الفساد جذر المشكلة

الفساد جذر المشكلة

تشكّل المقولات العامة والمعوّمة حول «الديمقراطية»، و«حقوق الإنسان»،  أحد العناصر الرئيسية الواسمة لهويّة الخطاب التقليدي لبعض المعارضة من الفضاء السياسي السوري القديم، كنقيض للقمع والاستبداد، والذي يقصد به غالباً الشكل الظاهر للقمع الأمني فقط، فيصبح تغيير هذا الشكل هو الهدف السياسي المعلن والوحيد لتلك القوى، والتي تركّز بذلك على النتائج، والأدوات والأذرع بدلاً من السبب الأصلي، الذي دون استهدافه سياسياً لا يمكن تحقيق أي تغيير جذري حقيقي

من وجهة نظر علم الاجتماع والسياسة العلمي، لا يوجد قمع من أجل القمع، بل يكون القمع دائماً ذا هدف سياسي أي اقتصادي-اجتماعي، وهو المحافظة على نمط محدد من توزيع الثروة في المجتمع، للمحافظة على هيمنة الطبقة الاجتماعية السائدة.

هذا لا يفسر فقط القمع التاريخي الذي كانت تمارسه وما تزال أجهزة الأمن العادية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً دخول أدوات جديدة على خط القمع، تتمثل بميليشيات مسلحة بسلاح خارج إطار شرعية الدولة، سواء كانت تحت مسمى «نظام» أو «معارضة».فبعضها تحركها تلك القوى الطبقية التي تمايزت في المجتمع السوري خلال العقود الأخيرة، تعبيراً عن شريحة الفاسدين الجدد من محدثي الثروة، أو ما يسمى القطط السمان، الذين لجؤوا إلى وسائل العنف المباشر لتحقيق أهدافهم السياسية، لأن الوسائل الأخرى لم تسعفهم في تمرير مشروعهم كاملاً كما يريدون، أي إحداث انقلاب كامل للعلاقات الاقتصادية الاجتماعية من نظام دور دولة تدخلي في الاقتصاد، يراعي إلى حد معين مصالح الطبقات الشعبية، عبر الدعم، إلى نظام رأسمالية السوق الحرة كاملةً، الذي قطع أشواطاً لكن لم ينجز إنجازاً كاملاً كما كانوا يحلمون، بسبب المقاومة التي لاقاها داخل الدولة والمجتمع من القوى الطبقية الشعبية النقيضة.

إنّ القوى القمعية الجديدة، من حيث بنيتها تضمّ فئات من المهمشين والفقراء الذين أفرزتهم سياسات الإفقار الليبرالية المتسارعة وخاصة منذ العام 2005، وفي الوعي البسيط لهذه الفئات فإنّ الدوافع لحمل السلاح والقتال، هي دوافع تقسيمية وطائفية تبثّها وتحرضها تلك القوى المحركة الفاسدة، لأنها لا تستطيع أن تكشف لأدواتها هذه الدوافع الحقيقية لاستعمالها إياها، أي لا تستطيع أن تقنعهم مثلاً إذا قالت لهم: «نستخدمكم من أجل الحفاظ على ثرواتنا، واستمرارنا بنهب المزيد، والتي سرقناها منكم ومن فقراء الشعب، وأننا نستخدمكم حطباً لتحقيق مصالحنا الطبقية».

بالمثل تماماً توجد قوى الفساد «المعارضة» التي تنتمي طبقياً إما إلى البرجوازية الكبيرة المتحدرة عائلياً من الإقطاع البائد عبر التحولات التاريخية لسورية، والحاقد على سياسات التأميم التي قامت بها البرجوازية الصغيرة الفلاحية التي سيطرت على السلطة السياسية منذ حكم الناصريين في إطار الجمهورية العربية المتحدة، ثم البعثيين منذ السبعينيات في سورية، وهذه تحمل إضافة إلى حقدها التاريخي، حقداً على منافستها البرجوازية البيروقراطية التي استفادت من السلطة، ولم تحصل على ما يبدو على الحصة التي كانت تأملها من مكاسب شرائح البرجوازية الطفيلية التي استفادت داخلياً من السياسات الليبرالية خلال العقد الأخير. أي أنّ لها مثل قوى الفساد الداخلية نزعة تدميرية ضدّ المجتمع، لا تستطيع أن تقنع مهمشيه وفقراءه الذين تزودهم بالسلاح «المعارض» إن كشفت لهم بأنها تستغلهم لتحقيق مصالحها الطبقية المناقضة لمصالحهم أصلاً، لذلك تستخدم أيضاً التحريض الطائفي والفئوي المضاد.

وحتى المسلحين التكفيريين والقاعديين هم أدوات بيد الفساد الأكبر العالمي، متمثلاً بالقوى العظمى الإمبريالية، الأمريكية والغربية.

الفساد الكبير بكل مواقعه واصطفافاته المختلفة ظاهرياً هو السبب الأساسي المولّد والمحرّك للعنف والعنف المضاد، للقمع والقمع المضاد، ولكن هذا التضادّ ليس تناقضاً حقيقياً بل هو اختلاف ثانوي، لا يمكن لأية قوة سياسية تدعي وقوفها إلى جانب الشعب والمقهورين والفقراء أن تدعم أي شكل من الأشكال الحالية للعنف على الساحة السورية، وبالتالي فإنّ جديتها تظهر من خلال موقفها الحقيقي خطاباً وممارسةً من أساس القمع ومصدره، وليس فقط من أدواته، أي من الفساد الكبير ومنظومته الظالمة لتوزيع الثروة في المجتمع.

آخر تعديل على الثلاثاء, 08 نيسان/أبريل 2014 22:58