بث الروح في أوهام «الحسم العسكري»

بث الروح في أوهام «الحسم العسكري»

عادت الأوساط الإعلامية والسياسية المتشددة في النظام إلى نغمة الحسم العسكري ضد المعارضة المسلحة، وجاء ذلك، للأسف الشديد، عبر الإعلام الرسمي الذي كان قد قطع شوطاً خلال الأشهر الماضية في اقترابه من لغة الحوار والحل السياسي كمواكبة للمبادرة الحكومية للحل السياسي. فما الذي استجد؟؟

وقفت قوى الفساد الكبير داخل النظام منذ بداية الأزمة ضد الحل السياسي، ومارست الشحن من خلال إيهام الناس، وجمهور الموالاة تحديداً، بأن القوة العسكرية التي تمتلكها الدولة قادرة على حسم الوضع ضد المؤامرة بمعزل عن إنجاز أي إصلاح أو مطلب محق للحركة الشعبية السلمية، لا بل دعت إلى مقابلة مطالب هذه الحركة بالعنف، الأمر الذي سهل على الغرب وحلفائه في المنطقة التدخل بالبلاد سياسياً وعسكرياً تحت ذرائع حماية الشعب من عنف النظام.

وعبر هذا الطريق تصاعد العنف والعنف المضاد في البلاد وزج بالجيش في حرب طاحنة كان من الممكن تجنبها عبر الحوار وملاقاة مطالب المحتجين منذ البداية وقطع الطريق على التدخلات الخارجية..

استمر العنف وما رافقه من خسائر في الأرواح والبنى التحتية تحت شعاري: «إسقاط النظام» من جانب متشددي المعارضة، وشعار «الحسم العسكري» من جانب متشددي الموالاة. والواقع أن التوازنات الدولية والداخلية كانت تمنع انتصار أي من الطرفين عسكريا، الأمر الذي يفرض الاحتكام إلى لغة الحوار والحل السياسي كمخرج وحيد من الأزمة. إلا أن الطرفين المتشددين كانا يناوران باستمرار للتملص من التوصل إلى حل سياسي، ويعملان على تعبئة الجماهير حول منطق «الانتصار العسكري»، عبر الماكينات الإعلامية والتحريض وتقوية النزعة الثأرية..آلخ. واستمر الوضع هكذا حتى بلغت الأزمة من الشدة ما أرهق الناس على اختلاف مواقفهم ومواقعهم وبدأت تتزعزع الثقة بقدرة أي من الطرفين على الحسم، وترافق ذلك مع توافق روسي- أمريكي حول تسوية الأزمة السورية سياسياً، فبدأ الانعطاف باتجاه الحل السياسي خضوعاً للضغوط الدولية والشعبية، وبدا ذلك جليا في مبادرة الحكومة للحل السياسي ورد بعض رموز المعارضة في الخارج إيجابا عليها. وبدأ الحديث عن مشاورات وتهيئة الأجواء لعقد مؤتمر للحوار الوطني وإلى ما هنالك..

وفي الواقع، إن الهدف الأساسي من بث الروح في وهم «الحسم العسكري» هو الالتفاف على الحل السياسي بما يجعله شكلياً فاقداً لأي مضمون حقيقي يكفل تحقيق التغيير الجذري الشامل الذي ينشده السوريون. ولكي يضمن لقوى الفساد الكبير حفاظها على بعض المواقع في المرحلة المقبلة. وتثبت تجربة الشهور القليلة الماضية التي شهدت نقاشاً واسعاً حول سيناريو الحل السياسي والحوار أن الشريحة الأوسع من المجتمع السوري فقدت الثقة بأي خطاب من هذا النوع.

لذا ينبغي الحفاظ على ما تم تحقيقه من تقدّم اتجاه الحل السياسي، على قلته، وتعزيز هذا الميل، وعدم الانسياق خلف تلك المحاولات البائسة لإعادة إحياء الأوهام التي دفع ثمنها السوريون وحدهم دماءاً ودماراً.