عمق الدور الوظيفي في الثابت والمتغير
بمجرد قراءة بسيطة لمشروع موضوعات المهام البرنامجية المقدمة للاجتماع الوطني التاسع لوحدة الشيوعيين السوريين، تنفتح الشهية للحوار والكتابة في جزئياتها وتفاصيلها، والتي ستكون بمجموعها بعد إقرارها إغناءً حقيقياً للموضوعات البرنامجية التي سيقرها الاجتماع الوطني، والتي ستشكل الأساس الحقيقي لبناء حزب شيوعي حقيقي.
ففي السنوات الأخيرة قامت محاولات عديدة ومن مختلف الجهات والاتجاهات السياسية لضرب ومهاجمة الماركسية ـ اللينينية، ليس بوصفها إيديولوجيا فقط، وإنما بوصفها الأساس الفكري والنظري والتنظيمي للحركة الشيوعية ككل، وكان واضحاً أن كل الاتجاهات التي كانت تمشي بهذا السرب حظيت بدعم لا مثيل له من أعداء الشيوعية، الذين كان لهم دور بارز في انتعاش الانتهازية داخل الحزب، حتى أصبح كل من يعمل من أجل خراب الحزب يلقب بأنه «أبو الحزب» أو أنه مطور الماركسية الحقيقي، رغم أنه غالباً أبعد ما يكون عنها، لأن الماركسية- اللينينية بوصفها علماً، لم تعط تفسيراً متكاملاً ومتناسقاً وتكتشف القوانين الموضوعية لتطور المجتمع والطبيعة فقط، بل رسمت أيضاً الحدود بين الشيوعي الحقيقي والشيوعي المزيف.
ومن هنا فإن التجربة التاريخية أظهرت أن وحدة الشيوعيين وتنظيمهم بقوة واحدة، أمر ضروري من أجل تحقيق أهم التحولات الاجتماعية في ظروفنا الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التنظيم ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما وسيلة لبلوغ الهدف المنشود، والوحدة المنشودة - كما جاء في المرجعية الفكرية - ليست بوحدة المواقف النظرية، وإنما يجب أن تعني وحدة الإرادة والعمل.. لذا فإن نجاح الشيوعيين السوريين في إعادة بناء حزبهم الشيوعي القادر على لعب دوره الوظيفي ـ التاريخي تشترطه شروط عديدة، تأتي في مقدمتها صحة سياسته وخطابه، ومتانة صلاته بالجماهير أي بالعودة إلى الشارع، وفعالية النضال الذي يخوضه، وأشكال وطرائق العمل التي يطبقها على أرض الواقع، ولعل هذه كانت إحدى النقاط العلام التي أجرت فرزاً طبيعياً بين الشيوعيين أنفسهم، فعام على السطح وبشكل واضح، الشيوعي «الرث» البائس، من الشيوعي «الحقيقي والملتزم» بقضايا شعبه ووطنه، أي بنوعية أعضائه والتي تكللت بطرح فكرتي المؤيد والناشط.
إن مشروع الموضوعات أكد على أن استعادة الدور الوظيفي ـ التاريخي لابد أن تستند إلى المرجعية الفكرية الماركسية - اللينينية التي تتطور ويتصلب عودها في النضال ضد الميلين اللذين يعيقان تطورها وهما: العدمية والنصوصية، والسؤال: كيف سيحاسب المنتسبون الجدد للحزب من خلال هذين المعيقين، خاصة وأن شروط العضوية منذ التأسيس وحتى الآن هي نفسها التي تجتمع بثلاثة بنود لقبول العضوية، وهي أولاً: الاعتراف ببرنامج الحزب ونظامه الداخلي، وثانياً: الانضمام لإحدى المنظمات الحزبية والاشتراك في نشاطها، وثالثاً تنفيذ قرارات الحزب ودفع اشتراكات العضوية، أي المالية؟.
والسؤال الآخر: كيف سنعمل ضد هذين الميلين على مبدأ تطهير الحزب من هذه العناصر السيئة بعيداً عن مبدأ الإقصاء، مع يقيننا أن المئات كانوا يتسربون إلى صفوف الحزب لأغراض وأهداف شخصية، ومن أجل الحصول على مزايا ومكتسبات، وهؤلاء هم كانوا أكثر الأعضاء إضراراً للحزب، وفقدانه لسمته التاريخية المتمثلة بدوره الوظيفي التاريخي؟.
فإذا كانت الماركسية وعي الضرورة، أي وعي القوانين الموضوعية، فإننا مدعوون بكل تأكيد، للتعامل مع هذه القوانين الموضوعية، لأن ماركسية اليوم في هذا العصر كعلم اجتماع، هي علم التحكم الواعي بالعمليات الاجتماعية، مع التنويه أن هذا العلم في مجالاته الأخرى هو تحكم واع في كل مجال يطرقه، أي أن الماركسية بمعناها الحقيقي يظهر دورها في هذا السياق كونها الجزء الذاتي والموضوعي معاً، الذي هو بالنهاية ذلك الوعي في سياق التطور.
فهل الفصائل الشيوعية متفرقةً تملك تلك الإمكانيات والوسائل للتأثير في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية؟ وهل سيكون لها ذلك التأثير المأمول وهي موحدة؟
إذا كان البحث في قضية الثابت والمتغير مسألة معقدة جداً لدى بعض الأطراف والقيادات، فإن من مهمة الماركسيين أن يجدوا تلك الحدود الصحيحة في الظروف الملموسة اليوم، ما بين حدود الثابت وحدود المتغير، نظرياً على أقل تقدير، أي في إطار المنهج والقوانين والفرضيات، لأن إنجاز المنهج في قضية الثابت والمتغير ستحل العديد من المشكلات بين الماركسيين، كون المنهج يدخل نسبياً في إطار الثابت، ولأن التغيرات على المنهج هي تغيرات نسبية. أما الفرضيات فهي بالمطلق في إطار المتغير، أما القوانين فهي ما بين بين، ومن هنا كان التأكيد على خطورة التيارين الذين يتعاملان مع الماركسية بالعدمية والنصوصية، أي التعامل مع الماركسية ضد المرجعية الفكرية كنص مقدس ممنوع التقرب منه أو العدمية من خلال اعتبار الماركسية مجرد منهج وينفي قوانينها نفياً قاطعاً، أي نفي تجربة عشرات السنين من التراكم المعرفي.
إن التربية الشيوعية الصحيحة هي إحدى أهم مهام إعادة الدور الوظيفي التاريخي للحزب الذي سيعيد بناء الشيوعية من خلال الانضباط الواعي في العمل.
بالنهاية يمكن القول ودون أي تردد أو خوف، إن الثبات على المرجعية الفكرية المستندة على الماركسية ـ اللينينية تزيد من وعينا وثقتنا بأنفسنا والتاريخ، وما نقوم به، لأن هذه المرجعية ستكون بمثابة المفتاح للنضال المتواصل الذي سيكلل بالانتصار في مهامنا الكبرى وطنياً واجتماعياً وطبقياً وديمقراطياً.