«طوق النجاة»
تزداد وضوحاً يوماً بعد يوم أزمة الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني بداية النهاية لهذا المشروع وكل ما يرتبط به، ويعني أيضاً أن على المعارضة السورية التي تطالب الناس بالخروج من قارب النظام الذي يغرق أن يخرجوا أنفسهم من القارب الأمريكي الذي يغرق بدوره، ويعني بالضرورة تخلي النظام عن حله الأمني العسكري البحت الذي تتمناه وتدفع باتجاهه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أنه يتكامل مع الموقف المقابل من جانب المعارضة المرتمية في الحضن الأمريكي ذاته، الأمر الذي يؤدي دون أدنى شك لتعميق الأزمة السورية،
ويمكننا تحليل «معركة تحرير دمشق» في السياق نفسه، فقد ازداد وضوحاً أن تصعيد العمل المسلح من المعارضة لن ينهي الأزمة بل سيدفعنا باتجاهات مظلمة، حيث صعّدت المجموعات المسلحة على اختلافها عملياتها في دمشق خلال الأسبايع الماضية والتي اتخذت من مناطق مدنية مركزاً لهذه العمليات في محاولةٍ لتوسيع دائرة الاستياء، ودفع الجيش إلى الدخول في هذه المعركة.
رافق التصعيد الذي شهدته دمشق تصعيداً إعلامياً شديداً مما أعطى الشارع المعارض أملاً زائفاً بحسم المعركة بهذا الشكل، وسرعان ما أعلن البعض مواقف انتهازية داعمة «للجيش الحر» مفترضين أنه المنتصر، ولكن سرعان ما تبين أن الانتصارت التي روج لها إعلامياً كانت بهدف تغطية فشل كبير على الأرض حيث تتالت «الانسحابات التكتيكية» وترك المسلحون جبهاتهم بعد أن هُجّر من هُجرّ وقُتل من قُتل من المدنيين.
حاول الجيش تأمين مخرج آمن للمدنيين قبل دخول المناطق التي سيطر عليها المسلحون حيث أرسل إنذرات الإخلاء قبل البدء بالعمليات، ولكن هذه الإنذرات لم تشمل كل المناطق ولم يكن الوقت كافٍياً للسكان في مناطقٍ أخرى لترك بيوتهم وخصوصاً مع عدم وجود بديل واضح للإقامة ولو مؤقتاً. لا شكّ أن الحسم العسكري أصبح ضرورياً في حالاتٍ عديدة ولكن تقديمه بشكلٍ منفصل عن حل سياسي شامل ـ لم تظهر نية تبنيه من النظام بعد ـ سيظل قاصراً وغير كافٍ، إذ لا يوجد ضمانات لعدم تكرار ما حصل مؤخراً بشكل موسّع مما يعني هذه المرة تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي، أي أنّ النظام مطالب بحل مشكلات الأزمة ونتائجها بشكلٍ ملموس بعيداً عن قراراته الفضفاضة غير الواضحة.
وبالنظر إلى الزاوية الأخرى في المشهد العام فقد ذهب «الجيش الحر» هذه المرة وبشكلٍ فاضح لتوريط حاضنته الاجتماعية بعملية عسكرية خاسرة مسبقاً مما أدى وبشكلٍ واضح إلى استياء كبير من هذه الخطوة وقد بدأ الشارع الشعبي المعارض، الذي يتوق كغيره لتغيير جذري تقدمي للنظام القائم، بدأ يفقد ثقته بالطريق المسلح المدعوم أمريكياً مما يعني ضرورة إعادة النظر بطريق النضال الوطني السلمي والقطع الكامل مع تلك «المعارضة» التي دفعتهم للموت، أي يجب الاستفادة من التجارب السابقة (حمص نموذجاً) التي لم تكلل بالنجاح وأدت لازدياد أعداد الضحايا وتعميق الشرخ القائم، كما يجب الاستفادة من الوضع الدولي الملائم للتغيير المطلوب داخلياً حيث إن من الغباء إعادة التجارب الفاشلة من المعارضة مرة أخرى في دمشق ومن الغباء أيضاً اعتماد خيار الحسم دون حل سياسي، حيث إن إمكانية أن يكسب الجيش السوري ثقة كامل الشارع السوري مجدداً ويكون الحامي الحقيقي لهم من العنف الذي تعرضوا له لم يعد ضرباً من الخيال، مما يعني إمكانية إنجاز مهمة التغيير الحقيقي مع الحفاظ على الجيش الوطني موحداً، وهو المطلوب..