغطاء أمريكي غربي اتباع سيناريو الاحتلال ذاته على معقد سورية في الأمم المتحدة، بينما تلوح الإدارة الأمريكية بحظر جوي فوق مناطق من البلاد.

وعلى الصعيد الأمني- العسكري تقوم واشنطن بجر الأردن جراً للعب دور الممر الأساسي للسلاح والمسلحين، ليشكل خطاً آخر جنوبياً مفتوحاً إلى جانب خط بعض الحدود اللبنانية غرباً، مع فتح ثغرات إضافية كبرى على خط الجولان- حوران، بعد الانسداد الواضح إلى الآن في تسخين الجبهة الشرقية مع العراق، وفشل أنقرة في كل محاولاتها العسكرية لخلق أمر واقع جديد شمالاً. ويتزامن ذلك مع تصعيد ميداني كبير ساحته الأساسية دمشق تحت قذائف الهاون.

اقتصادياً يستمر الحصار الخارجي ويتعزز بانحسار الانتاج الصناعي والزراعي داخلياً وبتقطع سبل النقل والإمداد داخل البلد، وكذلك بنمو المحتكرين وتعاظم وقاحة الفساد وإجرامه، وخاصة المرتبط منه بجهاز الدولة.

إن رفع سقف التصعيد المتزامن على جميع الجبهات، يهدف إلى استنفاد احتمالات الإسقاط، مرحلياً، كحد أعلى، أو إلى تأمين أفضل شروط ممكنة على طاولة ستصبح للتفاوض والتحاصص لا للحوار من وجهة نظر المشروع الأمريكي في المنطقة، كحد أدنى.

فإذا كنا نؤكد منذ البداية على أن الأزمة في البلاد هي وطنية وشاملة وعميقة، وإذا كان الهجوم اليوم شاملاً ومتزامناً، فإن الرد الوطني يجب أن يكون كذلك شاملاً على كل الجبهات، ولكي يكون وطنياً وشاملاً يجب أن يلحظ باهتمام أن بوادر تحالف فاسدي الطرفين لاقتسام البلد وفقاً لديمقراطية طائفية تخدم المشروع الأمريكي بدأت تبرز بشكل فاضح، وهو أمر طبيعي لأنهما متحالفان أصلاً على نهب الشعب السوري، ومن هنا فإنه من الممكن تكثيف عناوين الرد الشامل بما يلي:

سياسياً: تعبئة أكبر قدر ممكن من القوى السورية، بمن فيها تلك الموجودة في جهاز الدولة، باتجاه الحل السياسي، واتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه على رأسها إطلاق سراح المعتقلين وقضية التعويضات، وضبط عمل الأجهزة الأمنية بما يخدم توجه الحل السياسي لا بما يعاكسه تماماً كما في تصرفات وسلوك بعضها حالياً، وهذا الأمر كفيل ببناء درجة جيدة من الثقة مع المجتمع، بوصفها غلافاً أساسياً للحل السياسي..

عسكرياً- أمنياً: دعم الجيش الوطني وعدم السماح لأي كان بتلويث سمعته واستغلال تضحياته عبر أعمال قذرة يقوم بها «الشبيحة» وأشباههم، ومن جهة أخرى تأمين كل الظروف اللازمة لتأمين أوسع تحالف بين السوريين مسلحين وغير مسلحين لمحاربة غير السوريين ومن بحكمهم من تكفيريين وجهاديين.

اقتصادياً واجتماعياً: الرد على الحصار الغربي بوضع يد الدولة على كل الاستثمارات الغربية في سورية ومصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة، إضافة إلى تأميم القطاعات السيادية ومنع استثمارها من أي كان، إلا من جهاز الدولة وعلى رأسها الموانئ والاتصالات، وفتح ملفات الرقابة والتفتيش والبدء بمحاكمات علنية للفاسدين الكبار..

إن المرحلة الحرجة التي ستمر بها سورية خلال الأسابيع القليلة القادمة ما قبل الحوار ستشهد تصعيداً كبيراً جداً من أعدائها في الداخل والخارج، سيدفع السوريون ثمنه غالياً قبل طاولة الحوار وخلالها، والأكبر بعدها، إن لم يعدوا له العدة وإن لم يتصدوا له. إن المرحلة رغم صعوبتها تقدم فرصة تحالف وطني واسع عابر للتصنيفات المسبقة من موالاة ومعارضة، وعابرة لكل انتماءات ما قبل الدولة الوطنية من طائفية وإثنية وعشائرية، تحالف يهدف إلى تحقيق المهمتين الوطنيتين الأساسيتين المتمثلتين بالحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً بالتزامن مع استحقاق التغيير الوطني الجذري الشامل الذي يؤمن فيما يؤمنه نموذجاً اقتصادياً قائماً على تحقيق أعلى نمو وأعمق عدالة، وأشكاله الديمقراطية والقانونية ذات الصلة.