نشاط إنساني أم استخباراتي؟!
يقف المجتمعون، مبتسمين، فرحين باعتزاز بإنجازهم الإنساني العظيم، بعدها يعلق المعلقون ويحلل المحللون لنعرف نحن السوريين أن أمماً ودولاً قد اجتمعت لـ«إغاثة الشعب السوري المنكوب»...
هكذا نسمع عن «مؤتمرات الإغاثة والصداقة والمعونة» التي تأتي بعد جهود «مضنية» وحثيثة من قوى معارضة موجودة غالباً في الخارج، والهدف المعلن هو تخفيف معاناة الشعب السوري إثر الأزمة وتعقيداتها، من نزوح وتهجير وتراجع في المستوى المعيشي والحياة اليومية وغياب الأمان على حياة الأفراد، هذه المعاناة البادية في كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية للسوريين.
يحق لنا هنا أن نتساءل: أليست العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية هي ذات الأثر العظيم على حياة الشعب ومصيره اليوم والمآسي التي يعانيها؟ العقوبات التي طالبت بها وسعت لتحقيقها تلك القوى المعارضة ذاتها؟ وفي تدقيق البعد الإنساني للتعاطي مع الأزمة السورية ومآسي الشعب، ألا تتقاسم تلك القوى ذاتها مسؤولية كبرى مع النظام تجاه مستوى العنف والدم الذي ساد في البلاد؟ والخطوط الفاصلة هنا واضحة بين القوى السياسية وتوجهاتها وبين الناس العاديين في الشارع، أولئك الذين أمسوا مهيئين لحمل السلاح والنزوع للعنف بعد الاحتقان الذي تراكم جراء العنف والقمع، والحل الأمني البحت، الذي تعاملت فيه السلطة مع التظاهرات الأولى في البلد، هنا جاء دور تلك القوى المعارضة بعد النظام لتعمل على نشر السلاح والإصرار عليه وتسويقه إعلامياً وشعبياً معتمدة على الاحتقان ومشاعر الانتقام المتراكمة لدى الفئات الشعبية المتعرضة للقمع الشديد، القوى المعارضة التي اعتبرت السلاح الحل الوحيد لتحقيق أهدافها لتتماثل بذلك مع النظام..
إذاً فإن قوى المعارضة تلك تتحمل المسؤولية مع النظام حتماً تجاه العنف الذي ساد في البلد وأسس للمآسي والمعاناة التي يذوقها الشعب السوري المهجر بعيداً عن بلده أو من بقوا في البلد سواء نزحوا من بيوتهم أم لا، ولا يحاولن أحد إقناعنا بـ«حسن النوايا» التي افترضت على أساسها تلك القوى أن السلاح هو الحل، فلا وجود للنوايا الحسنة مع الأمريكان والأوربيين، ولا نوايا حسنة عندما تكون معظم المساعدات التي قدمت من الدول الأوربية وأمريكا و«أصدقاء سورية» لقوى المعارضة ذاتها كانت أجهزة اتصالات ودورات للتقنيات الاستخبارتية والإعلامية وكل ذلك تحت مسمى «مساعدات للشعب السوري»، ولا نوايا حسنة مع كل تلك التكاليف المدفوعة على المؤتمرات العديدة والجهد الإعلامي والحربي المبذول.
لانوايا حسنة إذاً ولا مصادفات، وفي الواقع فإن أسلوب الاستجداء الذي تعتمده تلك القوى يعكس طابع المساعدات المطلوبة والتي كانت في معظمها كما ذكرنا وهي عملياً شكلت أداة استمرار العنف واستمرار نزف الدم ومعاناة ومآسي الشعب السوري، وأسلوب التوسل هذا على حساب معاناتنا ودمنا، نحن السوريين، هو أبعد ما يكون عن مصلحة الشعب وآماله في حركة شعبية حقيقية تحفظ كرامة سورية شعباً وأرضاً..